الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جماليات الإبداع تواكب طفرات البيولوجيا

محمد سمير عبد السلام

2005 / 10 / 5
الادب والفن


كثرت – في الآونة الأخيرة تلك الأبحاث التي تحرص على إذابة الحدود بين العلوم المختلفة و ذلك منذ السبعينيات في مقال لفرانسوا ليوتار بعنوان الوضع ما بعد الحداثي ثم شيوع استخدام مجازات الأدب لوصف ظواهر فيزيائية مضادة لمنطق الموضوعية التقليدي في أبحاث ستيفن هوكنج و غيره ثم استخدامها لوصف طفرات البيولوجيا الوراثية أو التكوينية حيث تزدوج فكرة الإبداع بالتطور و تاريخ الأنواع في أبحاث تشارلز دوكينز و آخرين.
إن الحركة التي تميز الخصوصية الذاتية للنص الأدبي ، تتداخل وجودياً مع الحركة البيولوجية للجين ، فالتواصل الإبداعي فى الأنساق المادية هو ما يؤدى إلى النسخ ، وإعادة التشكيل والتطور الإبداعي التكويني ، دون مركزية ثابتة فى كليهما ؛ فالنص بما هو مجموعة من العلامات ، يبدأ من نقطة ، ما تلبث أن تتغير فى تمفصلاتها الجزئية ، حتى تصير إعادة تشكيل إبداعية للنقطة الأولى ، ثم تنتقل إلى القارئ فتحور وعيه وتستنسخ ذاتها فى موقع هذا الوعي ، على هيئة ظواهر جديدة هي مزيج من الوعي والنص.
لقد مر علم العلامة بتطورات عديدة منذ دى سوسير وبيرس وحتى لاكان وكريستيفا وبارت وجاك ديريدا . ومن أهم مايميز علم العلامة أو (Semiotics) فى الآونة الأخيرة تأكيده على مبدأ (اللعب) (Play) الممزوج باللذة . وفى معجم (المصطلحات الأدبية الحديثة) يذكر د/ محمد عنانى معاني مصطلح (Jouissance) ، ومنها البهجة والفرح والنشوة والسرور ، ويرى أن الكلمة الفرنسية تتضمن إيحاء جنسياً ، وعند كريستيفا تشمل الالتذاذ الكامن فى الكلمة ، ولاكان يرى أنها جنسية وفكرية وروحية فى الوقت نفسه ، وتلتصق بالنص عند بارت ثم يصف مذهب اللعب (Ludism) بحرية استخلاص المعاني من النص وفق النقد التفكيكي (المصطلحات الأدبية الحديثة – د/ عنانى – لونجمان بالقاهرة سنة 1996 48/51 . ولا يمكن وفق هذا المفهوم فصل الإبداع عن حركة التطور فى النص ، وانفلاته من آليات التحكم المركزية مثل الذات والمدلول والوجود وغيرها ، والتي يستبدلها (ديريدا) بلعب العلامة الحرفي عملية الكتابة. ومثلما لا يمكن اختزال النص فى الخطاب – فى التفكيك فإن وجود الفرد وتطوره لا يمكن اختزالهما فى الجين وفق (جيلبرت) ولهذا التداخل مظهران:
(الأول) على المستوى الحضارى والبيولوجي للتطور:
يحتل النص موقع الجين أو العكس ، حينما يكتب الأخير تطوره من النص نفسه ، ومن ثم يصير التداخل مابعد الحداثى بين الواقع والنص أو التاريخ والرواية فى درجة إحلالية اختلافية ، فالنص يسهم فى بناء الوجود ، وتغيره ثم هدم نفسه فى عملية الاستبدال (Transference) نفسها ، بإمكانات إنتاج نص جديد ، وهكذا ويري (ستيفن هوكنج) أن الأخطاء تؤدى إلى طفرات فى الشفرة الوراثية تزيد من فرص بقاء (دنا) وتطوره أو تكاثره ، فالتطور البيولوجى يعبر عن مسيرة عشوائية (تذكر اللعب) فى فضاء الممكنات الوراثية (اللغة ، النص) ولكنه بطئ على مستوي نقل المعلومات من جيل لآخر ، وعندما أنشئت اللغة المكتوبة أصبح التمرير دون الحاجة للوسائط والطفرات ومن ثم سيزداد تعقد (دنا) إلى حد كبير وفقاً لتحسين خصائصه العقلية (راجع – هوكنج – الكون فى قشرة جوز – المجلس الوطني للثقافة – الكويت 2003) من صـ 149 : 152 ، ألا تشبه هذه الحركة النسخ الإبداعي للنص فى الوعي ، ومن ثم تحويره لإنتاج نص جديد من خلال مسيرة أخرى للتطور ، تخص الجين ، تتداخل المسيرتان إذن فى اتجاه إبداعى .
ويعتقد (جيلبرت) أنه رغم إمكانية اختزال قواعد التتابع الوراثى للفرد في قرص مضغوط ، فإن الفرد لايخضع لهذه الحتمية ، لأنها تقع دائماً فى مسيرة التطور (جيلبرت – رؤية للكأس المقدسة – الجينوم – ت /أحمد مستجير – هيئة الكتاب سنة 2002 صـ66 ، صـ 67 . وأرى أن زيادة عوامل الاختلاف واحتمالات العنصرية التى رصدها جيلبرت وغيره بناء على دراسات (الجين) ستنخفض لاحتمالات وجودها في الفرد الواحد ، وتداخلاته مع الآخر.
(الثانى) على مستوى النص ، وتحرره من الخطاب الجمالي المفهمومى كما يشير فاتيمو وغيره من منظري ما بعد الحداثة أو خروجه عن نطاق الفاعل كما هو عند ديريدا . التطور الذاتي للنص إذن سيكون واعياً باللعب والبهجة ، وعلى مستوى القراءة بإعادة إنتاجه وفق القارئ.
وإن المحاكاة فى هذه العملية ستتخذ أشكالاً تعيد تمثيل عملية اللعب كإجراء لا يؤدى إلى غاية وفق الطور الآني للعلامة ، وسنري الأفراد يسبحون جيداً فى هذا النهر.
نشر المقال بعنوان الجين و النص ضمن مجموعة دراسات نقدية صدرت للكاتب تحت عنوان ( أنشودة الجسد المقدس ) عن دار حراء بمصر2003

محمد سمير عبد السلام
قاص و باحث بالدكتوراه في النقد الأدبي المعاصر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال