الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هواجس روائيّة

ميثم محمد الحلو

2015 / 6 / 14
الادب والفن


- كتابة الرواية تجربة صوفيّة مقلوبة.. تُتبادلُ فيها الأدوار.. يحاول فيها الإلهُ وهو (الراوي العليم) هنا.. البحث عن حقيقة ويبتدأ رحلته من الأعلى نزولاً.. فهو المراقب للأحداث وصانعها في المقام الأول.. لكنّه لا يكتفي بذلك بل يحاول مقاربة شخصيّاته.. يمارس الحلول فيها من خلال إسقاطاته الذاتيّة التي لن تفلح إلا بمغادرة مقام الإلوهية المتعالي ومحاولة التجسّد فيها. يفترض الجميع أنّ ممارسة الإلوهيّة يسيرة كيف لا وأنت مبسوط اليد في خلق الشخصيّات وصفاتها زمانها ومكانها.. ورسم الأحداث لها.. ليس عليك أن تنتهز فرصة ما فأنت تخلق ما تشاء من الفرص. لا تنتظر الوقت المناسب والمكان المناسب فكلّ الزمان والمكان ملكك.. مع ذلك تبقى المعقوليّة في القصة والحقيقة المفترضة تحكم الراوي العليم حتى في أقصى الروايات الخيالية جموحاً.. هنا ينزل الراوي من عليائه ويتنازل عن مطلقيّة إمكانياته فيحدّها بحدودٍ تسوّر الفوضى.. أو قد يتنازل عن حقّه في الرواية عن الجميع فيسمح للشخصيّات أن تروي القصّة فتكون روايةً متعدّدة الأصوات.. تبقى هذه المحاولة الشائكة للوصول الى حقيقة أو ما هو أقرب شَيْءٍ للحقيقة محكومة بالخذلان. محاولة التصوّف المعكوس تنتهي كما في التصوّف العادي بعد الإفاقة من الهلاوس وتوهّم الحلول والتوحّد بخيبة أمل.. فليست هناك حقيقة.. لم تكن يوماً ولن تكون.. لكن سينتج من هذه الرحلة (كتابة الرواية) في النهاية إنتاج لمعنى.. أو مجموعة قراءات لمعنى.. أو ربما معانٍ.. وأحياناً فقط أحياناً ستكون رواية رائعة.

- عند كتابة الرواية نظنّ دائماً أننا نفهمُ الآخرين.. ربما لأنّ عجرفتنا توحي لنا أنّ إسقاطاتنا على الآخرين حقيقةٌ لا يرقى إليها الشك.. أحياناً نقترب من الشخصيّات لنقنع أنفسنا أننا سنعرفها أكثر.. وفي أحيانٍ أخرى نقترب أكثر فنتقمّصها ونعايش ظروفها فنظنّ أننا أدركنا حقيقتها. في كلّ مرّة نحن نغفل عن حقيقة أنّ الإنسان كائنٌ متفرّد لا تدرك حقيقته.. كلّ ما يمكننا هو مقاربة حواسّنا المزوّرة وإدراكنا الخادع لحقيقته.. تؤمن الفلسفة منذ (عمانوئيل كانت) وما تلاه أنّ حقائق الأشياء عموماً لا تدرك.. فكيف بالإنسان الذي يحتفل بالفردانية؟!
تبقى الرواية محاولة اقتراب من الآخرين بصبغة الكاتب وبصمته.. هي في الآخر رؤيته هو وأفكاره هو وأحلامه هو وهواجسه هو.. لكنه يسوّقها للآخرين من خلال قصّة يحاول أن يجعل في مقاربته لشخوصها ما يشبه مقاربة الآخرين بالقدر الذي يجعلها معقولة لديهم وممكنة.

- في الحياة الواقعية لن تجد خريطة تدلك على كنزٍ مدفونٍ منذ عقود أو قرون.. وإذا وجدت هكذا خريطة وتتبعت الخطوات بدقة فلن تجد مكاناً على الأرض مرسوماً عليه حرف (x) للإشارة الى مكان الكنز.. وإذا وجدت مثل هذه العلامة وقررت أن تحفر حتى تصل الى الكنز تأكّد أن تحفر حتى تخرج من الجهة الأخرى للكرة الأرضية.. لأنّه وببساطة لا يوجد كنزٌ هناك.. وإذا حصل ووجدت الكنز وتملكتك رغبةٌ قاهرةٌ بالقفز فرحاً.. حاول أن تقمع هذه الرغبة لأنّك قبل قليلٍ وبدوافع أنانية صرف شطرت الكرة الأرضية الى فصّين.. حاول أن تبكي قليلاً ثم تكتب هذا العالم الذي يكاد أن يتداعى من أجلك.
في الرواية فقط يمكنك أن تكتب عن خريطةٍ غير موجودة دلّتك بغرابةٍ الى طريقٍ غير موجودةٍ وأوصلتك الى علامةٍ غير موجودةٍ هي الأخرى.. فحفرت من هناك بحثاً عن كنزٍ غير موجود.. لا يكمن المغزى في النهاية فقط.. أحياناً الرحلة نفسها مغزى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كواليس العمل مع -يحيى الفخراني- لأول مرة.. الفنانة جمانة مرا


.. -لقطة من فيلمه-.. مهرجان كان السينمائي يكرم المخرج أكيرا كور




.. كواليس عملها مع يحيى الفخراني.. -صباح العربية- يلتقي بالفنان


.. -بين المسرح والسياسة- عنوان الحلقة الجديدة من #عشرين_30... ل




.. الرباط تستضيف مهرجان موسيقى الجاز بمشاركة فنانين عالميين