الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الصراع حول المحكمة الاتحادية العليا

صادق رشيد التميمي

2015 / 6 / 10
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


ليس جديدا القول ان وجود قضاء مستقل وحيادي يوفر امكانية قوية في التصدي لإساءة واستغلال استخدام السلطة كما ان سياسة المساواة ونظام للعدالة الاجتماعية والتنمية العامة وحماية الحريات الفردية أصبحت في صميم عقيدة الدولة الحديثة وفق فلسفة صناعة الاستقرار المتين والحيلولة دون توسع الهامش الاجتماعي الذي يهدد أصل فكرة الدولة ويعتبر القضاء احد ادوات الدولة المهمة في مراقبة تلك السياسة التي تمارسها المؤسسات السياسية والاقتصادية وفقا للمبادئ الدستورية. وفي العراق يواصل الأطراف السياسية نقد بعظهما البعض بشكل اتهامي متطرف ومتبادل حول مسؤولية كل طرف في إعاقة ظهور الدولة على اسس المساواة وعدم التمييز لكن عمليا يصر كل طرف على تأصيل وتشميل نظام المحاصصة ليستغرق كل تفاصيل الدولة حيث أخضعت بالكامل لأولويات التوافق وبالضد من مشروع الدولة المفترض. احد ميادين هذا التنافس والصراع السياسي بين الجماعات الحاكمة هو قانون المحكمة الاتحادية العليا. ان نص المادة 92 ثانيا من الدستور الذي اشترط ان تتكون المحكمة العليا من قضاة وخبراء في الفقه الاسلامي وفقهاء في القانون يتناقض مع اولا من نفس المادة الذي أكد مبدأء المحكمة الاتحادية هيئة قضاىية مستقلة. ان مضمون ثانيا من النص نقض لمبدأء قضاىية المحكمة واستقلالها من البداية وهو لايستقيم مع أسس المبادئ الدستورية سيما تلك الخاصة بالسلطة القضاىية من حيث طبيعة تكوين المحاكم وكيفية صناعة قراراتها. ان ثانيا من النص تم حشره بالدستور لدوافع تتعلق بضمان استمرارية التأثير السياسي والديني على مسارات تطبيق بعض النصوص التي وردت في الدستور بسب طبيعة مهام المحكمة العليا. ان مجرد النص في الدستور على مضمون ما لايعني انه محصن من الطعن بعدم انسجامه مع المبادئ الدستورية العامة التي يتطلبها اي دستور يعتمد قاعدة الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء اذ واضح ان حشر خبراء الفقه الاسلامي وفقهاء القانون بأصل تكوين المحكمة الاتحادية دوافعه التحكم بتطبيقات بعض النصوص الدستورية الخلافية والمقيدة بالتوافق السياسي على سبيل المثال النصوص الخاصة بالثروة العامة وإدارتها والصلاحيات الحصرية والمشتركة للحكومة الاتحادية والإقليم واولوية القانون الإقليمي على القانون الاتحادي وكركوك والمناطق المتنازع عليها وكذلك ماورد في نص المادة ثانيا من الدستور المتعلق بالإسلام دين الدولة ومصدر أساس للتشريع وكذلك عدم تعارض تشريع القوانين بثوابت احكام الاسلام او مبادئ الديمقراطية وايضا ماورد بخصوص ضمان الدستور الحفاظ على الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي اذ كان من اولوليات الجماعات التي انفردت بكتابة الدستور وضع ضمانات وتحت غطاء الدستورية توفر لها التحكم بالقرارات القضاىية للمحكمة وكذلك بما يجعل من تلك الجماعات قوة متنفذة في ضبط اي عملية إصلاح او تحديث لنظام المصالح والقيم والمعتقدات التي اريد لها ان تسود داخل المجتمع . ان ثانيا من النص المذكور يصادر مهمة القضاء الاساسية ويثير من البداية شكوكا في حيادية واستقلال المحكمة العليا. ان اشتراط ان تتكون المحكمة من قضاة وخبراء بالفقه الاسلامي وفقهاء في القانون بنص دستوري لايعني ان النص مقدس بعيدا عن المس اذ ان النص نفسه