الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإجرائية وغياب تقرير المصير (الحلقة الثانية)

عماد صلاح الدين

2015 / 6 / 11
حقوق الانسان


الإجرائية وغياب تقرير المصير
(الحلقة الثانية)
عماد صلاح الدين
وارى أن مفارقة ما حدث عام 1973 حرب تشرين أول أكتوبر التي تحقق للعرب فيها شيء من النصر العسكري، كان مرده وفي جزء منه، إضافة إلى عوامل الاستعداد والعمل العسكري ومعارك الاستنزاف، كان مرده من جديد إلى تلك المساحة التي تركت للمصريين في معتقدهم الروحي والتراثي، والى حدود المقبول في مجتمع يريد النهوض من التصورات والأفكار الطبيعية والمجتهدة إنسانيا عن الدين والتراث، لكن تراجع الرئيس الراحل أنور السادات عن مجمل الخصوصية العربية والإسلامية في بنية المجتمع وهويته، واتجاهه إلى عقد صلح مع إسرائيل والانفتاح على عموم السياسة الأمريكية بلا ضوابط أو حدود، أدى بعد ذلك إلى التراجع من جديد، وتدشين عهد من الاستبداد لا زالت تعاني مصر منه على رغم ثورة يناير 2011، التي كانت وأخواتها من ثورات عربية أخرى مجرد رد فعل على الظلم والاستبداد السياسي والاجتماعي الذي يعيشه الناس في عموم المنطقة العربية.

وقد جرى الانقلاب عليها سريعا في مصر وغيرها، ذلك لان:
1- الإنسان المصري والعربي أصبح مفرغا منذ عقود طويلة من ماهيته الإنسانية القائمة على حرية الإنسان وكرامته، وبالتالي قدرته على تقرير مصيره واستحصال حقوقه ضمن منظومة عدالة حقيقية في المفهوم والممارسة.

2- ثم إن منظومة الاستبداد عملت على تكريس واقع التخلف والجهل، من خلال دعم وإبراز الخزعبلات والأساطير المشوهة عن الدين والتراث، ومحاربة كل محاولات تنقية الدين والتراث منها، ضمن مرجعية دينية عقلانية ووسطية، الأمر الذي أدى إلى وقوع عموم الشرائح الاجتماعية بما فيها المحاولات الداخلية عن طريق مثقفين أو أحزاب أو جمعيات وغيرها لمسالة التنقية والتطهير هذه لهذه البيئة السياسية والاجتماعية المستبدة التي تتعمد تقديم طروحات وممارسات في الدين والسياسة والاجتماع وحتى الاقتصاد، تعمل في نهاية المطاف على تكريس الاستبداد واستمراره.


3- انعكس ذلك كله على بنية الهوية الوطنية والجامعة على مستوى الأمة العربية وحتى الإسلامية، مما أدى إلى التشكك وعدم الاطمئنان إلى مقومات الوحدة الداخلية والوحدة الجامعة في الدين والتراث والعيش المشترك، فضلا عن اللغة وعموم الثقافة.

وما أدى إليه هذا الاستبداد وتشويه الإنسان ونظرته إلى مرجعياته الثقافية، من اختلافات صعبة وعصية على الحل، مما أدى في النهاية إلى انعدام كل قدرة وإمكانية على التفاهم والوصول إلى المشاركة أو على الأقل تشكيل تحالفات إنسانية وأخلاقية سياسية اجتماعية في مواجهة نظم الاستبداد، ولتحقيق أهداف الناس في الحرية والعدل وعموم تقرير المصير.

وحل محل ذلك كله الاحتراب الأهلي والتطرف حد الإرهاب، وصارت نظم الاستبداد تسوق نفسها في المفهوم والممارسة على أنها الحريصة على الوحدة وحماية الشعوب ومن ثم ممارسة الاستبداد في مشهد غريب، وانقلاب مخيف في الحقائق والوقائع.

إن الشعوب العربية بما فيها الشعب الفلسطيني صار بحاجة إلى ثورة ثقافية وأخلاقية شاملة يعاد من خلالها الاعتبار إلى:
1- البنية الأخلاقية والقيمية وضمن مشروع نهضوي وحضاري مخلص من التشوهات التراثية المتراكمة عبر عقود وقرون طويلة بحكم الانحراف الطبيعي والتاريخي لمسار المفاهيم والتصورات الدينية والثقافية لشعب أو امة من الأمم.

وكذلك لا بد من تخليص هذه البنية من التشوهات المتعمدة من منظومة الاستبداد السياسي والاجتماعي، والتشوهات الحاصلة بنتاج البيئة الاجتماعية ككل، والعمل على تحصين هذه البنية الثقافية والاجتماعية من ألاعيب واستهدافات الاستعمار الخارجي لغاياته المصلحية في السيطرة السياسية والاقتصادية على شعوب وثروات المنطقة.

2- الإنسان نفسه في حاجاته المادية والنفسية والاجتماعية، والعمل على تهيئته بنيويا، باتجاه تحقيق المقدرة الذاتية والموضوعية له القادرة على تلمس طريق الحرية والكرامة وعيشها واقعا في كل مجالات حياته الإنسانية.

3- الأوضاع الأساسية في المجتمع الفلسطيني والعربي بخصوص العلاقات الطبيعية وأولوياتها سواء في العلاقة مع إسرائيل كدولة محتلة أو في علاقات الشعوب العربية فيما بينها، وعلاقتها مع جوارها الإسلامي كإيران وباكستان وغيرهما، والعمل على تصويب هذه العلاقات بحسب منشأها الأساسي.


ويلزم كذلك تصويب العلاقة فيما بين الشعوب في سياق تنوع مكوناتها الثقافية والمذهبية الدينية والاثنية والاقلوية؛ فلا يعقل نزع مظلة الجامع المشترك عنها، ولا يعقل أيضا جعل الاختلافات الثانوية وفي إطار التنوع الحضاري لها مسالة خلاف مصيري ينتج عنها حروب وصراعات خطيرة في مقابل قلب وتحويل الصراع الأساسي مع المشروع الصهيوني أو مع عموم الحالة الكولونيالية الاستعمارية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها، إلى مسالة ثانوية يجري التفاهم بخصوصها، بل الأخطر من ذلك عقد التحالفات معها كمصير مشترك بين أهل الظلم الاستعماري والاستيطاني الخارجي وأهل الاستبداد الداخلي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هغاري: الجيش الإسرائيلي سيواصل العمل من أجل خلق الظروف لاستع


.. الأمم المتحدة ترحب بالهدنة التكتيكية جنوبي غزة| #غرفة_الأخبا




.. الجيش الإسرائيلي يعلن -هدنة تكتيكية- في جنوب قطاع غزة والأمم


.. بكين تفرض قواعد جديدة في -بحر الصين الجنوبي-.. واعتقال كل من




.. المتحدث باسم اليونيسيف يروي تفاصيل استهداف الاحتلال أطفال غز