الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المقطع الثالث من الفصل الأول من رواية ينال نور

عبد الرحمن جاسم

2005 / 10 / 5
الادب والفن


نزلتُ من السيارة، وقفت مستنداً على بابها، بانتظار خروج "تيتا"، وما هي إلا ثوانٍ حتى رن الجرس، وبدأت فلول الأطفال بالخروج، وسرعان ما بدأت أسراب المخلوقات اللطيفةٍ هذه بالعبور بجواري وخلفي وأمامي، ثم ظهرت ريتا أو تيتا كما أسميها أنا، كانت بياضها الشفاف يظهر ملياً، عيناها البنيتان تلتمعان تحت شمس ما بعد الظهيرة، ويداها كالعادة تعبثان بالحقيبة المعلقة على كتفيها، وما أن رأتني حتى هرعت ركضاً، عانقتني، وهتفت،
- بابا، بابا، هي،هاي، كانت هذه طريقتها للإحتفال بي يومياً، أو كلما رأتني بعد غيابٍ لساعات، كانت تيتا طفلتي الوحيدة، النبع الذي يبقي حياتي بستاناً جميلاً، ورافاً، مظلاً،
- أهلاً حبيبتي، كيف حال حلوتي الصغيرة، قبلتها بحنان كان دائماً يفاجئني فأنا دائماً كنت أعهد نفسي قاسياً، ولم أعتقد بأنني قد أغدو حنوناً مع طفل،أي طفل،
أمسكت بيدي، وتوجهنا صوب السيارة، بهدوء جميل، وتيتا لا تزال بين حين وحين تداعب هذا الهدوء بكلمة، أو سؤال لطيف، أو بكلمتي (هاي، هي، بابا حبيبي)، لم أكن أعرف أبداً من أين تحضر هذه الفتاة هذه المشاعر الكثيرة، وما أن صعدنا السيارة، حتى سألتها عن دروس اليوم، فبدأت تحكي والشمس لا تزال تراقبنا بعين بدأت تخف حدتها، كان الجو، لامعاً،
- اليوم أخذت دروساً كثيرة، المس حنان قالت لنا بأن الدجاجة لا تطير، بابا، إذا كانت لا تطير فلماذا تسمى طائراً، كانت تيتا تبحث عن المعرفة، كعادة كل البشر،
- بابا، أنظري معي، الدجاجة لا تطير صحيح، لكن لها أجنحة، وريش، ومنقار، يعني تشبه ماذا؟ الطيور، صحيح، إذا بما أن لها كل صفات الطيور.. فهي طائر، هذا يعني أن كل شيء له صفات الطيور هو طائر، كان تيتا تتابعني بإصغاء، وحالما انتهيت ردت ببراءة متناهية، وإبتسامةٌ على وجهها،
- بابا، إذا عمو نبيل هو من الطيور، فتحت عيوني كي أقدر على متابعتها أكثر، لربما أفهم ولو قليلاً ما يدور في عقلها الصغير،
- عمو نبيل من الطيور، لماذا؟،
- بابا، لأنني رأيته في حفلة عيد البربارة هكذا، كان عنده أجنحة، وريش ومنقار، بابا، عمو نبيل طير، أكيد، كانت تهتف، وكنت غير مصدق، إلا أنني عدت ونظرت إليها بحبٍ كبير، وقلت
- أتعرفين شيئاً، قد يكون عمو نبيل طائراً فعلاً، فعقله مثل عقل الطيور تماماً، وضحكنا سوياً، أنا لنكتي، وهي لإكتشافها الخطير،
************************
أدرت وجهي صوب الطريق، شغلت محرك السيارة، لا يزال الموضوع يأكل عقلي، أحياناً حينما تجتاحنا الهواجس والرغبات، نضحى ضحايا لأفكارنا ومخاوفنا، يصير كل تصرف بلا وجهة، بلا هدف، كل ما نريده من جراء تحركنا هو الإفلات من رقابة تلك الوحوش الفكرية، التي تتغذى منا،
محرك السيارة يزأر، وعقلي يزأر هو الآخر، بدأت أئن، كان وجه أشرف لا يزال يتنفس في خيالي، لا يزال يخترق كل أبعاد حياتي، لا أدري لكنني لا أستطيع إلا أن أفكر بالأمر،
- "دكتور، ليس لدي إلاك، إن لم تستطع أنت أن تفعل هذا، لا يستطيع أحد، نور ثق بي، إن كل الأمر مجرد فخ للإيقاع بي، ثق بأيامنا الأوائل، ثق بي."
