الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشكلة الأقليات والاندماج الوطني في الشرق الأوسط

عبد الحميد الموساوي

2015 / 6 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


مشكلة الأقليات والاندماج الوطني
في الشرق الأوسط
ان الأقلية مفهوم متغير الدلالة حسب الظرف الزماني السياسي، والأقلية تعني تلك الجماعة التي تتسم بسمات طبيعية إثنية أو ثقافية كاللغة والدين أو القومية أو العرق أو القبيلة وتفرعاتها. وهذا المفهوم ليس حصريا لوجود استخدامات أخرى، قد لا تكون لها علاقة بالجماعات الإثنية كاستخدامها السياسي (أحزاب الأغلبية وأحزاب الأقلية)، أو الاستخدام الاقتصادي كالأقلية المستحوذة على القسم الأعظم من الثروة الوطنية أو الدخل القومي.
والأقلية مفهوم مرن وديناميكي يصعب تحديده، فهو يتغير باستمرار بفعل عوامل عديدة كالاندماج والانصهار ضمن الأغلبية العددية، أو الهجرة والارتحال إلى مناطق أخرى، أو بفعل التهجير القسري، أو الانفصال عن الدولة لتكوين أخرى، أو الاندماج في ثالثة. ولعامل الزمن (تعاقب الأجيال) تأثير كبير في وضع الأقليات، خاصة الأقليات قليلة العدد أو تلك المنتشرة بصورة غير منتظمة جغرافيا على طول الإقليم دون أن تتركز في بقعة جغرافية محددة. وجدير بالذكر أنه لا يوجد معيار واحد يتفق عليه الباحثون لتحديد مفهوم الأقلية فبعضهم أخذ بالمعيار الكمي وآخرون أخذوا معيارا يستند إلى وجهة نظر سوسيولوجية بتأكيدهم على معيار (الأهمية) في تحديدها أو تمييزها إلا أن آخرون أخذوا معايير مثل: المشاعر أو المصلحة.
واستنادا إلى المعيار الأول تعرف الأقلية على أنها جماعة من السكان تختلف عن الجماعة الأكبر في سمة واحدة أو أكثر من السمات ذات الخلفية الإثنية كاللغة، الثقافة، الدين، وينتج عن ذلك عادة معاملة تفضيلية لصالح الجماعة الأكبر بمعنى خضوع الأقلية لمعاملة تمييزية، وهذا ما اتجهت إليه الموسوعة الأمريكية في تعريفها للأقلية .واللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات في العام 1977م، أخذت هي الأخرى بمعيار العدد فعرفت الأقلية بأنها "مجموعة أقل عددا بالنسبة إلى باقي السكان في الدولة التي ينتمون إليها وتمتلك هذه المجموعة خصائص ثقافية طبيعية أو تاريخية أو دين أو لغة تختلف عن باقي السكان".
ونظرا لتعدد التعريفات رأى البعض أن مفهوم الأقلية لا بد أن يراعي:
- بلوغ عدد أفراد الجماعة رقما كافيا (مما يعني أن ليس كل مجموعة هي أقلية) إذ أن الأقلية التي لا تتجاوز نسبتها (16% ) مثلا، لا تضر بحالة التجانس.
- وجود روابط مشتركة إثنية أو لغوية أو دينية..الخ.
- الوعي بطبيعة الروابط القائمة بين أفراد هذه الأقلية.
ويعد وجود الأقليات في الدولة ظاهرة طبيعية، لا تكاد تخلو منها دولة في العالم، بيد أن ما يجعل منها ظاهرة مرضية إنما هي المطالب غير الاعتيادية لبعض الأقليات بما يتعارض ووحدة الدولة وأمنها الوطني من جهة، أو سوء إدارة النظام السياسي، سواء كان أقرب إلى الأغلبية أو كان من الأقلية، للمشكلات التي تستجد عن وضع الأقليات أو بفعل تدخل خارجي يسعى إلى تحقيق مصالح غير مشروعة، وإن مشكلة الأقليات أو الجماعات الإثنية ليست مشكلة عالم ثالثية وإنما هناك العديد من دول العالم المتقدم التي عرفت وتعرف الصراعات الإثنية منها على سبيل المثال: فرنسا ومشكلات الباسك وكورسيكا وغيرها، وفي بلجيكا حيث الصراع بين الجماعتين الرئيسيتين: الوالون الناطقون بالفرنسية والقاطنون في الجنوب، والفلامينج الناطقين بالدوتشية والقاطنون في الشمال. وهناك إيرلندا، استراليا، اسبانيا...الخ. إلا أن الظاهرة لا تطرح نفسها بالحدة والقوة ذاتها كما في دول الجنوب،لأسباب عدة أهمها: التفاوت الاجتماعي والاقتصادي الملحوظ بين الجماعات الإثنية المختلفة الذي يؤدي إلى تباين في درجة تأثيرها السياسي وهو ما يقود إلى الاحتقان ومن ثم الانفجار.
لقد بدأ اهتمام الدارسين لمشكل الأقليات في منذ منتصف القرن العشرين وقد اتجه الباحثون إلى التأكيد على أن التنوع اللغوي أو الديني أو العرقي أو القومي لا يمثل في حد ذاته خطرا على الاستقرار السياسي للدولة المعنية، وإنما يفعل ذلك تسييس هذا التنوع واتخاذه سندا لمطالب معينة، لأن مثل هذا التسييس يضع الدولة أمام أحد خيارين أحدهما: اما الاستجابة لهذه المطالب التي قد تكون فاتحة لاستنزاف مواردها، أو إهمال هذه المطالب وتعريض استقرارها السياسي للخطر إذا فكرت لاقلية في انتزاعها بالقوة.
