الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين التقريري والتّخْييلي في: - لا تصدقوني دائما...أكذب أحيانا- لفضيلة الوزاني

ادريس الواغيش

2015 / 6 / 16
الادب والفن



لا تصدقوا النص حتى وإن ظل بعيدا عن الإيديولوجيات كما يقول "بيير زيما"، ولا تكذبوه أيضا وإن التصق التصاقا وثيقا بالحقيقة. !!". صحيح أن المبدعة فضيلة الوزاني لا تعيش حقيقة المتسكعين والعاهرات ليلا، لأنه ليس بالضرورة أن تعاني من برودة الليل كي تكون مبدعا خلاقا، لكنها تعيش معهم تسكعهم وجنونهم واندفاعهم ومعاناتهم في عالمهم السفلي وحدائقهم الخلفية، من خلال إبداعاتها وقصصها.
العلاقة بين النص وعناصره الخارجية:
في مجموعتها القصصية التي بين يدينا، يظهر جليا أن الفصل بين النص والعناصر الخارجية عنه يبقى مستحيلا، لأنها تميل إلى تسطير نصوص تتأرجح بين انتمائها لتقريرية صارمة أُحادية الجانب، ولغة تخيليية من خلال إيحاءات متعددة الدلالات كما في نص: "لا تصدقوني دائما...فأنا أكذب أحيانا!!" الذي اختارته ليكون عنونا للمجموعة.
في هذا النص الذي يؤرخ لمرحلة تاريخية وحاسمة ما تاريخ الجامعة المغربية، لا تمارس فيه لغة الأدب في سردها للأحداث فقط، لكن أيضا تشارك في أحداث حقيقة وبأساليب مختلفة، مصطنعة بذلك ضمير المتكلم(نا) و(تاء المتكلم) كي تدخلنا معها في لعبة الضمائر:"هكذا أصبحتُ رشيدًا في القسم وظللتُ ربيعًا في البيت، رشيد في ساحة المدرسة، وربيع في ساحات الحي، رشيد في لوائح الجامعة، وربيع بين الرفاق" ص: (12)، وهو ما كان يطلق عليه(الاسم الحركي) ذات سبعينيات من القرن الماضي، واختلاف الفصائل حسب انتماءاتها الإيديولوجية من اليسار إلى أقصاه بكل أطيافه.
كان قدر البطل في هذه القصة بالذات أن يحمل اسمين متلازمين في نفس الآن، قد يكون في الجامعة كما هنا، و قد يكون خارجها في مجال مِهني آخر. قصة تعود بنا إلى "سنوات الجمر والرصاص" وقصة "الفاركونيت" الشهيرة للأديب عبد الجبار السحيمي، وزيارة "أَصْحاب الحال" في قلب لليل لأداء مهامهم دون أن يتركوا أثرا: " فعيناي كانتا لا تَرَيان سوى غطاءَ الرأس الذي وضع على رأسي، بنفس السرعة التي حملت بها" (ص:12).
المفارقة هنا هي أن القاصة فضيلة كقلم أنثوي تتحدث باسم ذُكوري، حيث تصبح ال "أنا" نقيض ال"ليس- أنا" فاجتماعهما وتطابقهما يمثل استحالة نظرية أدت ب"جرار جينيت" كما أقرّ "جاك لوكارم" و" إليان لوكارم- تابون" باعتباره شكلا من أشكال السيرة الذاتية المُزَوّرة التي ليست تخيّلا إلا في نظر المؤلف أو ما يسمى بالتخييل الذاتي، و”التخييل الذاتي” كما نعرف ما هو إلا تعبير أدبي مركب دلالي، ف"الذات" كيان إنساني ذي وجود مستقل وحضور مادي و"التخييل" فعل هلامي ونشاط إنساني يتأرجح بين الوجود والعدم، قد يتحقق وجوديا و قد يظل بين طيات العدم*.
فما قرأنا في القصة من مشاهد التعذيب لا يمارس عادة على الإناث ولكن على الذكور، لأن للإناث في الأعراف "المَخْزَنِيّة " طريقة مختلفة في التعامل معهم تحت القبو كما في مثل هذه الوضعيات، وفق ما جاء في كثير من السيرالذاتية كتابيا أو شفهيا لكتاب وكاتبات أو طلبة (من الجنسين)عاشوا ضيافة ما سُمّيَ بسنوات" الجمر والرصاص" في المغرب.
