الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النازحون قضية سياسية ايضاً وبإمتياز

ابراهيم الحريري

2015 / 6 / 9
مواضيع وابحاث سياسية



يتم التعاطي مع قضية النازحين باعتبارها قضية انسانية ,فيجري ( و هو امر مطلوب , نبيل و لا غنى عنه , بل بتطلب المزيد منه ) الركض هنا و هناك من اجل توفير المأوى و الغذاء و القضايا الأخرى المتعلقة بتوفير حد ادنى من الاستقرار , المؤقت , النسبي لهذه الفئة من السكان , التي تكاد تتحول الى اكبر تجمّع سكاني , و تنضم اليها , بين الحين و الحين , بل يكاد يكون كل يوم , امواج بشرية جديدة .
و في غمرة النشاط حكومياً و مجتمعياً – و الحديث يدور هنا عن الجانب المحلي العراقي - من اجل تلبية الحد الأدنى من الحاجات الأنسانية ,يجري اغفال , بالأحرى لايتم التركيز , خصوصا من جانب الحركات السياسية الأكثر وعياً و الأبعد نظرا , الا نادرا . على الجوانب السياسية لهذه القضية المتفاقمة .
وحتى الجوانب الانسانية تشتبك , في الكثير من الأحيان , بالعوامل السياسية . مثل قضية السكن . اذ يشار الى عوامل فساد ( و هو عامل سياسي ) شابت صفقات تزويد النازحين بالخيام و الكرفانات , و الضجة التي تثار , بين الآن و الآن , حول عمل اللجنة الحكومية العليا المهتمة بشؤون اللأجئين التي يتراسها السيد المطلك , نائب رئيس الوزراء , وصلت الى حد المطالبة باستجوابه في البرلمان . و حتى هذه المطالبة تخضع للتجاذبات و التوافقات السياسية , و ربما تقاسم الغنائم ...
و يبدو من متابعة ردود فعل النازحين , خصوصا من الرمادي مؤخرا , انهم اكثر ادراكا للجوانب السياسية للكارثة التي حلّت بهم , فهم يوجهون اصابع الأتهام الى السياسيّين المحليين الذين تركوهم و غدروا بهم و فروا الى ملاذات آمنة ( فنادق درجة اولى في اربيل او في عمان ) ! بل ان ردود الفعل بلغت حد تهديد هؤلاء السياسيين بالويل اذا تجرأوا و عادوا الى مناطقهم ....و تتشابه الى هذا الحد او ذاك , ردود فعل النازحين و المهجرين في مناطق اخرى ..
كذلك حرمان النازحين في بعض المناطق التي تم " تحريرها " من العودة الى مناطق سكناهم , بدواعٍ امنية , كما يقال , بينما يجري الحديث عن هدم المئات من المنازل بهدف احداث تغيير ديموغرافي , ( و هذا عامل سياسي بامتياز ) كما يعتقد الكثير من النازحين - او المتحدثين باسمهم - في مناطق معينة .
و لا يمكن للمرء ان ينسى الصرخات المدوية , المروعة , حسبما ظهر في احد الفيديويات , التي صبها بعض ضحايا مجزرة سبايكر على القائد العام للقوات المسلحة وقتها ( السيد المالكي ) و هم يساقون الى المسلخ , كالنعاج , محملين اياه مسؤولية ما حل بهم .
و اذ تبدي جهات مجتمعية و سياسية متزايدة اهتماما بقضية النازحين و للعمل الأنساني ( معونات تبرعات الخ... ) و هو ما يمكن ان يطلق عليه " العمل من اجل النازحين " فانه تبرز , ادراكا للجانب السياسي في هذه القضية , مسألة اخرى , لا تقل اهمية , يمكن ان يطلق عليها " العمل بين النازحين " .
يصرخ النازحون بلوعة و هم يحاولون ان يجدوا اجابات مقنعة لما حل بهم : "ليش ؟ احنا شمسوين ؟ " الخ من الصرخات المشروعة , المريعة ...
ينبغي ان يهتم " العاملون بين النازحين " بتقديم الرد المقنع على اسئلة النازحين المشروعة و مساعدتهم على ادراك العلاقة بين مأساتهم وبين الوضع العام في البلاد . و لا يمكن , بالتأكيد , الفصل بين النشاط الأنساني من اجل النازحين وبين النشاط السياسي , اذا صحت التسمية , فلا ريب ان الأول يخدم الثاني , على ان لايكون الهدف من الأول خدمة الثاني , فالتخفيف من معاناة النازحين يظل يحتل المرتبة لأولى , انطلاقا من المبادئ الأنسانية, التي تحكم حقا و صدقا , نشاط بعض الحركات و التنظيمات التي تهتم بقضية النازحين.
فعندما يتساءل ملايين النازحين في اماكن النزوح التي تكاد تغطي البلاد : كيف حدث ما حدث ؟ كيف انهزم مئات الألوف من الجنود و المراتب امام عصبة من الأرهابيين ؟ سياتي الجواب : لقد هرب القادة ( بعضهم يقول ان اوامر صدرت له بالأنسحاب ) !
لكن كيف جرى اختيار هذا من الطراز من القادة ؟ على اي اسس ؟ و عندما يتكرر الأمر في اكثر من مكان فانه يصبح واضحا ان الخلل لا يكمن في هذه الجبهة او تلك , بل في الأسس التي تم اعتمادها عند اعادة بناء الجيش . فهذا لم يتم على اساس مهني , وطني بل على اساس الولاء الطائفي , الشخصي . و اذا اضيف الى ذلك ما تكشف عن وجود مئات الوف الجنود " الهوائيين " اي غير الموجودين فعلا , اي الموجودين على الورق فقط , بينما يتقاسم مخصصاتهم كبار القادة , فان عامل الفساد يتداخل هنا مع العامل الطائفي .
لكن , مرة اخرى , كيف و لماذا حدث ذلك ؟ لأن السياسة التي كانت تقود الدولة هي مزيج من تداخل عوامل الطائفية و الفساد و قد انعكس ذلك على كل مؤسسات الدولة , و الأخطر من ذلك على اعادة بناء الجيش . و عندما واجه الجيش اول امتحان جدي له , ( داعش ) , بانت عيوبه , العيوب البنيوية التي رافقت بناؤه منذ البداية و تضخمت مع تضخمه المرضي ,( فابو جروة يبيّن بالعبرة ) و" ابو جروة " هنا ليس هذا القائد العسكري او ذاك , بل كامل السياسة التي حكمت بناء الجيش و كل مؤسسا ت الدولة .
سيتساءل النازح : لكن من وضع هذه الاسس و من ساهم في ارسائها و تعميقها ؟ و لا يجد المرء كبير صعوبة في تشخيص من وضع هذه الأسس : انها ادارة الأحتلال ! و ساهم في ارسائها طبقة من السياسيين الطائفيين الفاسدين و هم المستفيدون منها , المتعاركون اي منهم يفوز بالنصيب الأكبر من الثروة و كيف بعظم نصيبه من السلطة ليتعاظم نصيبه من الثروة , ما دامت السلطة , و ليس العمل المنتج , هي الأداة الرئيسية للحصول على الثروة و لمراكمتها .
سيصرخ النازح , محتجا , ما علينا وحديث السياسة هذا ؟ نحن نريد ان نعود ! و هي صرخة مشروعة و مفهومة ...
لكن دعنا نتساءل , نحن و النازحين كيف سيتم ذلك ؟ و متى ؟
سيتصدى فصيح الى القول : عندما ستتم هزيمة داعش ! و ما اسهل و ما اصعب تحقيقه على ارض الواقع , بغض النظر عن كل التمنيات و الرغبات ذلك ان تحقيق اي هدف يتطلب توفير الشروط المطلوبة لذلك , فكيف بالتغلب على اعظم كارثة بل اعظم زلزال تعرضت له البلاد بعد الغزو الأمير كي .
- 2 –
سيهتف النازح متلهفا : خلّصنا ! انطق الجوهرة ! و لا تلعب باعصابنا ! نريد ان نعود ! كيف يمكن ان يتحقق ذلك و لك الثواب دنيا و آخرة !
سيتنطع " الفصيح " و يرد متأنيا : عندما يتم التخلص من العوامل التي ادت الى ظهور داعش ...
يكاد النازح يشد شعره و يقول نافذ الصبر : ها نحن نعود من حيث بدأنا . مثل حكاية البحث عن المفتاح لفك الباب المرصود و وضع اليد على الكنز خلف الباب , وكل باب يقود الى اخر و يبدا البحث من جديد ...
من حق النازح ان يعبر عن برمه و نفاذ صبره . و يكاد الأمر يبدو له و لغيره مثل احجية لا حل لها . فكيف سيتم التخلص من العوامل الى ادت الى ما نحن فيه , ما دام لم يحدث تغيير جوهري في قمة السلطة التي قادت البلاد الى ما هي فيه ؟
اجل ! لم يحدث تغيير جوهري ذلك ان القوى القادرة على احداث التغييرالجوهري لم تتوفر بعد , هي ماتزال في طور التكون و هي لا تملك القدرة على التمكن من احداث التغيير الجوهري بين عشية و ضحاها , ووفقا للتمنيات و الرغبات الذاتية , خصوصا في وضع معقد , مثل الوضع في العراق . و هو - اي التغيير في ميزان القوى لصالح التغيير الجوهري – لا يحدث فجأة , لا ينزل من السماء , بقدرة قادر او بعصا ساحر , بل بالنشاط اليومي بين الناس , على الأرض , بقيادة نضالاتهم من اجل التغيير , مهما كان صغيرا , و في اي ميدان , بل في كل ميدان , و مراكمة المنجزات التي تتحقق بفعل نشاط الناس و تطور وعيهم و ثقتهم بانفسهم , على الطريق من اجل احداث التغييرالجوهري .
