الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


!! فسادنا .. ثقافة فقر

ياسر العدل

2005 / 10 / 5
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


نحن المصريين المعاصرين نعانى من تخلف فى مجالات متعددة، تسود حياتنا ثقافة فقيرة المحتوى، تحفظ جمود النصوص وتحتفى بالبشر الطغاة، ترجئ العمل مع الظواهر بالتجريب والتحليل، وتبقى حياتنا دون إبداع أو تطور، ثقافتنا السائدة فقرها مركب من جهل العقل بأصول التفكير ومن جوع الوجدان للانتماء.
من جهل عقلنا الجمعى بأصول التفكير، تسكن عقولنا أفكار بالية تصل فى ثباتها إلى حد البديهيات، يرى معظمنا أن ابن الملك هو ملك يرث عن أبيه الأرض والناس، ويرى معظمنا أن ابن الجارية هو عبد ترث الأرض جثته ويملك السادة وجدانه، ومن جوع وجداننا الجمعى للانتماء الحى، نضخم الانفعالات فى صدورنا ونعطي للأشياء أحجاما غير طبيعتها، هكذا يصبح من شعاراتنا الاستقلال التام أو الموت الزؤام، وتحت سماء الشعارات الجليلة، تكبلنا قيود الفقر فنعيش موتى كالعبيد، وينطحنا قهر السلطة فنموت دون استشهاد، هكذا تساعدنا ثقافتنا على أن نصف ما يحيطنا من أحداث بصفات الأكبر والأعظم والأسوأ، ويكون عندنا اكبر محرقة للفنانين فى العالم، وأعظم كارثة انتخابات فى الدول، وأطول حكم للنظام العسكرى فى القارة، وتساعدنا ثقافتنا على أن نهدر حقوق المساواة بين البشر، ويكون لدينا أصحاب السعادة والعزة والجلالة والفضل والمعالى.
ثقافتنا السائدة فقيرة الإبداع، نلوك حروف النصوص والقوانين جامدة بين ألسنتنا، نخشى تأويل المعانى فى العقول ونرهب سريان الشروح فى الوجدان، نرى للنصوص حياة مستقلة عن حياتنا، نواجه الحياة بصور نصنعها نحن، وكأن الحياة ليس فيها غير ما نتصور، هكذا نتناول الحدث البسيط كأنه واقعة ليس لها من واقعة.
حين ينتشر الفساد فى مجتمع ما، يسعى الناس جاهدين لرصد حالات الفساد، وحين تسود ثقافة فقر العقل، تتضارب معايير الحكم على الفساد بين الراصدين، ويفشل المجتمع فى علاج الفساد، ذلك بأن راصدى الفساد لا يستطيعون التفرقة فى القيمة الأخلاقية بين الصلاح الفساد، إنهم ينظرون للفساد بمعيار كمى يقيس هوان ما يكسبونه مقارنة بما يكسبه الآخرون، هكذا طبيعة راصد الفساد تحت ثقافة فقر الثقة بالنفس، إنسان ضعيف يمارس الحسد ويتمنى التغيير دون أن تكون لديه قدرة على تحريك إرادة التغيير.
فى مجتمع تظلله ثقافة الفقر، حين يرصد راصد واقعة فساد كبير سرق فيها احدهم مليار جنيه، فان هذا الراصد كثيرا ما يتغاضى عن واقعة فساد صغير تقاضى هو فيها خمس جنيهات على سبيل الرشوة، هذا الفاسد الصغير لا يقبل اللوم على قبول الرشوة، ويحاول إقناع الآخرين بان المجتمع جعل منه فقيرا لا تحل أزمته دون أخذ الخمس جنيهات من هنا وجنيهين من هناك، هذا الفاسد الصغير تعطيه ثقافة الفقر غطاء وجدانيا يرى أن أبواب الرزق لا يحصيها إلا حاسد ولا يغلقها إلا بخيل، وأن قيمة الخمس جنيهات تافهة بجوار قيمة المليار جنيه، ثقافة الفقر تسعف الفاسد الصغير فى إدراك الحجم المادى المباشر للفساد، لكنها لا تسعفه فى إدراك الانهيار الأخلاقى وراء فعلة الفساد مهما كان حجمها وأيا كان مرتكبها.
أن تكرار وقائع الفساد فى المجتمعات البشرية ، يقضى بأن الفاسد الصغير يصنع ألافا من الفاسدين الكبار، وتحت عباءة ثقافة الفقر، يرى كثير من الناس أن الملوك والأمراء والرؤساء فاسدون وأنهم إذا حكموا دولا أفسدوها، ليس لأنهم فاسدون بالفعل بل لأن هؤلاء الكثير من الناس غير قادرين على أن يكونوا أعظم فسادا.
فى بلادنا لا خلاص من أشكال الفساد المادى والأخلاقى دون ثورة تهز أعمدة ثقافتنا الفقيرة السائدة، ثورة تصل بنا إلى ثقافة جديدة تضع التعريفات والمحددات للظروف والوقائع المحيطة بما يخدم تطور مجتمعاتنا، ثقافة تعلى قيمة حرية الفرد وترفع قدر المجموع، تضع أيدينا على أدوات تضبط غرائز الفرد فى التسلط وتتجاوز سعيه الأنانى للسيطرة على الجماعة، لا ترى فى البشر عاصما أو معصوما هو بعيد عن المساءلة، ثقافة ترسخ فى أذهان الجميع فكرة المساواة بين البشر فى الحقوق والواجبات0
نحن بحاجة إلى ثقافة جديدة، ترى أن من يحملون صفات أصحاب سعادة أو عزة أو سيادة أو جلالة أو فضل أو معالى، إنما يحملون صفات غير إنسانية كاذبة، صفات لا تعلوا بأحد من البشر فوق أى حساب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية في بريطانيا.. هل باتت أيام ريشي سوناك م


.. نحو ذكاء اصطناعي من نوع جديد؟ باحثون صينيون يبتكرون روبوت بج




.. رياضيو تونس.. تركيز وتدريب وتوتر استعدادا لألعاب باريس الأول


.. حزب الله: حرب الجنوب تنتهي مع إعلان وقف تام لإطلاق النار في




.. كيف جرت عملية اغتيال القائد في حزب الله اللبناني؟