الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا توجد كائنات عاقلة في الفضاء الخارجي

سمير طاهر

2015 / 6 / 13
الطب , والعلوم


في إعتقادي المتواضع، إننا - على الأغلب - وحيدون في هذا الكون، أي أن الأرض هي الكوكب الوحيد المسكون بكائنات عاقلة.
في اعتقادي أيضاً إنه إذا ما أصابت هذا الكوكب كارثة قضت على الحياة فيه فان من بين الاحتمالات هو أن يظل هذا الكون امتداداً خالياً تماماً من أي "وعي". وربما يكون هذا الاحتمال هو أقوى الدوافع وراء جهود الدول في مجال الفضاء: فالبحث عن كواكب شبيهة بالأرض هو – في هدفه النهائي – بحث عن كوكب بديل لحفظ الحضارة الانسانية في حالة انتفاء إمكانية العيش على الأرض، وذلك لمواصلة الحضارة في كوكب آخر؛ وبذلك تكون رسالة سكان الأرض هي إنقاذ "الوعي" لكي يظل نابضاً في الكون حتى وإن كان قدره أن يظل متنقلاً بين الكواكب هرباً من النيازك والأشعّات والكوارث.
إن توجيه علوم الفضاء نحو البحث عن كائنات عاقلة في الفضاء الخارجي، فيه – بلا شك – جزء معرفي بحت، ولكن فيه أيضاً جزء روحي كبير: إنه إحساس الانسان بالغربة وسط كون هائل الاتساع، وبحثه عن أمان مستقبلي. كلما زادت معلوماتنا عن مدى اتساع الكون كلما زاد ثقل إحساسنا بالغربة وسطه، وزاد بالتالي تعطشنا للبحث فيه عن "رفيق" كونيّ نحس معه بالاطمئنان والدعم إزاء كوارث الكون المجهولة. لكن في سياق البحث عن كواكب مأهولة، أكاد ألمح اليأس يلوح بين سطور "آمال" العلماء العلنية. تعتمد آمال العلماء على حقيقة الأعداد المهولة للمجرات (تقدر بمائة مليار مجرة)، والتي تحتوي بدورها أعداداً من الكواكب أكثر تهويلاً. فهذه الكثرة العددية تقرّب – حسب زعمهم - من احتمال "مصادفة" وجود كوكب يشبه الأرض تسكنه مخلوقات عاقلة. يقول ستيفن هوكنغ: "بالنسبة لعقلي الرياضي فإن الأعداد وحدها تجعل التفكير في وجود مخلوقات فضائية تفكيراً عقلانياً تماماً". إن احتمالية وجود كواكب تتوفر فيها بيئة فيزيائية مشابهة لبيئة الأرض هي احتمالية معقولة، وحجة العلماء العدَدية تسمح بالأمل في تحقق هذا الاحتمال، ولكن مهما بلغ التماثل بين كوكبٍ ما وبين الأرض فهذا لا يعني حتمية وجود حياة في ذلك الكوكب، وذلك بسبب فرادة العناصر والخصائص والظروف التي ساعدت جميعاً على تكوّن الحياة العاقلة هنا.
تكوّنت "الحياة" في كوكبنا نتيجة تفاعل بين منظومة كيميائية دقيقة وبيئة فيزيائية معينة تحيط بتلك المنظومة: فتفاعل هذين العاملين هو الذي ساعد على تطوير الحالة الكيميائية الى حالة بيولوجية. فمن ناحية البيئة الفيزيائية فقد تكونت بفضل كثير من "المصادفات" الفيزيائية البالغة الدقة: كالمسافة الدقيقة بين الشمس والأرض التي لو كانت أقل قليلاً أو أكثر قليلاً لما وجدت حياة، ومكونات الغلاف الجوي لكوكبنا والتي لو كانت نسب الغازات فيه مختلفة - ولو قليلاً - لما وجدت حياة، ومقدار الجاذبية الذي لو زاد أو نقص لما أمكن العيش، ووجود طبقة الأوزون الحامية... وإلخ. ومن ناحية المنظومة الكيميائية، فان كثيراً من "المصادفات" الكيميائية والبيولوجية البالغة الدقة كانت قد جَمّعت العناصر الى بعضها في نسب دقيقة مما أدى الى نشوء الحياة ومن ثم الانسان، ومن هذه "المصادفات": طفرات النشوء الأولى، وطفرات الارتقاء الكثيرة التي نقلت الكائنات البدائية من درجة الى أخرى ومن خصائص الى أخرى، ومسيرة تطور الدماغ. (وضعت "المصادفات" بين حاصرتين لأننا نطلق عليها اليوم: القوانين).
بعد نشوء "الحياة"، استمر تفاعل هذين النوعين من المصادفات/القوانين ليؤدي، في النهاية، الى ظهور الحياة العاقلة. إن التأمل في هذه السيرورة الفيزيائية – الكيميائية - البيولوجية يصل بنا الى استنتاج قوي بأن العثور على شيء مماثل في كوكب آخر هو أمر أقرب الى المستحيل ومهما بلغت كثرة الكواكب.
