الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انا عبد للقلم والحبر ... بلزاك

زيد محمود علي
(Zaid Mahmud)

2015 / 6 / 6
الادب والفن


انا عبد للقلم والحبر ... بلزاك


اكثر من قرنيين مر على ذكرى الكاتب الفرنسي الكبير (( أونوريه دي بلزاك )) ، ويبقى هذا الاديب المبدع والاصيل في قلوب جميع ابناء الشعب الفرنسي ، الذين منهمكين في قراءة ادبياته الخالدة ، وكما يقولون ان الادب العظيم لايموت ، وان اكبر دليل على ذلك انه ليس مقتصرا" على العامة بل حتى المفكرين الكبار امثال كلود ليفي شتراوس الذي تجاوز المائة عام قبل بضعة أشهر، والذي توفي 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قال إنه منخرط في قراءة روايات بلزاك للمرة الأربعين! تصوروا أربعين مرة! من يصدق ذلك؟ إنه لا يشبع منها.. ومعه الحق. والشيء الجدير بالملاحظة ان هذا الكاتب المتميز يكتب ثلاثة روايات في الشهر الواحد ، بحيث تجاوزت الثمانين من الروايات الرصينة ، وكان يغوص في عالم الخيال ساعات اليوم الكثار ومن ثم يعود الى الحياة الطبيعية ، التي كانت لاتعنيه بقدر ماكان يصور الواقع وينقله الى القرطاس ، وهذه مهمة عسيرة فليس من السهل أن تغطس في عالم الخيال المجنح طيلة ساعات وساعات ثم تعود إلى العالم الحقيقي ، وهنالك وجهات نظر بحق هذا الروائي المخضرم ، حيث يرى «جان دورميسون» عضو الأكاديمية الفرنسية الشهير أن الرواية البلزاكية هي رواية واقعية. فما يرسمه بلزاك وما يصوره، هو العالم الحقيقي الواقعي. وبلزاك كان مراقبا من الطراز الأول. كان يسأل أصدقاءه عن المعلومات التفصيلية الأكثر دقة لكي يستخدمها في رواياته. كان يسأل مثلا عن أسماء الشوارع والأزقة والساحات العامة، إلخ... ولكن على الرغم من ذلك فلا يمكن أن نختزل بلزاك إلى مجرد كاتب واقعي موضوعي جاف. بلزاك شاعر قبل كل شيء. إنه رؤيوي. كان خياله متوثبا، مشتعلا، عملاقا. كان ساخنا وباردا في ذات الوقت، أو شاعرا وناثرا في نفس الرواية إن لم يكن في نفس الصفحة! هناك تكمن عظمة بلزاك، وكل فنان كبير من عياره الثقيل: كديستيوفسكي ومارسيل بروست على سبيل المثال لا الحصر. إن كتب تاريخ الأدب الفرنسي تموضع بلزاك عادة في نقطة التمفصل الكائنة ما بين الرومانطيقية والواقعية. ولكن بلزاك هو أولا وقبل كل شيء شاعر ضخم. إنه شاعر العالم الواقعي. إنه خلاق يحلم بإبداعه ويخترعه اختراعا قبل أن يسطره على الورق. في رواياته شحنات شعرية هائلة. ولكن، أليس كل روائي كبير هو إنسان واقعي بارد وشاعر متأجج في ذات الوقت؟ لقد انتقل بلزاك بأدبنا من الرومانطيقية إلى الواقعية. وبعده بنصف قرن ظهر روائي كبير آخر هو إميل زولا، وانتقل بالأدب الفرنسي نقلة إضافية باتجاه المزيد من الواقعية: لقد انتقل به إلى المدرسة الطبيعية. أصبحت الرواية على يديه تشريحا للمجتمع والحياة، كما يفعل عالم الطبيعيات الفيزيولوجية. وقد لامه البعض على ذلك لأنه بالغ في هذا الاتجاه وحول الرواية إلى ما يشبه الدراسة العلمية السوسيولوجية ،أما جان ماري روار، رئيس الملحق الثقافي لجريدة «الفيغارو» وعضو الأكاديمية الفرنسية، فيكتب قائلا: كان بلزاك مهووسا بشخصية نابليون. وكان يريد أن يحقق في مجال الأدب ما حققه نابليون في مجال الحروب والفتوحات. كان يريد أن يصبح إمبراطور الرواية مثلما أن نابليون هو إمبراطور السياسة. وقد أصبح. ولكنه، كنابليون، كان مزدوج الشخصية. فقد كان نابليون ثوريا ويحب النظام في آن معا. كان محافظا وتقدميا. وهكذا كان بلزاك: فهو محافظ سياسيا وتقدمي روائيا. ولكن الشيء الذي أحبه بلزاك فيما وراء كل شيء هو الحرية. أقصد الحرية العليا، أو الحرية الأرستقراطية التي يتمتع بها الفنان . إن المرء ليتجاذبه الإعجاب بضخامة إنتاج بلزاك الأدبي الذي استشرف حدَّاً من الخصب يعجز عنه أيُّ كاتبٍ آخرَ، ومع أن سنّه لم تكن تجاوز واحداً وخمسين عاماً حين وفاته، فقد قارب عددُ رواياته التي نشرها في عشرين عاماً خمساً وثمانيـن روايــة، ينتظمهــا كلهــا عنــوانٌ موحَّدٌ هــو «الملهاة الإنسانية كما لو أنه كان يبغي بهذا العنوان المعبِّر أن يماثلَ بها «الملهاةَ الإلهية» للشاعر الإيطالي دانتي[روقد لخّص بلزاك ملهاته الإنسانية في أقسامٍ ثلاثة شاملةٍ تنتظمها كلَّها. القسم الأول يضمّ دراساتٍ في العادات والطبائع ، تتألَّف من ستة مشاهد أوّلها مشهد عن مباذل الحياة الخاصة، وثانيها عن الحياة في الأقاليم، وثالثُها عن الحياة في باريس، ورابعُها عن الحياة السياسية، وخامسُها عن الحياة في الريف، وسادسُها عن الحياة العسكرية. ويتألَّف القسم الثاني من دراساتٍ فلسفيةٍ، أما القسم الثالث فيتّسق في دراساتٍ تحليليةٍ.
ولعل أشهر قائمة رواياته الكثيرة: «الثوار الملكيون و«إهاب الشجن ، و«أوجيني غرانديه، و«الأب غوريو» و«الزنبقة في الوادي و«الأوهام المضيَّعة و«خوري القرية و«ابنة العــم بيتو«ابن العم بونس و«المرأة ذات الثلاثين ربيعاً وغيرها. وكان مقدّراً على بلزاك، فيما كان يبدع رواياته، أن يُؤتى قدرةً فائقةً على العمل، وإرادةً صلبةً، وصبراً دؤوباً وثقافةً واسعةً، وأسلوباً متميِّزاً، وقد امتلك ذلك كلَّه، فكان يبدوـ كما قال عنه شامبفلوري ـ بمنكبيه العريضين وعنقه الغليظ وبسطة جسمه وحيويته المتدفِّقة أشبهَ بخنزيرٍ بريٍ، إذ كان قادراً على العكوف على أدبه بهمةٍ نادرةٍ لا تُجارى. وكان يطيب له أن يقرنَ نفسه إلى نابليون، زاعماً أنه حقَّق بقلمه ما لم يستطعْ نابغةُ الحرب بسيفه. وكان يحلو له أن يستيقظ في منتصف الليل، ليعمل اثنتي عشرةَ ساعةً متواصلةً، فإذا ما ملأ صفحاتٍ من روايته، ودفع بها مباشرةً إلى المطبعة، ثم أُعيدت إليه ليصحِّح أخطاءها المطبعية، ملأَ حواشيَها بإضافاتٍ كثيرةٍ مستجدَّةٍ، وقد كتب إحدى رواياته في اثنتين وسبعين ساعةً، وأنفق ستين ليلةً في صقلها وتهذيب أسلوبها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بلزاك في قلوب العالم وليس الشعب الفرنسي فقط
سامح ابراهيم حمادي ( 2015 / 6 / 6 - 19:10 )
الفاضل الأستاذ زيد محمود علي

تشكر على تناولك لأحد عمالقة الأدب الفرنسي والعالمي، بلزاك

لفت نظري قولك الكريم عن المفكر كلود ليفي شتراوس الذي تجاوز المائة عام أنه
ما زال ( حتى قبل موته في أكتوبر الماضي) منخرطا في قراءة روايات بلزاك للمرة الأربعين! تصوروا أربعين مرة! من يصدق ذلك؟ إنه لا يشبع منها.

سيدي الكريم
ليس للمتعة فحسب يقرأ شتراوس أعمال بلزاك، بل إنه في كل مرحلة من عمره ونضوجه الفكري يستوعب أعمال الأديب بطريقة مغايرة عما استوعبها وهو في مرحلة سابقة أو عمر أصغر

احترامي وتقديري سيدي

اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا