الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رمضان العراقيين.. هلال بلون الدمّ

سعد الشديدي

2005 / 10 / 6
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


رمضان هذا العام لا يختلفُ كثيراً عنه في الأعوام السابقة.
هو شهر الخير والبركة، أو هكذا أخبرونا. فصدقّناهم. ومازلنا نعتقد حتى بعد أن كبرت بنا السنين أنّ هذا الشهر هو رمز لتواصل الأرض مع السماء. اليوميّ مع اللاعاديّ. المعروف مع المجهول والمحدود مع المطلق. رمزٌ لتواصل الأنسان الفاني مع الأزلي.
ففيه نزل الوحيّ على نبي الأميين ومعه كلمات ربّه.
أول الكلمات كانت دعوةٌ للعلم وتجاوز حدود المعرفة المألوفة.. إقرأ. ومن مِنا لا يعرف بقية ماحدث؟ رجلٌ خرج بمفرده ليواجهَ عالماً كاملاً. وليغيّر مسيرة التاريخ بعد ذلك. لهذا السبب كان رمضان ومازال شكلاً من أشكال العودة الى النبع الأول، بل الى نقطة الغيث الأولى التي أخترقت رمال الصحراء العربية لتضعها على خارطة العالم بعد قرون من العزلة والسلبية القاتلة.
واحتفالنا، نحن المسلمين، بهذا الشهر له دلالة تتجاوز قيمته الروحية كونهُ نقطةَ البدايةِ الأولى لمشروعٍ حضاريّ نجح وبشكلٍ باهر رغمّ تضافر جميع الظروف والعوامل ضّده. ولن أناقش تلك الظروف ولا التحديات التي واجهت ذلك المشروع الحضاري الذي لم تشهد منطقتنا مثيلاً له منذ انطلاقه قبل اربعة عشر قرناً. ولن أعرّج كذلك على الاخفاقات، تلك التي أصابته في الصميم، ولا على محاولات تغيير مساره وتحويله من رسالة عالميةٍ تدعو الى الخير والتقدم والإخاء، الى حركة تدعو الى العودة الى وراء، الى عهود الظلام والأستبداد والتخلف. ناهيك عن تحويله الى فكرٍ دمويّ ارهابيّ انعزاليّ يقف ضدّ كل محاولات الأنطلاق الى ألآفاق الرحبة التي لم يصلها الأنسان من قبل.
هذا العام يأتي رمضانٌ لم يشهد العراقيون مثله حتى في أكثر العصور ظُلمةً أيام هولاكو وتيمورلنك ودول الخروف الأسود والأبيض والبنفسجي وحثالات المماليك وانكشارية سليمان القانوني وسلاطين السلاجقة والبويهيين والصفويين وبني عثمان. رمضان، هذا العام، يقرع ابوابنا مع أزيز الرصاص ودويّ انفجار السيارات المفخخة. وسادات الحرب وامراءها يرتدون البزّات العسكرية مؤيدين بتجار السياسة ومافيا المحروقات مسبّحين بحمد إله البورصة وسوق الأسهم.

اردناك يا رمضان رمزاً لتقاربنا.. صيحةً بوجه الغرباء القادمين من وراء البحر ووراء الحدود.. هلالاً يحتضن شمسَ الأكاديين تماماً كمسّلةِ اورنمو المصنوعة من صلصال الأهوار والدماء الطاهرةِ المنبثقةِ من أرحام العراقياتِ اللواتي استباحهن الغزاة ساعة سقوط أورالناصرية.. وبغداد النائمةِ على ساعد النهر العاشق.
كانت دعواتنا أن تكون، انتَ، كلمةً توحدّنا ولو لمرّة واحدة. فإذا بك تنقلبُ علينا.
ديوان الوقف السنّي أعلنّ انك جئت يوم الثلاثاء..
أما الشيعة فلم يروكَ بعد.
ترى ما رأي الأكراد؟؟
سُنة العراق صاموا يوم الثلاثاء. الشيعة والأكراد.. هل تحالفوا من جديد على رؤية هلال رمضان كما فعلوا في الأنتخابات؟؟
ربما سيصّرح الدكتور الجعفري برؤية هلال الشهر فيعترض فخامة رئيس الجمهورية لأن رئيس الوزراء تجاوز صلاحياته المنصوص عليها. المنصوص عليها اين؟؟ لا أحد يعرف.
أردناك نجمةً نستّدل بها في هذه العتمة الحالكة ايها الشهر الفضيل.. فإذا بهم يجعلوك ،مثل كلّ عام، حدّاً فاصلاً بين السنيّ والشيعيّ. بين الكاظمية والأعظمية.. بين بلد وتلك القرى التي تحيط بها.. بين العراق والعراق.
وقريباً قد نرى رمضان السُنة.. والشيعةِ.. ورمضان الأكراد.
لم لا وقيادات الأحزاب والطوائف والقوميات تستعرض عضلاتها احداها بوجه الآخرى.
لقد أصبح الوطن ضحيتهم الأولى. فما المانع أن تكون يا رمضان ضحيتهم الثانية؟

صوت ابوطبيلة يموت مع كل انفجار سيارةٍ مفخخة، وأصواتنا تختفي وراء ضجيج هتاف ِالمليشيات المسلّحة وسفّاحي الزمن الجديد وحواسم الطوائف المتصارعة.
فمن يقول للرصاص أن يتوقفَ للحظةً قصيرة ريثما يتناول الصائم إفطاره؟ ومن يخبر القنابل المنفجرة بوجه أطفال العراق أن في بيوتنا من ينتظرالأطفالَ كل مساءٍ ليدقوا ابوابنا وينشدوا لنا الماجينة.
ماجينا يا ماجينا.. حللّي الكيس وانطينا...
ماذا سنعطيهم؟ رصاصةً في الصدغ؟؟ أم سيارة مفخخة يتعالى صوت انفجارها مع آذان الغروب؟؟ ثمّة ابواب لا يريد احدٌ فتحها فخلفها يقف الموت بإنتظار ابو طبيلة العجوز.. الذي نسمع صوت سعالهِ النحاسيّ بين الشوارع المليئةِ بالجثث المتفحمة مقترباً دون وجل. ولكن اين نقرات عصاه الواثقةِ على الطبل؟
هل اختنق صوت العراق قبل السحور؟

لحظةً واحدة من فضلكم ريثما يفيق النائم ليتناول الطبل ويخرج ناثراً نوره على كثبان النجوم.. وليصرخ بالناس.. اصحَ يا نايم...
وسيفيق الوطنُ من نومه قريباً على صوت ابو طبيلة ليأكل سحوره ويشرب شربةَ ماءٍ لن يضمأ بعدها ابداً..
اصح يانايم.. وحدّ الدايم.
اصح يا نايم.. وحّد شعبك.
اصحَ يا نايم.. وحّد العراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلام: شبان مغاربة محتجزون لدى ميليشيا مسلحة في تايلاند تستغ


.. مفاوضات التهدئة.. أجواء إيجابية ومخاوف من انعطافة إسرائيل أو




.. يديعوت أحرنوت: إجماع من قادة الأجهزة على فقد إسرائيل ميزتين


.. صحيفة يديعوت أحرنوت: الجيش الإسرائيلي يستدعي مروحيات إلى موق




.. حرب غزة.. ماذا يحدث عند معبر كرم أبو سالم؟