الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خمرٌ قديمةْ ،خمرٌ جديدةْ

حازم العظمة

2005 / 10 / 5
الادب والفن


(إلى ياسر اسكيف)
كنتَ مُهمَلاً
والمساءات كانت تهبطُ بطيئةً من القصبِ

ثم عُدتَ مُهمَلاً
، ومضتْ ليالي الصيفْ

والمساءاتُ
ظلّتْ بطيئةً تهبط من القصبِ

*

في هذا النهارِ الضبابِ من آخر كانون الثاني تستطيع أن تتلمس خيطاً رفيعاً يصلُ "محددة أبو إسماعيل الإفرنجية" وقبائلَ همجيةٍ من شمال ألمانيا حوالي 500 بعد ميلاد يسوع

،... يسوع الذي بدوره ولد هنا في مفازةٍ ما من هذا الشرق السعيدْ
ربما في نهارٍ ضبابٍ كهذا من آخر كانون الأولَ

ثم تَعجبُ
كيف تنسى
وتعجبُ كيف تذكرُ...

وأن "حَدَدْ"
ما يزال هنا
وكيف أن "الفرانكيينَْ"
في لافتة المحددةْ بعد كل هذه السنينِ

*

ثم أن غنوصيينَ كانوا يهبطون
في مقدمةِ الريحِ

أو كانوا يهبطون من المقبرةْ
، أحياناً ما كنتَ تصادفهم
يصعدون في الأدراجِ
يمضون أمام رفيف معاطفهمْ ...

ـ غادرتُ هذه الأماكن منذ أكثر
من مئة سنةٍ

ـ لم أَعدْ أبداً

*

هكذا في صباحٍ ضبابٍ من منتصف شباطَ
كنت تفكّر باشتقاقات الأرجوانيِّ
بالورديِّ، بالقرمزيِّ، بالأحمرِ القانيْ
بالأحمر الصدَأ ... والأحمر العسليْ


،...ثم ينتهي الأحمرُ
من منتصف نهارٍ ضبابٍ كهذا

من جوانب التلالِ
من العشبِ

*
ربما بعد سنةٍ
أو بعد يومينِ
ستعبرُ من هناك أيضاً

حين من منتصف نهارٍ مشمسٍ في نهاية شباطَ
تتوهجُ بالأحمر الشقائقُ

في جوانب التلالِ، في الصخورِ
، في العشبِ
*

ثم أن "ميركانتيليين " كانوا يلوون الكلامَ كما لو أن أحداً كان يمطّ شفتيه أو يرفع حنكاً واحداً بينما يمضغ شيئاً ما
وأن لكنتهم هذه كانت تفسد صباح الصحراء هنا على بعد أربعة عشر ألف ميلٍ

*

أو تصادف أن بدائيين عادوا يشبهون سراباً كنت تراه من الطوابق الأخيرة يتناسل من سرابٍ قبلهُ

، ... أن شِباكاً من الضوءِ كانت تتموّه بالنباتات الرمادية
منذ أن تترك التلالَ وراءكَ
والمخازنَ تغرق ببطءٍ في الإضاءة الورديةِ

*


،... كأن تقول أنك من أجل الجرّةِ
كان عليك أن تجد المفتاحَ
والعلبةَ
والدلوَ
وأن الحبلَ كان مركوناً في كوةٍ من الزريبةِ

وأنه كان عليك أن تعودَ بسِراجٍ
وطرفٍ من خيطٍ
ونارٍ كانت تنوس بآخر الرملِ

هكذا كنتَ تمضي
وأنت تؤلفُ مشهداً
من مشهدٍ قبلهُ

نبيذاً جديداً
من نبيذ قديمٍ

*


لترى ما يحدثُ
حين تبتعدُ
من دون أن تنتظرَ أحداً
من دون أن تلتفتَ

لترى ما يحدثُ
بين مشهدينِ

وأن المنشدينَ ما زالوا واقفين هناكَ

أنْ مازال لهم
ما يُنشدونَ

*

أو تفكّرُ كيف تعود بالمفازات البيضاء الوسيعةِ
تنعطفُ من أعلى العشيبةِ
قبل أن تجد جدار صخورٍ تدفأ أمامهُ

*

بعدها تندهشونَ
من أن مشهداًً بدون توقفٍ يعادُ
أن أرجلاً تقاطعُ الظلالَ القمريةَ
، وطيوراً كبيرةً بيضاءَ
تقطعُ الليلَ... وعرباتٍ
، ... ونجوداً شهباءَ

أن بقع ضوءٍ تبهتُ سريعاً
كحبات بَرَدٍ ما تزالُ تقعُ
من غيومٍ بنفسجيةٍ وسوداءَ
، أن غيوماً غيرَها
مرقّطةً من لَيلكيٍّ فاتحٍ

