الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عيوب الماضي مناقضة لمفاهيم الحاضر

إيمان أحمد ونوس

2015 / 6 / 12
مواضيع وابحاث سياسية






العيب، مفهوم أو مصطلح تتعامل معه المجتمعات الإنسانية كلٌ حسب قيمها وأعرافها وتقاليدها المختلفة. رغم أن العيب في مجتمع ما قد لا يكون كذلك بالنسبة لمجتمع آخر.
إلاَ أن العيب في مجتمعاتنا الشرقية- العربية يتخذ منحىً غالباً ما يكون محصوراً فقط بالأنثى دون الذكر. وهو ما تعززه التربية الأسرية- الدينية بكل أبعادهما، من خلال أن كل ما ليس محرماً على الفتاة، هو خاضع لمفهوم العيب، وهكذا تبقى الفتاة معتقلة أبداً ضمن شرنقة الممنوعات من المحرمات، وهالة العيب فيما هو متاح لها.
والأمثلة في الواقع أكثر من أن تُحصى، فمثلاً، مسموح للفتاة بالضحك، ولكن من العيب أن يعلو صوتها أو تقوم بضحكات غير متزنة من منظور الأهل والمجتمع، بينما لا يُحاسب الشاب على أيَ شيء من هذا القبيل. أيضاً مسألة تدخين الفتاة، هي مسألة تقع بين مدٍ وجزر في المجتمع وفقاً لعادات كل بيئة، فحين نجدها عادية عند البعض، تكون محرّمة لدى بيئات أخرى. لكنها بالمجمل تقع ضمن إطار العيب الاجتماعي الذي لا يحبّذ منظر فتاة تدخن، لاسيما في الشارع أو في الأماكن العامة، حتى في تلك البيئات التي لا تمنعه، بينما هو حق للشاب، لاسيما أنه في أحيانٍ كثيرة من مظاهر الرجولة الأساسية وفق المنظور التقليدي الذكوري، وبديهياً لا مجال لمناقشته في كل البيئات.
وهناك قضايا أعمق بكثير من هذه يشملها مفهوم العيب، كأن تعترف الفتاة بحبها لشاب ما.. فإن هذه من الكبائر حتى لدى الفتاة ذاتها- أجري استطلاع في وسط طلاب الجامعة بهذا الشأن- فأعربت خلاله العديد من الفتيات عن رأيهن بهذا الموضوع على أنه عيب، ولا يمكن أن تعترف هؤلاء الفتيات بمشاعرهن حتى لو متنَ عشقاً... إنه موروث عمره عمر المجتمع وقيمه السائدة.
إلاَ أن ما نلحظه اليوم، أن هذه المفاهيم قد تخلخلت بحكم التطورات التي طالت القيم والأعراف ومفاهيمهما في ظل سيادة الحداثة والعولمة ووسائل الاتصال المتعددة بفضائياتها اللامتناهية، والانترنيت وملحقاته.
فمثلاً، حتى منتصف أو أواخر القرن الماضي، كانت مهنة الغناء عيباً يطول الشاب والفتاة معاً، لكن فيما بعد أصبح شبه عادي للشاب، وبقي معيباً بالنسبة للفتاة. أما اليوم فنرى كيف يُشجع بعض الآباء بناتهم على المشاركة في البرامج المختصة بانتقاء الأصوات وسواها من البرامج المشابهة، كالتمثيل مثلاً.
أيضاً، وبالعودة إلى مسألة التدخين للفتاة في الشارع أو الأماكن العامة وغيرها، نجد أنها قد خضعت لتلك التأثيرات، فبتنا نراها منتشرة في المجتمع كالأرجيلة أيضاً رغم استمرار التحفّظ الشديد لدى البعض.
حتى موضوع اعتراف الفتاة بمشاعرها للشاب، مع أنه وكما أعربت بعض الفتيات في الاستطلاع المذكور يعتبر عيباً بالنسبة للفتاة، إلاَ أنه لم يعد كذلك لعدد غير قليل منهن تحت مسمى الحرية والحق الشخصي، أو الصدق مع الذات والمشاعر، ويندرج في هذا الإطار مسألة التحرش اللفظي التي كانت محصورة بالشباب تجاه الفتيات، إلاَ أننا نرى اليوم ويُروى لنا عن فتيات يقمن ببساطة بهذا الفعل ومن أعمار وشرائح متعددة..!!!
أما في مجال العمل، فقد كانت هناك عيوب تكبّل الفتاة لممارستها سابقاً مهنة التمريض أو السكرتيرة، أو النادلة في مطعم أو مقهى. أمّا اليوم، فقد انعتق امتهان الفتاة لتلك الأعمال من منظار العيب الاجتماعي الذي كان سائداً.
فكيف تبدّلت النظرة والمفهوم ذاته بين الماضي والحاضر..؟ وما الأسباب وراء هذا التغيير..؟؟!!
باعتقادي، تأتي في مقدمة الأسباب وكما أسلفنا:
1- تبدّل نظرة المجتمع إلى الفتاة التي تبدّلت أوضاعها وأدوارها أيضاً، بسبب خروجها للتعليم والعمل، ومساهمتها في بعض الأمور الهامة للمجتمع، كالتمريض الذي مارسته بعض النساء أثناء الثورة ضد الاحتلال الفرنسي مثلاً.
2- التغيّرات الطارئة على قيم ومفاهيم المجتمع، لاسيما مع انتشار الفضائيات، ودخول معظم الأفراد ومن أجيال مختلفة عالم الانترنيت، وبالتالي الاطلاع على حياة الشعوب الأخرى والتأثّر بها.
3- تأثير الوضع الاقتصادي على المجتمعات عموماً، بما يفرض من مفاهيم وقيم تتوافق وقوانين اقتصاد السوق في عالمنا المعاصر، إضافة إلى الوضع المعاشي المتدهور بحكم قوانين هذا الاقتصاد، وما يتبعه من فقر وبطالة فرضت على الإنسان مفاهيم وقيم جديدة دفعته للقيام بأي عمل، وحتى من قبل الفتاة في الأسرة، كي تساعد في تأمين متطلبات العيش ولو بالحدود الدنيا( العمل بالإعلانات، السكرتارية، التمثيل والغناء، النادلة وما إلى ذلك..) طالما بقي هذا العمل ضمن إطار قيم ومفاهيم الكرامة الإنسانية سواء للفتاة أو الشاب.
4- رغبة الشباب العارمة( من الجنسين) بالشهرة والنجومية السهلة على كافة المستويات، دون الوقوف عند رأي الأهل، خصوصاً في محيط الطلبة الدارسين في المدن الكبيرة.
5- استسهال الشباب للأعمال ذات المردود المادي المعقول، والابتعاد عن ممارسة أعمال تتطلب جهداً فكرياً أو عضلياً- إن وجدت- لتلبية احتياجات الدراسة والمعيشة.
من هنا، نجد أن مفهوم العيّب ما بين الأمس واليوم قد تبدّل في المجتمع، فما كان عيباً في الماضي، بات اليوم مقبولاً، بل ومرغوباً أو مطلوباً حتى من قبل المحافظين على القيم والتقاليد والتراث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية باريس 2024: إشكالية مراقبة الجماهير عن طر


.. عواصف في فرنسا : ما هي ظاهرة -سوبرسيل- التي أغلقت مطارات و أ




.. غزة: هل بدأت احتجاجات الطلاب بالجامعات الأمريكية تخرج عن مسا


.. الفيضانات تدمر طرقا وجسورا وتقتل ما لا يقل عن 188 شخصا في كي




.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويوقع المزيد من القتلى و