صحيح ! لم يحدث تغيير جوهري في قمة السلطة , لكن حدث تغيير " خرق " اذا صح التعبير , و هذا ا لخرق لم يحدث فجأة , بل نتيجة تراكم عوامل و ضغوط كثبرة , بل متناقضة احيانا , جرى التطرق لها , كان العامل الخارجي فيها هو الأبرز , بسبب ضعف العامل او العوامل الداخلية – البعض يذهب الى ان العامل الخارجي اضاف الى العامل الداخلي .
لكن بغض النظر عمن كان له الدور الأبرز , الخارجي او الداخلي ,,او بسبب تضافرهما معا , فقد حدث التغيير , الخرق , و لم يكن هذا بمعزل عن قناعة اكثرية كبيرة من الناس وقناعتهم نشاط قوّى سياسية عديدة لدوافع مختلفة .
حدث خرق , و يرى البعض انه يمكن توسيعه ..
هنا يصرخ النازح غاضبا , نافذ الصبر : انتم و خرقُكُم و فذلكاتكُم السياسية ! بينما تخترق داعش الأرض العراقية من كل حدب و صوب و يتزايد عددنا , نحن النازحين , و يخترقنا البرد حينا , و الحر حينا أخر , ونقص الغذاء و الدواء اكثر الأحيان...
نريد ان نعود !
يرد "الفصيح " او" المتفاصح " : ليس قبل ان تهزم داعش !
رجعنا على سالفة عام الأول " ! يرد النازح و هو يتميز غيظا .
صبرك ...صبرك يا اخي ! "يجيب الفصيح و يردف " المعركة تدور ..."
والقيامة , الهزائم , تدور ايضا " يرد النازح ساخرا ...
*****
لا يمكن لأي ذي عينين ان لا يرى ذلك , سواء كان نازحا او يترقب , خائفا ...
صحيح ان المعركة كر و فر , لكن ينبغي على الشاطر , خصوصا اذا كان قائدا , ان يتعلم من الأثنين , خصوصا من الفر , و يبدو ان هذا لم يحدث وبالقدر المطلوب .
تعب جميع المخلصين من تكرار انه لا بد لتحقيق النصر من تلافي اسباب الهزيمة , و في مقدمتها المحاصصة الطائفية البغيضة , و انه لتحقيق ذلك لا بد من عقد سياسي اجتماعي جديد على اساس المواطنة الحرة لا الأنتماء الطائفي او الأثني , و لا يمكن ان يبرم هذا العقد سوى مؤتمر وطني تشترك في القوى السياسية / الأجتماعية الفاعلة , المؤثرة و ان تحقيق ذلك يتطلب ان تتجاوز الدعوة الى عقد المؤتمر الوطني تبادل المذكرات و الوفود , ان تتحول الى حركة شعبية تمارس الضغط بمختلف الأشكال , من الوفود الشعبية الى التجمعات الى التظاهرات و الأعتصامات ,على من بيدهم الدعوة الى المؤتمر , رئاسة الجمهورية , مجلس الوزراء , مجلس النواب الخ
و انه لتحقيق ذلك يجب ان تتحول المعركة من معركة عسكرية ضد داعش الى معركة من اجل رد الأعتبار للوطنية العراقية و اعادة بناء الدولة العراقية على هذه الأسس .
يتساءل النازح بين الجد و السخرية : يعني لازم ننتظر الى يتحقق كل هذا ؟ يعني موت يا حمار لمّنْ يجيك الربيع ؟هل تضمن لي اذا تحقق كل هذا , هذ إذا تحقق , انني سأعود ؟ و هل ستترككم داعش تحققون كل ذلك , مكتوفة اليدين ؟
طبعا لا ! فالمعركة تدور , و كل يستعد بكل ما يتوفر لديه من اسلحة . الشاطر من يعبئ كل اسلحته , كل اسلحته , و لدى القائد العراقي من الأسلحة ما يمكنه ان يتفوق على العدو , و تحقيق النصر , اذا احسن تعبئتها , ان يكون حازما لا تتجاذبه الضغوط , كل في اتجاه , فاخطر ما يمكن ان يعاني منه اي جيش هو ان يكتشف ان قائده لا يملك الأرادة ولا قوة العزيمة , و لا يحسن تعبئة القوى التي في متناوله , فضلا عن تعظيمها .
و نحن , اين نحن من هذا كله ؟ و نحن على ما نحن عليه من تشتت و تبلبل و فقدان الأمل ؟ يتساءل النازح .
اجل ! هل للنازح مكان في كل ما يدور حوله , و هو لا بكاد يجد المأوى و لا القوت و لا الدواء الخ...؟
ستحاول كتابة اخرى ان تجيب على هذا التساؤل ..




















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا