الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زالماي خليل زاد وتحركات اللحظة الأخيرة بصدد الدستور

يوسف محمد

2005 / 10 / 5
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


شهدت الأيام الأخيرة تحركات محمومة قام بها السفير الأمريكي في العراق، زالماي خليل زاد، من أجل وضع الرتوش الأخيرة على مسودة (الدستور)، حيث كان لنا أن رأيناه يلتقي قادة الحركة القومية الكردية، الطالباني والبارزاني، و(اقتراح!) تعديلات أخيرة على المسودة، رغم أن (الجمعية الوطنية) كانت قد أقرت مسودة أخيرة وسلمتها للأمم المتحدة بهدف طباعتها وتكثيرها لتوزع على المواطنين، تمهيداً للاستفتاء عليها في منتصف هذا الشهر. هذه التحركات تؤكد للمرة الألف على الدور الأمريكي كعراب رئيسي لمشروع الدستور وبأن قضية لا هي استحقاق (وطني!)، كما يروج الكثير لها، ولا هي استحقاق انتخابي أيضاً، بل أن الأمر، برمته، لا يعدو أن يكون استحقاقاً أمريكياً، لا غير.
بعد سيناريو انتخابات خادعة وبعد تشكيل حكومة مشلولة الإرادة، تأتي التتمة المنطقية لهذه المسرحية الفجة، متمثلة بمشروع صاخب جداً، هو مشروع الدستور. وبالتأكيد ما عاد خافياً على أحد أن هذا هو حلقة ضمن الاستراتيجية والسياسة الأمريكية في العراق. صياغة دستور وإقراره عبر استفتاء عام في العراق هي حاجة بالغة الأهمية والحسم بالنسبة لأمريكا من أجل إخراجها من المأزق الذي تتخبط فيه الآن، كما أنه يمكن أن يكون عنواناً عريضاً لإثبات أن أمريكا إنما جاءت الى العراق (محررة!!) حاملة معها بشارات الديمقراطية والحرية، وبالتالي من سيعترض على إعادة الحرية لشعب مضطهد ومسلوب الإرادة؟! ولكن حتى هذا النوع من الدعاية ما عاد يخدع أحداً. ذلك أن المشاهدات الواقعية وما يحفل به الواقع العراقي الآن من قتل وموت ودمار وتفجيرات متواصلة وحمامات دم وسباق إرهابي وتصاعد دموي للصراعات الطائفية والقومية والحرب الأهلية التي يجري التكتم على وجودها، هذه المشاهدات تفند كل إدعاءات وتبجح سمج بصدد الحرية والديمقراطية وإعادة الإرادة للعراقيين، بحسب دعايات الإدارة الأمريكية والقوى التابعة لها والمتحالفة معها.
تحركات اللحظة الأخيرة، كما يصفها الكثير، هي جزء من المحاولات الأمريكية في اتجاه الانتهاء من صفحة الدستور، وهي محاولة لضمان عدم معارضة قوى من الإسلام السياسي السني لمشروع الدستور وبالتالي الخلاص من شبح تصويت ثلاثة محافظات ضد الدستور، وهو الأمر الذي يثير مخاوف لدى صناع القرار الأمريكي، لأن ذلك يعيد الأمور الى نقطة الصفر. وليس مهماً لدى الإدارة الأمريكية بأي ثمن تنتهي من هذا الموضوع، ليس مهماً إن كانت تلك المطالب تعبر عن إرادة الجماهير أم لا. أهمية مشروع الدستور نفسه بالنسبة لأمريكا ليست في درجة تحرريته وديمقراطيته وتعبيره عن طموحات الجماهير في العراق، ليست في العمل على صياغة عقد اجتماعي بين المواطنين العراقيين لتعريف وتنظيم علاقات المواطنة فيما بينهم وكذلك تعريف علاقتهم بالدولة ونظام الحكم ووضع مبادئ عامة للحكم والإدارة والتشريع، بل أن أهمية الدستور بالنسبة لأمريكا، كما أسلفنا، هي في انه يشكل وسيلة للخروج من المستنقع العراقي الذي تتخبط فيه.
على أية حال، سبق وأن قلنا أن معضلات الجماهير في العراق تتركز حول غياب الأمن وانتشار الفوضى وحالة الحرب الحالية وانهيار أسس المدنية في المجتمع وغياب الدولة. معضلات الجماهير الأساسية هي السباق الإرهابي والاحتلال الأمريكي وأوضاع السيناريو الأسود التي تغرق فيها الجماهير والمجتمع العراقي. وبالتالي لا يمكن لأحد أن يدعي أن المعضلة الأصلية للجماهير الآن هي قضية الدستور وصياغته والتصويت عليه في الاستفتاء. إن وضع مسالة الدستور كقضية ومشكلة أساسية للجماهير هي تماماً محاولة للقفز على المشاكل والمعضلات الأصلية. ففي الوقت الذي يتحرك فيه زالماي خليل زاد لتثبيت مطالب جديدة في الدستور يدعي أنها تلبية لطموحات السنة، إنما هو يمارس الخداع الصفيق، لأنه يعرف تماماً أن الحاجات الملحة للجماهير التي صنفها منذ البداية على أنها سنة وشيعة وكرد وعرب وتركمان و..و...ووضعها في مواجهة بعضها البعض ووضع مصالحها في تناقض وتضاد مع بعضها البعض، حاجات تلك الجماهير تتركز في التمتع بالأمن والاستقرار والحياة المستقرة، تتركز في توفير لقمة العيش وخدمات الماء والكهرباء وبقية الخدمات الأساسية. إن جماهير العراق ومطالبها وحاجاتها الأساسية وتطلعاتها وطموحاتها في واد، وما يريده خليل زاد والقوى السياسية التابعة والدائرة في الفلك الأمريكي في وادٍ آخر. وهذه حقيقة يسعى زالماي خليل زاد ومن معه لطمسها وتغييبها عن الأنظار. والأمر شبيه بتقديم العربة على الحصان. فلو خيرت الجماهير في العراق بين الدستور من جهة والخدمات الأساسية والأمن والاستقرار وإنهاء حالة الفوضى والاضطراب وعمليات القتل والتدمير اليومية من الجهة الثانية، فمن المؤكد للقاصي والداني أن الجماهير ستختار الثانية لأنها تمس حياتها وعيشها بشكل مباشر.
من هنا يتبين أن تحركات اللحظة الأخيرة والمساعي التي يقوم بها السفير الأمريكي، لا هي للرد على مشكلات الجماهير والمجتمع الأساسية، ولا هي لتضمين مطالب الجماهير في الدستور. إنها فقط مسعى أمريكي آخر لتغييب دور الجماهير وإرادتها وحرف أنظارها عن مشاكلها ومعضلاتها الأصلية لا غير. ولهذا فهي ليست جديرة بغير فضحها وإحباطها وإحباط مجمل السيناريو الحالي المتمثل بالسعي لفرض دستور قومي-إسلامي رجعي حد النخاع سيشكل قيد عبودية في أعناق الجماهير. لأن هذه هي الخطوة الأولى في مسار تسليط الأضواء على معضلات المجتمع الأصلية والعمل على معالجتها والرد عليها، ومن ثم التفكير، بحرية وبعيداً عن أجواء ومناخات القتل والدمار والإرهاب والحرب والاحتلال الأمريكي، بصدد نظام الحكم وشكل الدولة وهويتها، ومن ضمن ذلك العمل، مستقبلاً أيضاً لصياغة دستور علماني عصري يستجيب لطموحات وتطلعات جماهير العراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إمام وحاخام في مواجهة الإنقسام والتوترات في برلين | الأخبار


.. صناع الشهرة - كيف تجعل يوتيوب مصدر دخلك الأساسي؟ | حلقة 9




.. فيضانات البرازيل تشرد آلاف السكان وتعزل العديد من البلدات عن


.. تواصل فرز الأصوات بعد انتهاء التصويت في انتخابات تشاد




.. مدير CIA يصل القاهرة لإجراء مزيد من المحادثات بشأن غزة