الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- انفعالات رهيبة -

عدنان شيرخان

2015 / 6 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


بغداد، ساحة التحرير، الأثنين 27 كانون الثاني العام 1969، اجساد تتدلى، رقاب طويلة، وجوه صفراء شاحبة، صرخت طويلا وتوسلت قبل موتها. المناسبة اول حلقة من مسلسل الرعب، من وجهة نظر حكومية (أعدام الجواسيس والخونة، جُثث الخيانة والعمالة مُعلقة على أعواد المشانق)، كوادر الحزب في اعلى حالات الانذار، الراديو والتلفزيون الحكوميان يحثان الناس للتوجه إلى ساحة التحرير، دوائر الدولة، مدارس بغداد المتوسطة والاعدادية بنين وبنات نقلت بباصات مصلحة نقل الركاب الحمراء في ساعات الدوام الاولى الى مسرح الحدث ، نسوة يزغردن تحت اقدام الجثث المعلقة، أخريات يبصقن على الاجساد التي فارقت الحياة ساعات الفجر الاولى. القيادة لم تنس نصيب البصرة من الاحتفال، علقت ثلاث جثث في ساحة ام البروم. كانت مناظر مؤلمة صادمة خدشت بعنف احاسيس كثيرين، وبقت عالقة في الاذهان طويلا، خاصة للذين لم يروا من قبل موتى، فكيف بمشنوقين !!

الحكومة تعلن ذلك اليوم عطلة رسمية احتفالا بالنصر العظيم، النائب صدام (كان عمره 32 عاما) يشرف بنفسه على الاعدامات في سجن بغداد المركزي، 11 جثة بقيت معلقة حتى الظهيرة، البرنامج مزدحم ، فقرة لصلاح عمر العلي عضو "مجلس قيادة الثورة" يلقي كلمة الحزب " يا شعب العراق العظيم. عراق اليوم سوف لن يتسامح مع أي خائن أو جاسوس أو عميل للطابور الخامس .. هذه هي مجرد بداية. الساحات العظيمة والخالدة للعراق سوف تُملأ بجثث الخونة والجواسيس. فقط انتظروا".

التلفزيون الحكومي كان يعرض منذ ايام وحتى ساعة متأخرة من الليل وقائع محكمة الثورة برئاسة علي هادي وتوت، تتخللها فترات استراحة لكسر ملل افادات المتهمين ومرافعة الدفاع الذي (استماح الشعب العراقي وحكومة الثورة عذرا للدفاع عن هؤلاء المجرمين)، الراقصة سهير زكي تملأ الجو بهجة وسرورا وهي ترقص شبه عارية على انغام اغنية ام كلثوم (هذه ليلتي). الليلة السابقة للاعدام أمتدت السهرة حتى الرابعة صباحا، وصدرت احكاما بالموت شنقا ضد 14 متهما بالخيانة والتجسس، وقيل ان تكرار رقصة سهير زكي لثلاث مرات يدخل الجهاز الحزبي بأنذار(حسب تبليغ مسبق) لان حدثا مهما سيكون موعده الصبح.

ويا للمصادفات العجيبة ، في ذلك اليوم كانت سينما غرناطة القريبة من ساحة التحرير تعرض فيلم "انفعالات رهيبة" المأخوذ من (ارواح الموتى) قصص قصيرة للكاتب الاميركي ادغار الن بو، موضوعها الرئيس الموت، ثلاثة افلام قصيرة في فيلم واحد ، اخرجها روجيه فاديم، لويس مال وعبقري السينما الايطالية فردريكو فلليني. اجواء الفيلم كانت معقدة ومشوشة، تنتهي بمشاهد الموت، ولكن ما حدث ذلك اليوم في ساحة التحرير كان اعقد واشد صدمة.

بعد نحو ستة اشهر فقط مما يسمى (الثورة البيضاء) التي ارجعت (البعث) للسلطة، يبعث برسالة واضحة لاطراف عديدة وبالالوان، هذا ما لدي؟! وهذا ما اعددته لكم، وما يجب ان تفكروا فيه مليا وتحذروا منه. لقد زرعوا ببراعة بذرة العنف والخوف والرعب في اعماق المجتمع العراقي، نجحوا، واثمرت البذرة حروبا داخلية وخارجية، عنفا وقسوة لا حدود لها، امتهانا لقيمة الانسان ومعنى وجوده، ولا يزال مسلسل الدم والرعب مستمرا وبنحاج ساحق ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع عماد حسن.. دعم صريح للجيش ومساندة خفية للدعم


.. رياض منصور: تغمرنا السعادة بمظاهرات الجامعات الأمريكية.. ماذ




.. استمرار موجة الاحتجاجات الطلابية المؤيدة لفلسطين في الجامعات


.. هدنة غزة.. ما هو مقترح إسرائيل الذي أشاد به بلينكن؟




.. مراسل الجزيرة: استشهاد طفلين بقصف إسرائيلي على مخيم الشابورة