الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هجوم الأقصر الإرهابي وما أشبه الليلة بالبارحة

جوزيف بشارة

2015 / 6 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


اليوم أدرك الإخوان المسلمون وشركاؤهم ما يمكن أن يؤلم حقاً أي نظام حاكم في مصر؛ الهجوم على الأماكن السياحية واستهداف السيّاح الأجانب. هجوم اليوم على معبد الكرنك بالأقصر قد يعني نقلة جديدة في مواجهة الإخوان المسلمين مع النظام، وقد يعني بداية النهاية لمواجهة الدولة مع الجماعة الإرهابية. هكذا تُعلمنا دروس التاريخ.

في نوفمبر عام 1997، وفي خضم معركة الدولة عندئذ مع الجماعات الإرهابية، هاجمت الجماعات الإسلامية معبد الدير البحري بالأقصر، فقتلت 58 سائحاً معظمهم من السويسريين واليابانيين. قام الرئيس مبارك عندها بزيارته الشهيرة لموقع الحادث، وأصدر قراراً فورياً بعزل وزير الداخلية حسن الألفي. قيل وقتها أن الألفي لم يستطع العودة إلى القاهرة في الطائرة التي أقلته إلى الأقصر. عيّن مبارك الحبيب العادلي بدلاً منه.

هاج العالم الغربي على نظام مبارك بسبب مقتل العشرات من رعاياه، وقام بممارسة ضغوط جبّارة عليه لاثنائه عن استخدام الحل الأمني في مواجهة قضية الإرهاب. لم يتوقف الأمر عند المطالبة بالإفراج عن قيادات الجماعات الإرهابية، وبإعادة دمج الإسلاميين في العملية السياسية، بل بلغ الأمر أن قام الغرب بمنح اللجوء السياسي للمئات من قيادات الجماعات الإرهابية، تحت راية حقوق الإنسان، بدعوى حمايتهم من قمع نظام مبارك.

وبالفعل استجاب نظام مبارك لضغوط الغرب لحماية نظامه. من الناحية السياسية، سمح مبارك، من جديد، بدخول جماعة الإخوان المسلمين الانتخابات البرلمانية عام 2000، التي نجح فيها لهم 18 عضواً، وكان من محمد مرسي الذي عاد ليصبح رئيساً للجمهورية بعد رحيل نظام مبارك، وفي عام 2005 دخل الإخوان المسلمون الانتخابات البرلمانية مرة أخرى وحققوا نجاحاً غير مسبوق، حيث نجح لهم 88 عضواً، فشكلوا الكتلة البرلمانية المعارضة الأساسية لنظام مبارك.

على الصعيد الأمني، تفتق ذهن وزير الداخلية الجديد عندئذ الحبيب العادلي عن فكرة التفاوض مع الجماعات الإرهابية. وما أدراكم بنتائج تفاوض العادلي مع الإرهابيين. كانت النتائج كارثية على مصر ونظام مبارك معاً.

أفضت المفاوضات إلى تصالح النظام مع الجماعات الإرهابية، وروّج العادلي لمبادرة المراجعات الفقهية التي تم بمقتضاها وقف أعمال العنف المنظم مقابل الإفراج عن أعداد كبيرة من قيادات الجماعات الإرهابية وألاف من أعضائها. لم يكن الإفراج عن أولئك هو الثمن الذي دفعته مصر. كان الثمن أكثر خطورة، إذ سمح العادلي بمقتضى مبادرة المراجعات بإطلاق أيادي الإرهابيين في مدن وقرى ونجوع مصر حتى تحول كل شبر في ريف وصعيد مصر إلى وكر للتطرف والكراهية وإنكار ورفض الأخر.

بالنسبة لنظام مبارك الذي رضخ لضغوط الغرب حتى يبقى في السلطة، فقد كانت مفاوضات العادلي مع الإرهابيين البداية الحقيقية لنهايته. إنهار نظام مبارك بعد أسبوعين من التظاهرات التي شاركت فيها فصائل عديدة من الشعب المصري ولكن قادها من الخطوط الخلفية زعماء الإخوان المسلمين وعدد من السياسيين المعارضين الذين نجح الإخوان في خداعهم.

هجوم اليوم ليس بمستوى هجوم 1997 لأنه لم يسفر عن ضحايا. لكن سيكون من المثير رؤية كيف سيواجه النظام الحالي مسألة الهجوم على السيٌاح؟ ما أشبه الليلة بالبارحة، فالضغوط الدولية على نظام السيسي كبيرة لإجباره على فتح باب العودة السياسية للإخوان المسلمين، ولكن هل يقبل السيسي بعودتهم؟ هل يرضخ السيسي امام ضغوط الغرب للبقاء في السلطة؟ ترى هل تتكرر مأساة 1997 مرة أخرى؟

أرجو ألا نرى حبيباً عادلياً جديداً على رأس وزارة الداخلية، وأرجو ألا نسمع عن مبادرات يجري بمقتضاها تسليم ما تبقى من مصر للمتطرفين، وأرجو أن يكون السيسي استوعب درس مبارك. أرجو ألا يقبل النظام الحالي بمراجعات فقهية صورية مع الإخوان تُتخذ كوسيلة للعودة إلى الشرعية. التجربة السابقة مريرة لازلنا نتجرع علقمها، ولا نريد تكرارها من جديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مطالب في ألمانيا بترحيل مرتكبي الجرائم الخطيرة حتى إلى الدول


.. بلجيكا.. لماذا لا يهتم البلجيكيون من أصول مهاجرة بانتخابات ا




.. ألعاب باريس: روسيا متهمة بشن -حملة تضليل- مكثفة لتشويه سمعة


.. ثلاثة مجالس في أوروبا.. اثنان منها فقط من مؤسسات الاتحاد الأ




.. إسرائيل: الحرائق في شمال البلاد تعمق خلافات الحكومة