الملاحظ كذلك أن نصوص هذه المجموعة غير متجانسة بقوة في غالبيتها:(لا تصدقوني...- العوسج- التيه- الزاوية- الحديقة الخلفية-....)، إذ أنها نصوص ذات وظائف اجتماعية مختلفة، لكن المهم في ذلك أنها خطابات غير متصارعة فيما بينها، تتوجه في صياغتها إلى تصنيفات متباينة لكنها متقاربة في بعدها الأدبي والجمالي وأيضا الإنساني، لذلك لا يمكن اعتبارها اعتباطية في أبادها الدلالية، بحكم أنها تنتمي إلى وحدة متجانسة في أبعادها السوسيو- اجتماعية، وتؤسس لعلاقة متينة بين ما هو" أدبي" و" اجتماعي" و"جمالي" في الكتابة القصصية.
نص"العوسج" مثلا، تُفرده لاستغلال الرجل للمرأة واستحواذه على راتبها بل أكثر من ذلك حين"كَبّلها بقرض بنكي قبل أن يختفي من حياتها"(ص:18) أو للتحول المفاجئ في حياة بعض الزوجات، فنجد " سعاد" التي تتحول من امرأة منتشية بسجائرها الملفوفة إلى أخرى مدمنة على مشاهدة قناتي(الناس) و (اقرأ)"، وأصبحت "تعبث طيلة اليوم بحبّات السّبحة"(ص:18).
المكان العمومي باعتباره صرخات قبل كل شيء:
كان ميخائيل باختين قد أفرد فصلا كاملا في مؤلفه حول رابليه ل" مفردات المكان العمومي في أثر رابليه" وعالج " دور المكان العمومي باعتباره صرخات قبل كل شيء"، ولأن الكاتب جزء لا يتجزأ من المجتمع الذي يعيش فيه، فهو يستمع لأنّاته وصَرَخات أفراده كيفما كان التعبير عن هذا الصُّراخ، يندمج فيه ويعيد كتابته بصيغة أخرى وفق رؤيته.
في هذا السياق، يمكن لنا أن نُعيد تأويل مفهوم "السوسيولهجة" الذي استخدمه كريماس في دراسته عن التواصل الاجتماعي، قد نتفق وقد نختلف معه في تحديدنا نحن (من وجهة نظرنا) لهذه "السوسيولهجة" واستعمالها البنيوي أو الوظيفي في النص القصصي، بعيدا عن اللغة أو اللهجة المحايدة سواء للطبقة البرجوازية الليبرالية في الرواية، أو معجم روّاد وطبقات" الشوارع الخلفية" في القصة، بحكم أن هذا الجنس الأدبي هو أكثر الأجناس الأدبية تعبيرا عن الفئات التي تعيش في قاع مجتمع يلفظها كل ليلة إلى حدائقه الخلفية.
في نص:"الحديقة الخلفية" الذي يرتبط بالمشاهد نفسها كل ليلة، نعيش مع المُؤلفة في عالم المخمورين والسكارى والجنس الرخيص مع العاهرات والشّواذ و"البصارة " أكلة الشعب و حالات قد نعيشها جميعنا ونتغاضى عنها، لكن العين القصصية اللاقطة لفضيلة الوزاني اقتنصتها من خلال هذه المشاهد: " الصّرصار اللعين الذي لن يروق له المقام إلا بشبّاك نافذتي" (ص:36)، والأصوات المكلومة المنبعثة من العالم السفلي: " بَعد أزْبل، واش على عشرة دراهم غَادي نْبقاوْ الليل كُلو؟" (ص:37)
هل تندرج هذه النصوص القصصية مثل "الحديقة الخلفية" في إطار النصوص السيرذاتية التي تلكم عنها محمد شكري بجرأة نادرة وعاش فيها لحظات عصيبة وهو في طريقه من طنجة إلى وهران؟، وفق "ميثاق القراءة" باعتباره المعيار الشكلي المركزي المسؤول حسب (فيليب لوجون)عن تمييز ما هو قصصي وسيرذاتي؟ إما بواسطة المُحدّد الجنسي أو بواسطة التماهي بين الشخصية والسارد والمؤلف على مستوى الأسماء، أو بعبارة أخرى:
- هل تعكس هذه النصوص المُؤلفة فضيلة الوزاني بوصفها كاتبة قاصّة- كما تعكس السيرذاتية للمؤلفة- بوصفها إنسانا؟.
- ما هي المقومات الشكلية التي تسمح بهذا التمييز؟
- هل يمكن أن يكون تدخل المؤلفة في الفضاء النصي( باسمها الصريح أو باسم بديل نصي آخر) مؤشرا شكليا كافيا لقراءته في ضوء ميثاق سيرذاتي؟
- وأخيرا هل القَصْدية الموجهة أن تحكي هذه النصوص تاريخ المؤلفة؟، أم هي تناقش وضعيات حِكائية من خلال تصورها الخاص لإشكالية الكتابة القصصية؟
وعلى اعتبار أن كل محكي ارتجاعي يتمحور حول الحياة الخاصة لشخص حقيقي، نجد أن أغلب النصوص هنا بعيدة عن هذا المحكي الارتجاعي، لأنه يخرق مبدأ التطابق بين المحافل والذات المبدعة.
في قصة" الحديقة الخلفية" على الخصوص استطاعت المبدعة فضيلة أن تنتقل بنا ببراعة من واقع حقيقي إلى واقع قصصي، لنعيش معها مشاعر مختلفة لشخصيات افترقت بهم السُّبل وتساوَوْا في انتمائهم للقاع، فنجدهم في أوضاع اجتماعية غير سَِويّة وطفولة شقيّة وبُؤس كثير مع قليل من الفرح، لتنتهي مشاهد "الحديقة الخلفية" بأزيز قاتم لأيام أُخَر قادمات:" في انتظار ليل آخر يحمل لي أصواتاً أخرى من الحديقة الخلفية" (ص:38).
وككل المجاميع القصصية هناك أيضا ودائما قصص تعتبر مفاتيح للمجموعة مثل" لا تصدقوني دائما- الحدائق الخلفية- باب القدرة إلخ، وأخرى لملء البياض فقط، ورتابة الحياة اليومية والخواء!.
في "اعتزلت الغرام" تتحدث عن الخيانة الزوجية وحرب النساء لاستقطاب الرجال، حتى وإن أنكرت المرأة ذلك بشدة وبأنها لا تسرق الرجال من أخريات، تقول مثلا:" أعرف أنك تلاحقين زوجي، خائنة، رأيتك تضاجعين زوجي، سآخذك إلى المحكمة" (ص:61)، كما تتطرق للطلاق وأسبابه في قصة " الظل"، وتقول: " يغادران الدرج المفضي إلى الشاطئ، تاركين وراءهما ظلا لرجل وامرأة "( ص:72).
الأنتروبولوجيا كآلية خلفية للكتابة القصصية:
الأنتربولوجي حاضر أيضا من خلال قصة"باب القدرة " كما في قصص أخرى مثل "بشارة" التي تعيدنا إلى عوالم كلود ليفي ستراوس والآليات الخفية للثقافة من خلال العادات والعائلة والقبيلة، فتنتقل بنا إلى عادات مدينة تطوان الأصيلة ومنطقة "جبالة" بكاملها التي لها تميزها وفَرادَتُها لتُغرقنا في المحلية من خلال مفردات وطقوس لها خصوصيتها، كاجتماع النساء في دار لالّة عشّوش ومعهن العازبات حول النافورة في الدار التطوانية التقليدية مُزيّنة بأوراق الورد الأحمر والجوري وأيضا كلمات لها رزميتها ودلالتها الأنتروبولوجية:"العَصْريّة- الحايك الأبيض- مرشات ماء الزهر- أطباق كعب الغزال- الموشحات الأندلسية- الباب الكبير- الباب الداخلي الصغير-..." يمارسن طقوسهن ويفترقن في انتظار أن يفتح لهنّ "باب القدرة" على عريس الأحلام المنتظر!.
المصادر:
1- التقعير/ الدكتور حسان سرحان/ دار جرير- عمّان- الأردن
2- بيير زيما/ سوسيولوجيا النص بين الإنتاج والتلقي/ ترجمة د عبد الحق بتكمنتي- مراجعة د. أحمد الدويري
3- (*) من أجل وعي نظري بالتخييل الذاتي/ الزوهرة صديق- موقع دروب الثقافي
4- في التلقي الأدبي/ نحو تصور جديد للقراءة- د. حسن أحمد سرحان- دار جرير- عمان- الأردن
5- مصادر متنوعة من الأنترنيت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناقد الفني أسامة ألفا: من يعيش علاقة سعيدة بشكل حقيقي لن ي


.. صباح العربية | الفنان الدكتور عبدالله رشاد.. ضيف صباح العربي




.. ضحية جديدة لحرب التجويع في غزة.. استشهاد الطفل -عزام الشاعر-


.. الناقد الفني أسامة ألفا: العلاقات بين النجوم والمشاهير قد تف




.. الناقد الفني أسامة ألفا يفسر وجود الشائعات حول علاقة بيلنغها