*

ثم تندهشونَ
من أنّ ملأً يحتفون بالأمواجِ


وأن كؤوساً
أهملوها في الرملِ
كانت تتعرّقُ
مُترَعةً من خمورٍ شقراءَ

*

كان يمكنُ أن تكون هكذا
مائلةً على كتفٍ واحدةْ
أو تتكئ على وسادة ريشٍ
مائلةً على كتفٍ واحدةْ
، أو من جانبٍ واحدٍ من الضوءِ

، لم أفهم تماماً
لمَ كان عليها أن تترددَ
كلَّ قليلٍ
حافيةً
بين نافذة الجبالِ
ونافذةِ الصنوبراتِ
حافيةً
بين السريرِ والنافذةْ
*
الانتقال إلى نيسان حدث بهدوءٍ، لم تكن ثمةَ من ارتطاماتٍ كبرى ، لم يكن ثمّةَ من زيزانٍ تتهشّم على الصخورِ
ولا من رعودٍ تتقصّف كعيدانٍ

*

وأنه كان عليكَ أن تتلفّتَ بعيداً عن السامرينَ لكي تعيد مشهداً قديماً
من تفاصيلِ أشجارَ قصيرةٍ
، ومنحدراتِ صخورٍ ورديةٍ
،... أو تتفلّتَ من مساءٍ نحيلٍ قبله
بهياكلِ نخيلٍ يابسٍ ، وممراتٍ أنشأوها من رملِ مزاراتٍ أصفرَ
وجدرانَ قصيرةٍ
،... تحجزُ خيولاً قصيرةً
*

ثمّ أن نخّاسينَ بأحذيةٍ جلدٍ رفيعةٍ
بطيورٍ تعودُ تحطُّ على أكتافهم ...

، أن قَنطوراتٍ كانت تتجوّل بين أكوامِ حصادٍ كانت هناكَ كأنما لتحجزَ رؤيةَ الجبالِ
، ..وبُداةً ،.. ونهّازي زواحفٍ لا تستيقظُ إلا مرةً كلّ ألفيتينِ

، وآكلي زجاجٍ
وسباعاً برأسينِ
وغبارَ شعيرٍ كان يهبُّ على الأسوارِ
*

كأنكَ كنتَ تمشي في الجبالِ
وتتلفّتُ كلّ قليلٍ
، تأسفُ كم ابتعدتَ،
أنّكَ لتوّكَ تركتَ ملأً كانوا في التلالِ
في الطواحينِ ...
، وصِبيةً في المخزنِ ـ الخزفِ،
في المشغلِ الحجريِّ
، في الحقولِ الهشيمةِ

أنكَ ماتزالُ تصعدُ من هضبةٍ ضيقةٍ وسراةٍ ..
والسراةُ لا تنتهي
إلا من سَراةٍ بعدَها
،... وهضبةٍ ضيقةْ

(ثمة بجوانبها الأحجارُ النهديةُ
والأحجارُ الصفراءُ)

وكيفَ أن الصخورَ وقعتْ على حروفِها الكبيرةٍ
على جوانبها اللامعةْ
، وتنغرسُ هكذا في الرملِ

،... والضبابُ كان ينحني بالسّراةِ
، بالسُطوحِ ـ الحصى...

، أن طيوفَ صنوبرٍ أزرقَ وشُوحٍ
وأدْيرةِ آثوريينَ
كان يهبُّ عليها ضبابٌ خفيفٌ

أن غبارَ صنوبرٍ أزرقَ غيرَ هذا
، من جبالٍ بعيدةْ،
كان يهبُّ عليها
وشُوحٍ
وأدْيرةِ آثوريينَ

*

ثم تستغربُ
أنكَ هناكَ وحدَك في أولِ الليلِ
، أن الأفقَ هكذا بعيدٌ
ويرتفعُ كجدارٍ

، أنَّ الطيورَ ماتزالُ تعودُ كلَّ قليلٍ تسفُّ
تميلُ بأجنحتها على الدرجاتِ الحجريةِ الأخيرةِ

وتستغربُ
أن موكباً بآخرِ السُهبِ
بخيولٍ
،... وصِبيةٍ يركضون أمام الخيولِ
(ولا يصلُكَ صخبُهم)
، ونساءً بأثوابَ طويلةٍ ملونةٍ
وكنَّ يقفنَ هناكَ حافياتٍ
،... ثم يُطعمنَ الخيولَ بأيديهنَّ
ويُطعمنَ الخيولَ من عيونهنَّ

*
ثم تعودُ تستغربُ
كيفَ أن الأفقَ عادَ هكذا بعيداً

والآنَ يشبهُ البحرَ
، بعدَ أن هبطَ الليلُ،
،... ويرتفعُ كجدارٍ









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-