الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإجرائية وغياب تقرير المصير (الحلقة الأولى)

عماد صلاح الدين

2015 / 6 / 11
حقوق الانسان


الإجرائية وغياب تقرير المصير
(الحلقة الأولى)
عماد صلاح الدين
يتعرض الإنسان كما الجماعات الإنسانية كما الدول وحتى التجمعات والمجموعات السياسية المنظمة الكبرى لانتكاسات وهزائم ناتجة عن مواجهات مباشرية، أو هجوم من طرف ودفاع من طرف آخر، قد يكون الأخير خطط عليه لإيقاعه في بئر أو شرك مؤامرة ما أو تاريخية كيفما اتفق، والتي لا يتقبلها اليوم عقل النقد الاستراتيجي السياسي الحديث.

لكن على أي حال حين نكون أمام انتكاسة أو تأسيس لانهيار أو تراجع ومن ثم احتمالية فقدان الذاتية ومكوناتها الصابة في قيمومة واستمرار مصير إنساني متعين ما، فنحن نكون في واقع الأمر أمام احتمالين بخصوص هذا المتعين الإنساني وهما:

1- إما أن يكون هذا المتعين قد طارحه كثيرا وزمنيا طويلا مكون ركيم الفقر والمرض والجهل، وما ينتج عن ذلك من هياكلية ونمطية تواكلية هذا المتعين الإنساني، الذي كان يعيش واقعية جو ومناخية ماهية المتعين نفسه في الماديات والاجتماعيات، وفي عموم المحتوى الاعرافي والتقاليدي والشكلاني المرجعي، في غياب كل تصور إنساني جامع بمرجعية سامية في الدين والقيم وسليم المجتهد الإنساني الخبراتي. وعلى كل حال تم استهدافه مباشرة أو بالتواطىء المتآمر

2- وإما أن يكون هذا المتعين الإنساني، لم يطارحه بعد أي جليل أدواء فتاكة في الاجتماع والفقر وعموم الأمراض في المجتمعات المتخلفة، ولكنها دواعي التدافعات الإنسانية والتنافسات بين المتعينات الإنسانية من هذا النمط أعلاه، على شكل اصطراعات واستهدافات مباشرة أو غير مباشرة، أيضا بالتمهيد أو التواطىء الإيقاعي في الاشراك.

والسؤال المباشر هنا ما هو دور كل من الإجرائية الإنسانية اليوماتية والاستمرارية الفردية والمجموعية، وكذلك دور حضور التصور العام(الاستراتيجي) أمام احتماليي المتعين الإنساني في حالتي الضعف والانهيار والقوة والتماسك؟؟.

وما هو كذلك دور مسألتي الإيمان المحفز ومساحات الحلولية الجزئية (التهويمات المعقولة) الطبيعية والابتداعية في استحضار الأمل بالخلاص وتقرير المصير من مآل سلبي ناتج عن استهداف سواء كان مباشرا أو غير مباشر لحالتي المتعين الإنساني المشار إليه أعلاه؟؟.

ثم السؤال الخطير والمهم ما دور الهوية قبل ذلك وأثناءه وبعده في مسألة الخلاص وتحقيق المقدرة التكاملية النسبية على تقرير المصير؟؟؟.

إن المجتمعات الإنسانية في متعين ضعفها كواقع محدد، تكون عرضة للاستهداف من الدول والمجتمعات الأخرى، وهي على كل حال قابلة ولديها الاستعداد السلبي للخضوع والانكسار والاستعمار، وهي حين يتم استهدافها، تكون في الأساس تائهة في مساريها التكتيكي والاستراتيجي العام، وهذا بطبيعة الحال ناتج عن اجتماع ودور الأمراض المادية والاجتماعية.

وهي إذ تريد بعث نفسها من جديد، فهي أولا وقبل كل شيء تريد أن تتخلص من أسباب ضعفها وتراجعها وقابليتها للاستهداف والاستعمار، كما ذهب إلى ذلك المرحوم المفكر الجزائري مالك بن نبي، ثم بعد قيام هذه البنية الايجابية تتوفر الإرادة لطرد الاستهداف الخارجي، والقضاء على بنية الاستعداد للاستبداد الداخلي وأمراضه المصاحبة (المستعمر الداخلي).

وهي بهذا تحتاج لمقومات النهضة والصعود، والتي تتمثل في تمثل نموذجها الثقافي والقيمي، والعمل على تخليصه من العوالق والشوائب الخرافية والاساطيرية والتواكلية المبتدعة بشكل سلبي، لان المجتمعات من النسق أعلاه قد تصل فيها مسألة التشوه على صعيد الدين والموروث والثقافة المشكلة لعموم الهوية الوطنية أو القومية أو على مستوى امة بأكملها إلى درجة التشابه، ولكن بدور سلبي وتواكلي ومن ناحية المضمون والجوهر مع الديباجات الحلولية والتهويمية الشاملة(حلولية اثنية ووثنية)، تستخدم في تسويغ مشاريع استعمارية وتوسعية وناهبة لثروات ومقدرات الأمم الأخرى.
بمعنى آخر هو حضور لشكل لتبرير أوضاع استعمارية واستهدافية للآخرين، بينما هي بالنسبة للمجتمعات المستهدفة حضور حقيقي في الحلولية والتهويمية الشاملة. وهي مبرر قبول الخنوع والخضوع والاحتلال، مع تأملية الإرجاء والانتظار بقدوم حل سحري لكل المشاكل والمعضلات.

ومن ثم بعد هذه التنقية أو محاولات التطهير للخزعبلات والتصورات الشكلية لدين مبتدع هو اثني ووثني في حقيقته وجوهره، تأتي محاولات تعميم ونشر البعث الهوياتي القائم على مخزون الثقافة والقيم بمرجعية دينية توحيدية وعاملة على توحيد الناس لا تفريقهم وتشتيتهم، أو لنسمها الثورة الثقافية. ويتزامن مع الثورة الثقافية هذه حالة من حماس الإجرائية العاملة والنشطة في كل مجالات الإنسانية والوطنية في البناء التثقيفي النفسي وصناعة الإنسان في مجالات التربية والتعليم والصحة، وممارسة العمل في الزراعة ومجالات الإنتاج ولو كانت في مردوديتها بسيطة ومتواضعة، ولو صاحب كل ذلك مشقة وعناء وبذل جهود مضاعفة تصل إلى حالة من الاستثنائية القاسية، مع حضور واقع التقشف والتدبير الإنساني بهذا الخصوص.

وهنا في هذا المجال، تبرز الحاجة إلى الدين والإيمان والموروث المجتمعي ضمن خصوصية المجتمع نفسه. وهي حالة تفرض نفسها طبيعيا وتاريخيا؛ حيث أن مؤشر الهدف الاستراتيجي أو الغاية الأساسية بكل مجالاتها وتفاصيلها ومركباتها النهائية، تكون في حالة غموض وضبابية وعدم وضوح.

وتحدث هذه الضبابية والغموض حتى في فاعلية وفعالية المسألة الإجرائية الناشطة يوميا وعلى مدار سنوات العمل والاجتهاد.

ذلك أن المجتمعات الضعيفة والقابلة للاستبداد الداخلي والاستعمار الخارجي، هي في حقيقة الأمر تعيش في حالة تيه وضياع. يبدو انه لا يكفي فقط تنقية وإعادة النظر في مكون الهوية والتراث وما علق به سلبا، ولا يكفي أيضا في الإطار نفسه تحميس وتفعيل الإجرائية وتنشيطها على مستوى الأفراد وعموم الحالة المجتمعية .

وهنا تأتي حاجة المجتمع إلى الإيمانية الدينية والثقافية والتراثية الجامعة، والمشكلة لعموم الهوية.
وفي هذه المسألة أرى ناحيتين لها:

1- أن حالة التعامل الايجابي وبشكل تام مع تشكيلات الهوية الجامعة وضمن مفرداتها الدين والتراث المنقى، مسألة تكاد تكون مستحيلة، وهي بذلك تكون نسبية؛ حيث أنني اعتقد أن الإيمانية الخالصة( أو التوحيد السماوي) بخصوص مجتمعاتنا العربية والإسلامية، هي مسألة اختصاصية وانتقائية لدواعي المنارية والخطوط البارزة والعريضة المرشدة لعموم الناس، بما فيهم صحابة وأتباع وحواريي الأنبياء والرسل، ولذلك فهي مسألة رسلية ونبوية لا تتعدى إلى غيرهم؛ بالتوقيف الإلهي وليس بالتوفيق.

وهنا تأتي حاجة التأملية الذاتية الإنسانية للفرد والمراكمة فيها للتشارك بتأملية المجموع وبشكل تبادلي ومتداخل في الأساس. وهي تأملية على مستوى الفرد والمجتمع تختلط فيها الهواجس والأحلام والخيالات ومكونات شعورية ولا شعورية، يبتدعها الناس ويجتهدون بها وعليها؛ تصبرا واحتمالا، لعل الرؤية بخصوص الأهداف العليا الأساسية لهم تتضح ويبصرون نورها، ومن ثم لتحقيقها واقعا معاشا بعد طول نضال وتصارع وتدافع وعموم بذل جهود مختلفة ومتنوعة.

وهذا الذي أتحدث عنه أعلاه اسميه حلولية جزئية أو تهويمية جزئية، كما تحدث عنها كثيرا ومطولا فلاسفة التاريخ والأديان من مثل الفيلسوف والمفكر الفرنسي الدكتور جوستاف لوبون.

ويبدو أن المجتمعات الإنسانية لا مفر لها من هذه الحلولية الجزئية، لأنها مسألة طبيعية، وهي من باب أصل الرحمة السماوية بالإنسان بسبب محدود قدراته ونسبية إرادته على أي حال. وهي مسالة كذلك كان الأنبياء يدركونها ويعونها في إطار علاقتهم الإيمانية والدعوية والكفاحية مع أصحابهم وأتباعهم عبر تاريخ الرسالات السماوية على الأرض.

ولهذا فإنني أرى أن تجارب العمل الوطني والقومي والمشاريع الكبرى في السياسة والوحدة التي قادها عرب مخلصون في خمسينيات وستينيات القرن العشرين المنصرم، كتجربة جمال عبد الناصر في الوحدة والخلاص من الاستعمار وهيمنته، رغم عظم الجهود التي بذلت في الثقافة والسياسة والعمل في غير مجال قد لاقت فشلا ذريعا سيما عام 1967، بسبب غياب مشروع الأمة على مستوى: 1- التنقية والتطهير المعقول لما شاب مكون الهوية والثقافة والدين من عوالق وتشوهات؛ ذلك لان المحاولة في هذا الجانب كانت حادة وقاسية لدرجة تشكيك الناس لمجمل الهوية والدين والموروث

2- كذلك تم المس وبالتلقائية بمساحة التوليد الذهني والنفسي التأملي والأخلاقي والتصوري لعموم الناس سواء بالطبيعة أو الابتداع فيما يخص خصوصية الدين والثقافة، وحاجة الناس المستمرة لمساحة تهويم وحلولية جزئية في الطريق ما بين الإيمان الحقيقي القائم على التوحيد وواقع الحياة وتعقيداتها، حتى هذه المساحة الجزئية، نظر إليها على أنها جزء من التخلف والرجعية، هذا على رغم النشاط الإجرائي اليومي والمستمر منذ ثورة يوليو تموز 1953 وحتى حرب يونيو حزيران عام 1967.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هغاري: الجيش الإسرائيلي سيواصل العمل من أجل خلق الظروف لاستع


.. الأمم المتحدة ترحب بالهدنة التكتيكية جنوبي غزة| #غرفة_الأخبا




.. الجيش الإسرائيلي يعلن -هدنة تكتيكية- في جنوب قطاع غزة والأمم


.. بكين تفرض قواعد جديدة في -بحر الصين الجنوبي-.. واعتقال كل من




.. المتحدث باسم اليونيسيف يروي تفاصيل استهداف الاحتلال أطفال غز