لو تم العثور ذات يوم على أشكال من الحياة في كوكب آخر فستكون أشكالاً لم تخطر في تصوراتنا، وذلك لأنها نتاج بيئات وعناصر مختلفة عن بيئة كوكبنا وعناصره. ستكون، مثلاً، أشكالاً تعيش بطريقة مختلفة غير تنفُّس الأوكسجين الحر، فهذا الغاز الوفير في كوكبنا نادر في الفضاء الخارجي. وسيعني هذا أن تلك الأشكال الحية تختلف عنا في كل شيء، فقد لا تكون كائنات آكلة، ولا متنفسة، وقد لا تكون عاقلة. ستكون – ببساطة – نتاج التفاعلات الكيميائية والبيئة الفيزيائية في كوكبها. وبهذه الصفات يمكن أن يصبح ذلك الكوكب مستعمرة الانسان الجديدة التي يحفظ فيها نوعه وحضارته، حيث سيتحكم بذلك الكوكب وبكائناته. ما أرمي إليه هو إن احتواء الفضاء على كائنات بذكاء الانسان أو أذكى منه هو فرضية أكبر بكثير من أفقي البشري المتواضع، وبالتالي فإما إنها لا وجود لها وإما إنها موجودة تحت قوانين تختلف عن كل ما نعرفه من فيزياء وعلوم وحتى من خيال.
ان احتمال وجود كائنات عاقلة في الفضاء البعيد سيكون واحداً من افتراضين:
- أن تكون تلك الكائنات "أقرباء" لنا بشكل أو بآخر. فأعجوبة الدماغ البشري يستحيل أن تتكرر في كوكبين بمحض الصدفة ومن غير فاعل! كما يستحيل أنّ منظومة الكائن العضوي وخصائصها الدقيقة (كالنظام الثنائي مثلاً – أي أن الكائن له عينان، منخران، أذنان... إلخ - ؛ والتكامل المذهل بين الحاجات والأعضاء؛ وآليات العمل التلقائية في الجسم؛ ومقاومة الجسم الذاتية... وإلخ) توجد نسخة منها في كوكب آخر! إن قصص وأفلام الخيال العلمي (وحتى فرضيات بعض العلماء) لا تفسر لنا كيف ولماذا سيكون على سكان الكواكب البعيدة عنا أن يحملوا نفس خصائصنا الجسدية! لو وجدت مخلوقات تشبهنا في كوكب آخر فسيكون التفسير الوحيد المعقول لذلك هو أنّ لهم قرابة بنا بشكل من الأشكال، أي أن يكونوا هم من جاؤا بنا الى هذا الكوكب (فليس وارداً – طبعاً – افتراض العكس). وهذه الفرضية كان يمكن تسويقها في عصر ما قبل علم البيولوجيا، حيث إن سجلات هذا العلم تروي بالتفصيل تأريخاً بيولوجياً واضحاً للكائنات الحية وتطورها عبر ملايين السنين حتى ظهور الانسان العاقل، فلم "يُبْذَر" الانسان في هذه الأرض ذات صباح وإنما كل شيء وجد عبر تفاعل العناصر الدقيقة وتطور الأنواع. وبالتالي فان افتراض بذْر الكائن البشري في هذا الكوكب من قبل أناس أو عقلٍ ما هو افتراض غير علمي.
- أن يكون هناك، في مكان ما في الكون، نوع من العقل مختلف عن العقل البشري، لكائن مختلف عن الانسان اختلافاً كلياً. وهذه هي فرضية ستيفن هوكينغ. مشكلتي مع هذه الفرضية هي إنني لا أقدر أن أتصور مفهوماً آخر "للكائنات العاقلة" غير أنها تمتلك قدرة "الادراك" بمفهومه الذي نعرف، أي أنها تمتلك عقلاً مثل العقل البشري: مادةً مفكرة. فاذا كان مستحيلاً – في اعتقادي – أن توجد في كوكب آخر نسخة ثانية من عقلنا أو من جسدنا فأنا – بالتالي - عاجز عن تصور آلة أخرى للتفكير غير "مادتنا المفكرة" هذه، وعن تصور كيفيةٍ لها وما إذا كانت لها سيرورةُ تطورٍ أم انها "وجدت هكذا" ... وإلخ
إن التسليم بأننا - على الأغلب - وحيدون في هذا الكون هو من الإيلام بحيث أن جماهير من العلماء حول العالم يشاركون في إنكاره يومياً بلا كلل. لكن إذا كان هذا الاعتقاد مؤلماً فان التساؤل التالي مرعب الى أقصى حد لمن يدركه: ماذا لو إن كوكب الأرض هو الفرصة الوحيدة للحياة العاقلة؟ فلو حصل أن اختفت الحياة من كوكب الأرض لسبب من الأسباب المعقولة (نيزك ضخم، أشعة فضاء قاتلة، أحداث في شمسنا...) قبل أن يلحق البشر بالعثور على كوكب بديل يواصلون فيه حضارتنا، فهل يمكن أنّ المصادفات/القوانين الفيزيائية والكيميائية التي أوجدت الحياة هنا، لن يتكرر حدوثها في كوكب آخر، وبالتالي يستمر الكون بلا حياة عاقلة الى ما بعد الأبد، الى ما لا نهاية...؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. إخلاء سبيل عصام صاصا بكفالة 30 ألف جنيه وعرضه على الط


.. النائبة عناية عز الدين للحرة: طلبنا من مقدمي خدمات الإنترنت




.. عاجل .. عرض عصام صاصا على -الطب الشرعي-.. وكواليس جديدة حول


.. الصحة تكثف الخدمات الطبية والتوعوية بالحدائق والمتنزهات بجمي




.. نشرة الرابعة | محمد عبده.. يعلن إصابته بالسرطان ويطمئن محبيه