الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كُتّاب بريطانيون يعيشون على حافة الفقر

عدنان حسين أحمد

2015 / 6 / 15
الادب والفن


قد تبدو الكتابة مهنة "عادية" مثل بقية المهن التي تحتاج في الأقل إلى وقت وجهد، لكن الكتابة الإبداعية تحتاج إلى إطالةالتأمل، وإِعمال الذهن. إنها باختصار مهنة غير تقليدية يحتاج صاحبها إلى خيال خصبٍ متوهج يُلهِم القارئ بالرؤى الجديدة، والأفكار الخلاقة التي لم يجترحها أحدٌ من قبلْ.
ربما لم يخطر في البال أن غالبية الكُتّاب البريطانيين المعاصرين يعيشون عيش الكفاف فقد أظهرت دراسة بريطانية أعدّتها جامعة "كوين ماري" بناء على طلب من اتحاد رخص الكُتاب بلندن أن متوسط دخل الكاتب البريطاني الذي لا يمتهن عملاً آخر غير الكتابة هو حوالي 11 ألف جنيه إسترليني في السنة، وهذا دخل متواضع بكل المقاييس يدفعنا إلى التساؤل عن سبب تشبث الكاتب البريطاني بمهنته الإبداعية التي أوقفته عند الحدود الناتئة للفقر المدقع بحسب توصيف البعض منهم؟
نحن لسنا في وارد الحديث عن الكُتّاب والمبدعين البريطانيين الذين حققت كتبهم مبيعات فلكية كما هو الحال مع ج. ك. رولينغ، مُبدعة سلسلة "هاري بوتر" التي بلغت ثروتها 570 مليون جنيه إسترليني، أو بعض الروائيين البريطانيين الذين رحلوا عن عالمنا لكن رواياتهم لما تزل تعيش بيننا ككتب أو أفلام مقتبسة عن هذه الكتب العظيمة مثل "قصة مدينتين" لتشارلز التي بيع منها أكثر من مليوني نسخة، أو "سيد الخواتم" التي وصلت مبيعاتها إلى 150 مليون نسخة، أو رواية "ثم لم يبقَ منهم أحد" لأغاثا كريستي التي تجاوزت مبيعاتها المليار نسخة، وتُرجمت إلى أكثر من مئة لغة!
نحن نتحدث هنا عن كُتاب معروفين أمثال Mal Peet، الروائي المتخصص بأدب الأطفال واليافعين، والحائز على جوائز وأوسمة مهمة مثل ميدالية كارنغي، وجائزة الغارديان، وجائزة أدب الأطفال لكن عائداته من كل رواياته في النصف الثاني من عام 2013 كانت 3.000 جنيه إسترليني لا غير فلاغرابة أن يضم نفسه إلى قائمة الروائيين الذين يعانون من "الفقر المدقع".
قد تُوحي الكتابة بأنها مهنة جيدة تدرّ أرباحاً معقولة حينما ترى القرّاء يصطفون بالدور لساعات من أجل أن يقتنوا كتاباً توقِّعه الكاتبة البريطانية كيتلن موران التي أسست شهرتها الأدبية على كتب من طراز "يوميات نارمو" أو "كيف تكوني امرأة؟"، بل أن طوابير القرّاء قد تصطف أمام الروائية نادين دوريس، صاحبة "الشوارع الأربعة" التي عدّها الكثير من النقاد بأنها أسوأ رواية ظهرت في بريطانيا خلال العشر سنوات الأخيرة. وعلى الرغم من مظاهر الأجواء الصحية لاقتناء الكتب الأدبية إلاّ أن معاناة الكُتاب يمكن تلّمسها في شكاواهم المتواصلة من قلة العائدات المادية، و ضيق المساحة المخصصة للمراجعات النقدية في الصحف والمجلات، وإغلاق أكشاك بيع الكتب، ونشر الكتب الإليكترونية بأسعار رخيصة، أو مجانية في كثير من الأحيان.
ترى الروائية البريطانية جوان هاريس، المولودة في فرنسا أن الكتابة الأدبية هي "ليست فوزاً بجائزة اليانصيب، وإنما هي مهنة حقيقية يقوم بها أناس حقيقيون" ولا تختلف مشاكلهم عن الناس الآخرين الذين نصادفهم كل يوم.
لا يجد البعض من الأدباء ضيراً في أن يعتمد على السُلف التي تمنحها لهم دور النشر كما هو الحال مع كاتبة الأدب الظريف "جيني كولغان" التي أخذت سلفة كبيرة عن روايتها الأولى "زفاف آماندا"، كما حظيت الروائية البريطانية من أصول جمايكية زادي سميث على ربع مليون جنيه إسترليني عن روايتها "أسنان بيضاء" لترسّخ وضعها المالي
. يتفق الروائي مارتن أيمس الذي يقترن اسمه بروايتي "المال" و "حقول لندن" مع فكرة السُلَف التي تؤمّنها دور النشر على أن تُسترَد من مبيعات الكتب بشكل مريح في السنوات اللاحقة.
تشعر سوزان هيل بالأسى الممض فهي التي رفدت المشهد الثقافي البريطاني بروايات مهمة مثل "المرأة ذات الملابس السوداء" التي اندرجت ضمن قائمة الكتب الأكثر مبيعاً، وتمّ تحويلها إلى فيلم سينمائي ناجح جداً بلغت أرباحه أكثر من مئة مليون جنيه إسترليني بينما لا تزال المؤلفة تعاني من مصاعب مادية!
يحاول البعض من الأدباء أن يقدّم آراءً توفيقية كما فعل الكاتب والإعلامي داميان بار الذي قال :"ليس عيباً أن يمتهن الإنسان مهنة أخرى: كورت فونيغيت عمل في بيع السيارات كما عملت هاربر لي مندوبة سفر. لكن، نعم، يربكني ويحزنني بأن أسوأ لاعب كرة قدم يُدفع له أكثر مما يُدفع لأفضل روائيينا".
الروائي الأميركي لورنس بلوك يتناول أفضل الوجبات حينما تزدحم محفظته بالنقود لكنه يكتفي بتناول الرز في المنزل حينما يهاجمه الإفلاس.
وعوداً على بدء فقد أظهر ت الدراسة نفسها التي شملت 2500 كاتب بريطاني أن نسبة الكُتاب الذي لا يعملون بغير الكتابة قد انخفضت إلى 11.5 في المئة بعد أن كانت 40 في المئة عام 2005. وأن هذا الانخفاض المروّع سواء في نسبة الكُتاب المتفرغين أو في متوسط دخلهم السنوي "يمكن أن تكون له تداعيات خطيرة على النجاح الاقتصادي للصناعات الإبداعية في بريطانيا" كما ذهب رئيس الاتحاد أون أتكنسون. وفي الختام لابد من الإشارة إلى أن الكُتاب البريطانيين يعلِّقون آمالاً كبيرة في زيادة دخولهم السنوية على النشر الإليكتروني الذي يُعد مصدراً جديداً للدخل الذي يأتي من الصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد شاكر: كنت مديرا للمسرح القومى فكانت النتيجة .. إ


.. حب الفنان الفلسطيني كامل الباشا للسينما المصرية.. ورأيه في أ




.. فنان بولندي يتضامن مع فلسطين من أمام أحد معسكرات الاعتقال ال


.. عندما يلتقي الإبداع بالذكاء الاصطناعي: لوحات فنية تبهر الأنظ




.. إسرائـ.يل سجنتني سنتين??.. قصة صعبة للفنان الفلسطيني كامل ال