يتناقض مع المبادئ الدستورية العامة وهو ضد منطق الدستور بشكل عام وضد طبيعة الهيئة القضاىية التي يتصدى لمهامها قضاة. كما ان ذلك النص يكف سعي القاضي في البحث والتقصي ويصادر معرفته وسعة اطلاعه سلفا وبشكل علني عندما يزج معه هؤلاء الفقهاء في الفقه والقانون ويمنحهم سلطة مساوية وبالتالي يحتكر هؤلاء علنا هم التحكم بالقرار القضاىي اي تنازل القضاة عن وظيفتهم ضمنا لصالح الخبراء فإذا قلنا ان القانون الذي سيشرع يمنحهم سلطة المشاركة في صناعة القرار على قدم المساواة او يعطيهم حق الفيتو على مضمون القرار فان إمكانية التحكم السياسي لامفر منه طالما ان عملية ترشيح واختيار الخبراء والفقهاء يتم أملاءه من قبل جهات سياسية ودينية وإذ كان دورهم تقديم الخبرة فهذه الخبرة ايضا لاتوجد ضمانات في ان لا تعكس الرؤى والمنافع لجماعات الحكم السياسية والدينية بعيدا عن المصالح العامة اي السوال لما تكون الخبرة مطلوبة من فقهاء وخبراء مرتبطين بجماعات الحكم فقط؟ اذ طالما هي خبرة فيمكن الحصول عليها من مصادر اخرى مستقلة فالخبرة في النهاية تبقى اجتهاد اي لايحتكرها خبير أو فقيه على وجه التحديد. ان فرض خبراء وفقهاء في أصل تكوين المحكمة من قبل جماعات الحكم يفتح الباب واسعا امام تحويل المحكمة الى ساحة للتنافس والصراع السياسي والمذهبي حتى على صعيد المذهب الواحد مما ينعكس على الاستقرار الاجتماعي غير ان من المهم القول ان أصل هذه الإشكالية في الصياغات الدستورية يعكس اختلال عنيف في توازن القوى الضروري داخل المجتمع الذي من شانه ان ينتج مفاهيم دستورية متطورة ومتناسبة تساهم في إرضاء ما للعقائد التناقضية السائدة والمعززة للانقسام الاجتماعي وتحييدها قدر الإمكان عن السياسة والدولة بما يخدم عملية تنظيم المصالح الاجتماعية على أسس التجربة التاريخية والمبادئ العقلانية. ان اللحظة التاريخية لكتابة الدستور اكدت سيادة الهوة بين المفاهيم الدستورية وبين ماهية القوى الاجتماعية التي صاغتها تاريخيا. ان تلاشي وجود قوة اجتماعية مدنية منظمة المصالح هو من يقف وراء تناقض بعض النصوص والتباس صياغاتها بعيدا عن المبادئ الدستورية العامة. تلك الصياغات المرتبكة التي تتحصن وراء صفة العلوية الدستورية تعكس أمتيازات جماعات معينة احتكرت لحظة كتابة الدستور لتمرير قيودها وامتيازاتها لعقود طويلة بما فيها طريقة تعديل الدستور هذا على فرض تحقق إجماع شعبي وفق روية واضحة على تعديل او تغيير الدستور. ان وضع التشريعات التي يتطلبها الدستور وبما يتفق ومبادى التأسيس السليم للدولة بما فيها قانون المحكمة الاتحادية هو الطريقة المثلى للخروج من دوامة الخلافات السياسية اذ يفترض بقانون المحكمة العليا ان يمنح القضاة سلطة واسعة في اختيار الخبراء والفقهاء اي عدم تحديدهم سلفا سياسيا ودينيا وثانيا ان يكون رأي الخبير غير ملزم للقضاة الامر الذي يتطلب ايضا إصلاح في مناهج التعليم القضاىي لتشمل أصول الفقه والمنطق والفلسفة والأادب اي توسيع مدارك القاضي حتى يكون مؤهلا لممارسة مهام قاض محكمة عليا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تحذر من -صيف ساخن- في ظل التوتر على حدود لبنان | #غر


.. البيت الأبيض: إسرائيل وحماس وصلا إلى مرحلة متقدمة فى محادثات




.. تشاؤم إسرائيلي بشأن مفاوضات الهدنة وواشنطن تبدي تفاؤلا حذرا


.. هل يشهد لبنان صيفا ساخنا كما تحذر إسرائيل؟ أم تنجح الجهود ال




.. بسبب تهديد نتيناهو.. غزيون يفككون خيامهم استعدادا للنزوح من