وتتسم منطقة الشرق الأوسط بتنوع وتعدد الأعراق والأديان واللغات والثقافات بدرجة كبيرة جعلت أغلبية الكتاب الغربيين يجمعون على اعتبارها طابعا فسيفسائيا للمنطقة. وتنتمي اغلب شعوب المنطقة من الناحية الاثنية إلى السلالات الفرعية التالية:(السامية، والتركية، والهندية والآرية)، وتضم السامية أساسا العرب واليهود، في حين يمثل الإيرانيون اكبر المجموعات الآرية، أما الأتراك فينتشرون عبر بلاد الحزام الشمالي، وهم يمثلون معظم سكان تركيا الحديثة، وهناك إلى جانب هذه الاثنيات العديد من المجموعات الاثنية الأخرى مثل: الأكراد المنتشرون بشكل قوي في تركيا والعراق وسوريا وإيران، اذ تعد المنطقة مهد الديانات السماوية التوحيدية الثلاث:(الإسلام والمسيحية واليهودية) والتي بدورها تنقسم إلى العديد من الطوائف والمذاهب إلى جانب ديانات وعقائد أخرى مثل الزردشية في إيران.
كما تسود في المنطقة من الناحية اللغوية اللغات العربية والفارسية والتركية بلهجاتها المحلية، هذا فضلا عن لغات محدودة أخرى مثل: (العبرية والآرامية والسريانية، والكردية...)، ولا شك أن الدين والثقافة من الأمور الأساسية في تحديد التنوع الداخلي الذي نقسم به المنطقة والهوية المميزة على حد سواء.
لقد اشتدت مشكلة الأقليات في العالم العربي منذ مطلع التسعينيات مع الموجة الديمقراطية الجديدة التي اجتاحت الدول العربية، وقد توالت الأزمات من الامازيغ في المغرب العربي والأوضاع الساخنة دوما في السودان إلى الأقباط في مصر إلى الأكراد في سورية إلى الشيعة في الخليج العربي، وهي أزمات حملت مضامين دينية وطائفية وعرقية ولغوية، وهي تعبير عن فشل النظم العربية في خلق الاندماج الاجتماعي وتحقيق المواطنة بين مختلف فئات المواطنين، وكذلك تعبير عن انكسار الهوية الاندماجية التي حاولت بعض النظم فرضها بهيمنة احد مكونات الثقافة المحلية على بقية الثقافات الفرعية.
ويكشف اندلاع أعمال العنف الطائفي في بعض أجزاء المنطقة عن وجود عيوب خطرة في العقد الاجتماعي بين أبناء الدولة الواحدة، والسبب في ذلك يعود الى جملة من العوامل في اكثر دول العالم ومنها العربية:
أـ ضعف وغياب التنظيمات الوسيطة التي يمكنها تأمين القنوات اللازمة لاستيعاب مطالب الجماعات والقوى ونقصد بتلك التنظيمات الأحزاب، جماعات المصالح، النقابات، التنظيمات المهنية والاجتماعية.
ب ـ ضعف وسائل الاتصال بين القيادة بمفهوم النظام أو الحكم والجماهير..
ج ـ التباين الثقافي الحاد بين أفراد النخبة السياسية والاجتماعية الحديثة وبين معظم أعضاء الجماعة الوطنية (ثقافة عصرية عند النخب وأخرى تقليدية شعبية، او العكس)، ويتجسد ذلك عندما يحدث التعارض بين الولاء للجماعة المحلية أو الفرعية بحكم الثقافة التقليدية وبين الولاء للجماعة الوطنية ككل بحكم الثقافة الوطنية الشاملة.
ومن المهم ادراج الملاحظات التالية:
• أن التعدد الإثني واقع مجتمعي راسخ في منطقة الشرق الأوسط لم تواجهه تاريخيا محاولات جدية للقضاء عليه أو نكرانه. وذلك بفعل القبول المتبادل بين الإثنيات التي تعايشت مع بعضها البعض لقرون عدة.
• إن الدولة الوطنية وأية دولة وطنية في الشرق الأوسط، ومنذ تأسيسها لم تبذل الجهد اللازم لبناء تجربة للاندماج الوطني انطلاقا من التشخيص الموضوعي للواقع الاجتماعي لتضع الحلول لإشكالياته. وعوضا عن بناء دولة المواطنة نراها وإلى اليوم تراوح في سلوكها إزاءه: بين انتهاج "لسياسة النعامة" ،أو بين انتهاج "سياسة الهروب إلى الأمام".
• لا بد من إدراك تام إن مسألة الاندماج الوطني، قضية تتعدد فيها الأدوار رغم الوحدة في الهدف. ونظرا لتنوع الفاعلين على صعيدها لا بد لأي معالجة أن تبتعد عن المؤثرات الخارجية لما لذلك من قطع للطريق أمام محاولات الدس والتفخيخ، لأن الأجنبي لا يؤدي الدور إلا ليأخذ مقابلا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما مدى أهمية تأثير أصوات أصحاب البشرة السمراء في نتائج الانت


.. سعيد زياد: إسرائيل خلقت نمطا جديدا في علم الحروب والمجازر وا




.. ماذا لو تعادلت الأصوات في المجمع الانتخابي بين دونالد ترمب و


.. الدفاعات الجوية الإسرائيلية تعترض 3 مسيّرات في سماء إيلات جن




.. فوضى عارمة وسيارات مكدسة بعد فيضانات كارثية في منطقة فالنسيا