ظلت الكلمات الأخيرة تدوي في عقلي، تدوي، وتدوي.. وتدوي،
حركت علبة الغيارات في السيارة نحو الإنطلاق، وتحركت إلى أين، لست أدرِ، إلى أي مكان أتوجّه، لم أكن أعرف أو يهمني أن أعرف، كل ما أريده هو أن أكون في مكانٍ هادئ أفكر فيه، بداية خطر ببالي أن أتوجّه صوب البحر، أشكو له همي، فتنقلها أمواجه المتنافرة، ويسمعها مكتئب غيري عبر القارات، أو تسمعها الحوريات، بسمت لخاطر الحوريات، كنت دائماً أظن أن الحوريات فتيات بإنتظار الحبيب، وكنت أتخيل نفسي في طفولتي أتزوج حورية بحرٍ جميلة، الآن كبرت، وتزوجت.. وأنجبت، أنجبت حورية، لكن بلا ذيلٍ سمكي، أعادني التفكير بـ "ريتا" إلى حالة فرحةٍ قليلاً، إلى مرحلة من ابتسام، كان مجرد التفكير بـ "تيتا" يجعلني قريباً من الفرح، فهي أكثر من فرح. وصلت البحر، أوقفت سيارتي.. كان الجو عاصفاً، بدا البحر غاضباً، ثائراً، كان يرغي ويزبد كما تقول العبارة الأدبية، وكانت يضرب بعنف الصخور القريبة من مرمى يده، ارتديت وشاحي، والمعطف، ونزلت من سيارتي بكل هدوء، غير آبه بالمطر المتساقط، كللني المطر، لم ينتظر، وعانقتني ريح أتت من أمامي، رفعت رأسي، بدت الريح أكثر تقبلاً لي، وأكثر رفضاً، تقبلني إذا ما رفعت رأسي بمواجهتها، وترفضني إذا ما انحنيت أمام لمحها العاصف، تنهدتُ أكثر وأكثر، ورأسي لا يزال مرتفعاً، عبرت الريح، مررت خلالها، وتوجهت صوب الحاجز الحديدي الذي يفصلنا عن الصخور البحرية، لربما كي أقترب من البحر أكثر، وبدأت أصغي لصوته، وبدأت أناجيه بعقلي، كان الأمر أكثر من مجرد حديث بين صديقين، كان الأمر حديثاً بين مخلوقين إعتادا الوحدة، حتى بين المخلوقات، بين كل المخلوقات، فأن تكون في مرحلة "الملأ" أي مرحلة (الملل على الملأ) أن تكون وحيداً حتى بين من تعتقدهم أقرب الناس إليك، وبدأت حديثي، وعاد يصغي، والريح تعصف خلفنا، تهدر بعنف، والبحر مع كل هتاف حارٍ مني، يزيد حركة يديه أو يخففها، تعاطفاً معي،
***************************
رن المنبه بعنف في عقلي، فاستيقظت، كدت أنهض لأحطمه، لكن بصراحة كان الإرهاقُ أكبر مني، كنت لا أزال تحت وطأة تعب كثير، أردت العودة للنوم، لكن المنبه بدا غليظاً فلم يتوقف عن الرنين، والحق في هذا عليَّ أنا حيث أنني –ولأنني أعرف نفسي- قد برمجته بحيث لا يتوقف إلا إذا أوقفته ووضعته في آخر غرفتي بعيداً عن متناول يدي، بحيث لا أستطيع لمسه والعودة إلى النوم، لذلك يجب علي التحرك إلى مكمنه، والقبض عليه هناك، كان وجه شارلي شابلن الذي يزين المنبه، وهو يمد لسانه لي، يضحكني، بلا شماته، مع أنني أعرف أنه كان دائماً يضحك على كسلي،
هتفت في نفسي بأنه علي أن أيقظ تيتا على مدرستها، لكن عدت وتذكرت بأن اليوم سبتاً، كانت عطلة تيتا، أرحت نفسي أكثر، وعاد قرار العودة للنوم يلح من جديد، بدأت الأحلام الجميلة بإختراقي، لكن المنبه كان لا يزال يمزق كل ذلك السكون والهدوء بإصراره المتواصل على إيقاظي، غضبت، قمت من نومتي اقتربت منه بجرأة، نظرت غاضباً، كان ينظر إلي ضاحكاً، ويمد لسانه أحسسته طفلاً، كدت أن أضربه كي يسكت، لكنني عدت وربت على رأسه، فهدأ وسكت، وعدت إلى النوم،
ومن أن أصبح النوم وردياً أمام عيني، حتى رن جرس هاتفي النقال، بدا الغضب في داخلي ديناصوراً بغيضاً، يزأر بعنف، ويزأر ويزأر، رفعت رأسي من جديد، وأنا ألعن كل الرنين الموجود في الدنيا، أمسكت بهاتفي، فتحته، وأنا أخاف زئير الديناصور،
- ألو، نعم، من هناك، كنت أتحدث سريعاً.. كي أنتهي سريعاً، لأنام،
- ألو دكتور، صباح الخير، أنا سمير، دكتور، لقد اتصلت نوال بي البارحة وقالت إنك تريد إسم محامٍ بارع، أنا أعرف واحداً. كان سمير يعمل في قسم العلاقات العامة في المستشفى، أنا بالحقيقة لم أكن أعي بعد من هو سمير، أو لماذا يتصل لكن شرحه عاد يبرز من وراء كلماته، أيقظني كلامه، عادت تلك المشاعر المخملية اللون، القاسية الملمس لإجتياحي من جديد، كنت أريد النوم والآن أريد الخلاص،
- نعم، سمير، أريد رقم هاتف هذا المحامي، واسمه وعنوانه،عدت من أفكاري، محاولاً إكمال ولو جملة مفيدةٍ واحدة معه.
وانطلق سمير يقول المعلومات عن المحامي وأنا أسمع ولا أسمع، أو بالتحديد لا أفهم، ثم هتفت به بكل تشبث،
- سمير، سمير، أنا بصراحة، لا أزال تقريباً نائماً، أيمكنكَ أن تكمل خدمتك، أرجوك أرسل العنوان لنوال، وأكون لكَ شاكراً،
هنا بدأ هو يعتذر عن إيقاظي، وبأنه سيرسل العنوان بالتأكيد لنوال، وكرر أسفه، وودعني، أما أنا فرميت التلفون جانباً، ونمت،
السحب الزهرية والبيضاء تقتحم عقلي، تفتحه بهدوء، أكاد أعبر تلك الزهور الجميلة عند ذاك المنعطف،
- بابا، أريد أن أشرب، كان صوت "تيتا" قريباً من عقلي، أحسست بالسحب أو الزهور تنطق، لكن لم أقتنع، رفعت رأسي محاولاً استجلاء الأمر، وكانت هناك، كانت "تيتا" تقف حافية أمام سريري، ووجهها يوحي بالتعب، حالما رفعت رأسي قائلاً بحزن، "حاضر"، وتحركت كي أحضر الماء لحوريتي الجميلة، كانت تيتا تخشى أن تذهب وحيدة للمطبخ ليلاً ومع أن الجو صباح، إلا أن تيتا كانت دائماً تهرع إلي كلما أرادت أن تشرب، وأنا –ولا أعرف لماذا- لم أرفض هذا يوماً، قد يقول علماء النفس بأنني أدلعها، ولا أعلّمها الإعتماد على ذاتها، لكن ما الذي أستطيع فعله وأنا لا أملك أن أرفض لها شيئاً، اقتربت من الثلاجة، أحضرت لها الماء في كوبها الأصفر الصغير، وهرعت لأجدها في سريري على حدود النوم، أعطيتها الماء، شربت وهمست بكل رقتها الطفولية الشفافة،
- بابا، أحبكَ كثيراً، ثم أسبلت جفنيها، وانهمكتْ في نومٍ بدا عميقاً، أنا نظرتُ إليها، نظرت إليها من جديد، كنت أتلمس ملامحها بعيني، كانت تملك جمال أمها، عيناها عسليتان، وجهها الأبيض ناصع، وشعرها يسترسل بهدوء مع أنه بشكله القصير الحالي، بدا أكثر من ساحر، كانت تيتا تتنفس ببطء، وأنا أتابع الوجه الذي يقطر براءة، كانت هذه الصفة، أكثر ما يمكنني أن أصفها به، كانت حوريةً بريئة،
الآن لم يعد النوم يجدي نفعاً، قررت أن أذهب للصالون للقراءة،وبما أنني لن أذهب للعمل صباحاً اليوم، فعلي أن أستفيد من الوقت، وخصوصاً لأنه لن يسنح لي من جديد، اتجهت صوب المكتبة وأنا أحاول أن أبدو خالي البال، لكن محاكمة أشرف كانت كل تفكيري، ووجود محامٍ جيد، كان يخيفني، ماذا لو استغلني، ماذا لو خدعني؟ ماذا لو، أكلت كل تفكيري،
عانق العقربان في الساعة بعضهما معلنين أنها الساعة الثالث والربع تماماً، كانت الشمس تتخذ طريقها نزولاً صوب البحر، بدا المشهد أزلياً من شرفتي، لا أزال أحاول تجنب التدخين، حينما تتوتر تأخذ بصرف نفسك، تحاول أن تبعد تفكيرك عن كل ما يضايقك عبر أبوابٍ ونوافذ جانبية، مرة بالتدخين، مرة بالتلفاز، مرة ومرة، كل مرةٍ بلون وكل لونٍ بشعور ولكن أبداً لا ينتهي توترك إذا لم تواجهه، وأنا لا يزال توتري في أوله ولا أزال خائفاً من مواجهته، كيف أستطيع مواجهة من أحب بما أريد القيام به، كان طعم الخوف قوياً في فمي، وما أصعبه من مذاق،
********************
وصلت باب عيادتي، كانت نوال تجلس هناك خلف ذاك المكتب في نفس المشهد اليومي، كما لو أنها تسجل ما تقوم به وتضع الشريط يومياً في نفس الموعد، بادرتها بالسلام وخدودها الحمراء تلتمع، بسمت حينما شاهدتني، كادت تقول شيئاً لكن عبوري السريع، لم يفتح لها المجال، لا أزال لا أود الحديث مع أحد، الحديث مع الآخرين أحياناً بلا قيمة، لذا في هذه المرحلة، لا مناقشات مع أحد،
- دكتور، صوت نوال أجبرني على الإلتفات، كدت أتجهم غاضباً، لكنني انتبهت إلى المريضتين اللتين تجلسان بجوار أصيص النبات، فلممت غضبي، وتحدثت بصوتٍ هادئ، فاجأ نوال كما فاجأني أنا أيضاً،
- نعم، ماذا تريدين نوال؟
- سمير أرسل إليكَ عنوان المحامي كما طلبت منه، بدت نوال تقريرية، تقول ما عندها وتسكت، كانت تلاحظ أنني لستُ في حالتي الطبيعية مؤخراً لذا كانت تتجنب الحديث معي، ومناقشتي، وأنا كنت قد نسيت كل شيءٍ عن سمير، وعن كل ما حدثني به صباحاً، هززت برأسي، مططت شفاهي، ثم أعقبت،
- نعم، شكراً نوال، لا تنسي أن تشكري سمير. كنت أنهي الحديث كي أعود لعملي الذي لم أبدأه بعد، ناولتني نوال بطاقة مذهبة، كانت اسم المحامي وعنوان مكتبه، ألقيتُ نظرةً عليها، لم أقرأها، لفت نظري الإسم المذهب، كانت الحروف تتطاير أمام عيناي، وضعتها في جيبي، وتوجهت صوب العيادة، وقبل دخولي، قلت لنوال،
- دعي المريضة تدخل،
**************************
ومر الوقت، ومر الوقت عزيزاً، كان كالضيف، الثقيل أحياناً، الثائر أحياناً، الخفيف جداً أحياناً، فالوقت يغيرنا دائماً، ولكن في بعض أحيان نحتاج إليه كي يخفف عنا ولا يزيد علينا،لكنه يأبى إلا أن يتصرف كما يريد لا كما نريد نحن، عند الساعة السابعة، وبعد مرور عدة مريضات اليوم، أحسست بالتعب، ثم طرق الباب، نوال جاءت لتخبرني أنها تريد الذهاب قبل الوقت اليوم فسألتها عن السبب، فأخبرتني أنها تريد الذهاب لأنها تدرس بعد الظهر، حينها سألتها -بكل براءة- ما نوع الدورة، كنت -ولغبائي في بعض المواقف- أظنها دورةً لمحو الأمية، مع أنني أعرف أن نوال متعلمة، ومثقفة، إلا أنني لا أعرف لم خطر ببالي دروس محو الأمّية، على كلٍ، نوال أخبرتني بمفاجأة أن الدورة هي دورة كومبيوتر، وبما أن هذا الجهاز الصغير هو داء العصر، فإنها تريد أن تشارك في هذا العصر وتشترك فيه، طبعاً أخفيت كعادتي إنفعالاتي أمامها، ولكن ما أن خرجت، حتى بسمت ونظرت صوب الفراغ الممتد من عيادتي مباشرة إلى البحر،
لم أفكر اليوم في الموضوع الذي يشغل تفكيري، لكن ما أن أطل وقت فارغ من العمل، حتى عادت أشباحي إلى الظهور من جديد، عادت الألوان الكئيبة لتلوين ما حولي من جديد، تذكرت بطاقة المحامي، أخرجتها من جيبي وأخذت أقلّبها، ثم أخذت بقراءتها من جديد، كأنني قرأتها أول مرة، ثم قررت ركوب الموجة والتحدث مع المحامي الذي بدا رجلاً كبيراً في السن، مع أني لم أعرف منه سوى اسمه، لكن شيءٌ في داخلي أنبأني بأن "ناجي يوسف" هو هكذا، طلبت الرقم، رن الهاتف مرةً، رن مرتين لكن لا أحد يجيب، بدأ الأمر يضايقني بدأت أصرخ في داخلي، "مكتب محامي، ولا يردون، أين نحن في الغابات المطرية، لماذا لا يجيبون"، ثم وعند الرنة الثالثة، رفعت السماعة، كان صوتاً أنثوياً ناعماً، فكرت لا ريب أنها السكرتيرة،
- ألو، مكتب المحامي ناجي يوسف. هتفتُ بسهولة كي أبدأ الحديث وأصل إلى نقطة تواصلْ،
- نعم، هنا مكتب المحامي ناجي يوسف. تفضل كيف نستطيع خدمتك؟ كان صوتها باهتاً، وغريباً كذلك،
- إذا سمحتِ أريد أن أتحدث مع الأستاذ ناجي، بدا صوتي خاماً وجافاً إلى حدٍ كبير، إلا أنني حاولت الضغط على نفسي خوفاً، من لا شيء، أو خوفاً، على الأقل من نفسي،
- الأستاذ ناجي، تريد الأستاذ ناجي؟ بدت اجابتها بلهاء، بدا صوتها يبحث عن شيء، لم أعرف ما بها، لكنني عرفت أنها إما غبية أو لا تعرف ماذا تريد القول،
فجأةً لم أعد أسمع صوتها، بدا صوتها بعيداً، ثم متقطعاً، أحسست بأن خطوط الهاتف تواجه مشكلة، ثم قطع الخط، وأز التلفون في أذني بأزيزه المتميز، أردت معاودة الإتصال، حاولت، وحاولت، لكن بلا جدوى، كان خطهم إما مشغولاً، أو تعطل،
هتفتُ في نفسي كثير من الأفكار، أحدها تقول الأقدار لا تريدك أن ترسل القضية لهذا المحامي، عليكَ أن تفتش عن آخر، لكن عنادي كان أكبر من المعتاد، أصررت على أن أتحدث مع هذا المحامي دون سواه،
عدت إلى ترتيب أعمالي، ومرت ساعة، ثم ساعتين، توجهت بعدها لبيتي باحثاً عن شيءٍ يسليني، نزلت الدرج الهوينا، ممتصاً طعم الليل المغرد في عقلي، صرت على أول الطريق بإتجاه الموقف حيث تنتظر سيارتي بصمت شديد، فرحت حينما رأيتها تنتظر، كانت هناك علاقةٌ حميمة تربطني بكل ما حولي من أشياء تعنيني، سيارتي أحدثها وأسمّيها، حتى وأحيلها بشراً أتحدث معه، كما لو كانت تفهم، كنت دائماً أعاملها كطفل، ودائماً أرفض التخلي عنها، كانت (أزميرالدا) أو (أزمي) كما سميتها ذات مرة مرسيدس ليست جديدة ولا قديمة لكن أنا كنت أعشقها لأنها مثلي، لطيفة، بسيطة وعملية، ولم تعذبني يوماً، صعدت إلى متنها، سلمتُ عليها، وكعادتي أحسست بالمقعد يكاد يحتضنني، كنت-ولغرابتي أحياناً- أحس بأن هذا المخلوق الجماد، يحبني كما أحبه،
أدرتها، وضعت شريطاً في المسجلة وبدأت أصغ، كان عزفاً "لكيتارو"( ). إن الإصغاء إليه مريح، فموسيقاه أقرب إلى الروح من أي أمرٍ آخر، فهي تبدو كأنها تنقلكَ من وادٍ إلى واد، من مكان إلى آخر، تحس بوقع المطر على أرض الأرز، تحس بخطوات العمال وهم يتوجهون إلى الحقل، بأنثى ترفع رأسها بانتظار عودة حبيب من حرب، تشعر بأنك تعيش مع كل الشعب الصيني من خلال موسيقى "كيتارو" فقط، كانت المعزوفة تدعى "السماء والأرض"( ) وقد استعملها أوليفر ستون( ) المخرج الأميركي في فيلمٍ له عن فيتنام، حيث أدى تشابه الجو العام في فيتنام إلى خلق نفس التاثير الفني الكبير لهذه الموسيقى، بدوت متأثراً كثيراً بالموسيقى، وأنا أنتظر أن تسخن سيارتي كي أنطلق بها إلى البيت، لأنام، إلى أن أدرت وجهي قليلاً صوب الشارع، وتضايقت، كانت الصور التي تزين الحائط شيئاً بشعاً، المرشح الأخضر، المرشح الأحمر، المرشح الأزرق، المرشح الملون، المرشح اللا لون له، ا لمرشح الكبير، المرشح الصغير، ابن الشعب، ابن الكلب، ابن الـ،، وكل المرشحون متفقون على أن هدفهم المواطن ومساعدته، كانت هذه الصور لا تزال من أيام البازار الكبير، الإنتخابات النيابية، حيث يتبارى كل مرشح بنشر صوره طولاً وعرضاً في بيروت وحينما ينتهي الفيلم، يذهب كل حي إلى عمله، وتبقى الصور تآنس وحدتنا الكئيبة، بصورٍ لإناس في كل الإحتمالات يأكلون لحمنا ويشربون دمنا، فمن مرحلةٍ كانوا يقتلوننا ليسرقوا منا إلى مرحلةٍ أهم، ليس هناك من داعٍ لقتلهم طالما أنكَ تستعبدهم، تستطيع أن تمص دمهم بهدوء وهم يبسمون لكَ، كان هذا لسان حال الأغلبية من المرشحين، والأسوء أن هناك طائفةٌ من الناس تصدق ما يقولون، تصدق أنهم إذا ما صعدوا فوق الكراسي سيتذكرون، كونفوشيوس( ) يقول: "الجبل الصاعد قدماً لا يتذكر الأرض إلا مفتتاً". لا يستطيع أحدهم أن يتذكرنا لأننا لسنا منه، ولا هو كان منا أبداً، كانت صور المرشحين تقتلني، وموسيقى "كيتارو" التي أضحت كما لو أنها موسيقى خلفية لمشهدٍ أراه بطيئاً، الصور المتكالبة التي تريد مص دمي، والذي يقتلني كان أنهم دائماً يبسمون في الصور، وكلهم، كلهم بلا أي اختلاف خائفون علينا، ويهتمون بمصلحتنا، إذا كانوا كلهم خائفين علينا، ممن هم خائفون إذن؟ من الذئب.. أم الشيطان؟، ممن خوفهم هذا؟ أم أن الأمر المختبئ خلف خوفهم، هو خوفهم الكبير من أن يأكل الصحن واحد من فئتهم قبلهم، فأسماك القرش حينما تجرح احداها تلتهي برائحة الدم المنبعثة وتأكل الجريح، وتتلهى به عن أي ضحيةٍ أو فريسةٍ أخرى، كانوا دائماً بابتساماتهم المقيتة وشعارتهم السخيفة، يجرحون عقولنا، يضحكون علينا بكل سخفٍ وبلاهة، ولأي حد، كيف يمكنك أن تصدق رجلاً لم تره كل حياتك وظهر فجأةً في وقتٍ معين، ليقول لكَ أنه يحبكَ ويريد مصلحتكَ ويهتم لأمرك، وأنت تعرف أنه في هذا العالم لا يعطيكَ أحدٌ أي شيء دون مقابل، دون أي تبادل، وكما في الأفلام المصرية القديمة، يظهر الباشا ليحن على أبناء عزبته أوقات إنتخابات مجلس الشعب أو الأمة، وينسى أنهم حتى موجودون في أوقاتٍ أخرى، هذه الصور، كما غيرها، ستبقى عنواناً، لتخلفنا،
درت بالسيارة في ساحة ساسين، تلك الساحة التي تتوسطها مجسم تذكاري لبشير الجميل، ويترامى مقهى الـ Chase على أطرافها، مع الكثير من المحلات والإعلانات الكثيرة، كانت الساحة التي تزين "الجبل الصغير" كما تدعى الأشرفية، تعد من الأماكن الأبرز في بيروت في قسمها الشرقي، توجهت صعوداً بإتجاه سن الفيل، ونظري يتابع كل الأشكال التي يراها، من طير إلى حجرٍ إلى وردة في محل، إلى كل تفصيل، والمشكلة أنني لا أرى لأن في داخلي إحساس كبير بالخواء، وأعرف أنَّ ما فيَّ نتيجة لما أشعر به فشل في حل مشاكلي الحالية، ثم فجأة تذكرت شيئاً، عنوان مكتب المحامي ناجي، هنا في سن الفيل، لكن أين؟، أين؟ أظنه مكتوباً على البطاقة، قلتُ في نفسي، ركنت سيارتي جانباً، كي أبحث عن البطاقة، متجنباً الإستماع إلى شتيمةٍ طائرة أو طائشة، من أي مارٍ أكاد أصدمه أو من سيارة لا تريد المسير خلفي لبطئي، وأخيراً عثرت على البطاقة، تطلعت إليها، كانت تصف العنوان بوضوح، لكن من الذي يفهم شيئاً بوضوح، وبدأت أستدل، نزلت من السيارة، أقفلتها واستدرت باحثاً عن العنوان،
وبعد عدة دقائق من البحث، توجهت صوب البناء المنشود، كانت بنايةً قديمة، وقبل أن أكمل طريقي صعوداً، نظر إلي البواب الأفريقي شزراً، كما لو أن هذه البناية لا يصعد إليها أحد،
- مرحبا، لو سمحت أين أجد مكتب المحامي ناجي يوسف؟ كنت أسأل كي لا أتوه، وأسأله له كي يتوقف عن النظر إلي هكذا،
- من، ناجي، ناجي، من؟ بدا هذا الناطور غبياً أكثر من المستطاع، ولا أعرف لماذا لم أحببه أبداً،
- ناجي من؟ ناجي يوسف المحامي، أليس مكتبه في هذه البناية؟ عدت أسأل كي أتأكد أكثر، ولمعان عيوني غدا جد واضح،
- لا أعرف، لا أعرف، بدا الناطور مرتبكاً، خائفاً، لا أدرِ من أي شيء، كان خوفه بلا مكان هنا، لكن لم أعلق على الأمر، ولم أفهم أبداً ما الأمر،
- طيب، إذا، ما اسم هذا البناء؟ عدت أحاول التأكد فقط من العنوان، كي لا أحس بالفشل تماماً، ولا يخيب أملي،
- اسمها، اسمها الفرح، كان صوته لا يزال يرتجف، كما لو أنه أحسني أريد القبض عليه، ودون أن يكمل حديثه معي استأذنني سريعاً، أو حتى بوضوحٍ أكثر، دون استئذان، هرع إلى غرفته، ليبحث عن شيءٍ وهمي،
تأكدت أنني مصيب بالعنوان، من اسم البناء، فمن غير المعقول أن يسمى بناءان متجاوران بنفس الإسم، واستغربت أكثر أن يكون محامياً مشهوراً بلا أي لافتة أو اشارة إلى المكتب، لكن قررت الصعود مهما كلفني الأمر، كان الأمر مغامرةً، وأنا لا أعرف استمتعتُ في داخلي،
وعند الطابق الخامس نزلت، وجدت أمامي طابقاً منيراً، مضاءاً بأضواء قوية، ولافتة كبيرة مكتوبة بخطٍ أنيق، تحمل اسم المحامي ناجي يوسف، وإلى جانبه اسم آخر أظنه لإبنه بدا غريباً جداً، كإسم. كان الإسم كما كان واضحاً "ينال ناجي يوسف"، استغربت الأسم بداية، لكن معرفتي بأن الإعراب كان يسمون ذكورهم بأسماء أفعال، كيزيد مثلاً، لم يفاجئني، توجهت صوب الجرس، وضعت يدي عليه مطلقاً العنان، للدخول إلى فقرةٍ جديدة من حياتي، فتحْ الباب، وظهرت على بابه فتاة يقف شعرها كتمثال أبي الهول، ولا أدرِ أبداً كم تقضي من الوقت ليقف هكذا، على كل حال سلمتُ عليها، وبدأت،
- مرحباً، أنا من اتصل في المرة الماضية على التلفون من أجل تحديد موعد له مع الأستاذ ناجي يوسف، لكن الخط قطع، تحادثتُ معكِ أليس كذلك، كنت أحاول قطع كل الطريق بجملةٍ واحدة كي أدخل للمحامي، أقول كل ما عندي، وأرتاح، أو أرحل،
- الأستاذ ناجي، لكن الأستاذ ناجي، متوفي، قالتها ووجها يقطر أسفاً غريباً، بدا عمرها على حقيقته حينما كسا الأسى محياها، بدت فعلاً كبيرةً في السن، لا كما اعتقدت أنا في العشرينات، بدا عمرها الحقيقي، بدا كبيرة، وكبيرة جداً، وبينما كنت مشغولاً بمحياها، تذكرت الفكرة القاتلة التي قالتها، مات، الأستاذ ناجي مات، حزنت، لا أعرف لماذا حزنت، هل كان حزني عليه، أم لأنه كسر حلمي بالراحة، وعلي التفتيش عن شخصٍ آخر لتخليصي، ومحامٍ آخر، ووقتٍ طويلٍ آخر، وتفكيرٍ مطول، آخر كاد عقلي ينفجر، كاد حزني يزيد، لكنني تذكرت الأسم المميز على اللافتة، فسألت السكرتيرة لاهفاً،
- أيمكنني إذاً أن أرى الأستاذ ينال؟ بدوت كالغريق المتعلق بقشة، هي لم تفهم ما بي، وكأنها أحست أنني أعرف من يكون الأستاذ ينال، لذا ودون أن تسألني أي شيء، أومأت لي برأسها إيجاباً، ورفعت السماعة لتتحدث عبر الإنترفون مع من في المكتب داخلاً،
ولم يمض وقتٌ طويل، حتى قالت بصوتٍ مريح، أو على الأقل بدا لي مريحاً، "تفضل مسيو"، طبعاً كانت تفضل تخصني، و"مسيو" هو أنا،
توجهتُ صوب الباب، ودخلت، دخلت لأرى مكتباً أنيقاً جداً، مرتباً إلى أقصى حد، يدل على ذوقٍ كبير، وغنى وتمكن إلى حدٍ معين، لم يعجبني الأمر، بدا الموقف أشبه بمحاولة لبث الطمأنينة أو كإشعارٍ للقوة،
نظرت أمامي.. ولمفاجأتي، كان هناك أنثى تجلس فوق الكرسي المقابل لي، وراء مكتبٍ كبير،، بدا المكتب أكبر منها بكثير، بدت كما لو أنها لا تصلح هناك، بدا حجم المكتب هائلاً مقارنةً مع حجمها الصغير، ثم من هو "ينال" هذا الذي يستحق سكرتيرتين، أأقابل أنا رئيساً للجمهورية، استحببت الإبتسام وقتها للخاطرتين، لكنني زممت شفتاي بعصبية، وتوجهت صوبها، والباب لا يزال نصف مفتوحٍ خلفي، وقلت بلا مبالاة،
- آسف، يظهر أنني أخطأت المكان، لكن السكرتيرة قالت لي أن أدخل هنا لمقابلة الأستاذ ينال؟ أليس موجوداً؟ كنت أحاول الإبتعاد عن التفكير بوجودها، فأنا أضعت تفكيري مراتٍ عدة ههنا اليوم، مرة عند الناطور، وأخرى عند السكرتيرة، وواحدة عند المكتب، أما الآن، إما أن أقابل ينال، أو أرحل، لم يعد الأمر يهمني أكثر، فأنا أريدُ الخلاص، فقط،
- نعم موجود، تفضل. وسكتت، كان صوتها هادئاً، واثقا، إنما تشوبه لكنةٌ غريبة، أو بالأصح إن كان شعوري حقاً، كانت لكنةً ملَّى، أو سآمة، وحينما جلست ولا أزال أنظر إليها بلا أي ابتسام على وجهي وأكاد أفترسها بنظري، ردّت إليَّ النظرة بمثلها، كنت أقول في عقلي "ما هذه الغبية، أقول لها الأستاذ شجرة تقول لي تفضل، من يريد أن يجالسك، أريد الأستاذ ويكفي، إما موجود أو غير موجود وكفى، أستتزوجينني".
- آه، هنا توقفت هي عن النظر إلي، رفعت بعضاً من شعرها الغامق عن وجهها، بشت بإبتسامة ثم ضحكت، وأردفت قائلةً،
أنتَ تجلس الآن مع الأستاذ ينال، كما تسميه الأستاذ ينال هو بالحقيقة الأستاذة ينال، فأنا أنثى كما ترى، حينها أحسست بأنني غبي، وبأن أهلي أغبياء، وبأن كل من أعرفهم أغبياء، لا أعرف ما الذي عزز الشعور في نفسي هكذا، كيف لم أتوقع ولو لثانية واحدة، بأن تكون هي "ينال"، لكن كيف؟
- آسف، آسف، أستاذة ينال. اسمكِ يحير بصراحة. اعتذرتُ محاولاً، إرساء حديث جدي كي أنسى الموقف السخيف بدايةً.
- لا تتضايق، كل الناس يتفاجأون بالإسم، وقلما توقع أحدٌ أن أكون أنا "ينال". نطقتْ اسمها بجمال، فجأة أحسست بجمالها، كان وجهها الأسمر لطيفاً، هادئاً، وإن كسته بعض ملامح القوة المخفية، شعرها كان ينزل مسترسلاً على كتفيها، ويداها بدتا تتمايلان مع الضوء الشمسي الخافت الذي ينبعث من الشباك البعيد،
- على كلٍ، فرصة سعيدة، أستاذة.. حاولت وظلت أحاول أن أخطو خطواتٍ بعيدة عن هذا الموضوع، ووقف تفكيري عند فكرة أنها جميلة بإسم جميل،
- الآن، ما سبب زيارتك إلينا، أستاذ، عادت "ينال" إلى الحديث معي محاولة جري إلى سبب قدومي، بدأت نيراني تشتعل في الهشيم داخلي، بدأت تأكل كل خطواتي المتجهة صوبه أو المبتعدة عنه، كنت خائفاً أكثر من قبل، لكن كان لا بد من الكلام، كان لا بد من التعارف،
- دكتور، الدكتور نور صالح، أنا آسف لم أعرفكِ على نفسي عند دخولي، لكن أنتِ تعلمين، على كلٍ، كي نبدأ، سبب زيارتي هذا المكتب، كان قضية، قضية خاصة جداً، هل لديكِ الوقت لتسمعيني؟ بدأت بالحديث، هذه المرة وفي داخلي صرخةٌ واحدة تقول قل ما عندكَ وعند انتهاء كل شيء يمكنكَ العودة، لتنام، بهدوء،
- طبعاً هذا عملي، كان جوابها الجاف الجاهز، إلا أنها عادت ولطفته بإبتسامةٍ مرهَقَةْ، مما جعلني أندفع مكملاً بعد إيمائةٍ برأسي شاكراً إياها،
وبدأت بالحديث، كنتُ كمن يرمي ثقله، وثقل ما في نفسه على آخرين، كنت أرمي أكثر، وهي عليها أن تحتمل الثقل.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب


.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في