الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجتمع آخر أو مجتمع الجناكا -رواية-21-

خالد الصلعي

2015 / 6 / 17
الادب والفن



مرت ببطنهاالمنتفخ ووقفت في انتظار مْحْمْد ، قبل أيام كانت بطنها عادية ، متى انتفخت وأين وكيف ؟ أسئلة لا يطرحها الا الأغبياء في عالم الجناكا ، هي نفسها قد تجهل أب من في بطنها ، وتختلط عليها الأوقات والكيفيات . فحين يتعاطون مادة الهيروين أو الكوكايين يتعاطونها غالبا جماعة ، ويستعملون أحيانا كميات كبيرة خاصة حين يجتمعون ويتشاركون ذكورا واناثا في مقدار كبير .
لايبقى أمامهم وأمامهن الا استنشاق وتدخين وشرب تلك المادة ، ومنهم ومنهن من يحقنون بها أنفسهم . تحصل الغيبوبة التامة وتلك الحالة من نرفانا تعاطي المخدرات القوية تجلب نشوة بعيدة عن عالم المعقول والمحسوس والملموس ، ويصير الواحد منهم أو منهن جسدا قحا ، لا روح فيه ولا احساس .
ينسلخ الاحساس العادي أو ذلك الاحساس المترقي بعواطف جياشة طبيعية ، الى احساس متعالي ومفارق . وفي هذه الحالة يصعب على الحامل الجانكية اذا مارست علاقة جنسية مع أحدهم أن تتذكر الواقعة بكل تجلياتها وحركاتها وشخوصها .
توقفت تنتظر مْحْمْد الذي كان يركن احدى السيارات حول دائرة الساحة . موقف ممنوع على السيارات والدراجات ذات العجلات الثلاث أو أي وسيلة نقل الركن فيه . لكن مْحْمْد جعله موقفا للسيارت يجني منه ثمن المخدرات التي يتعاطاها .
هي الفوضى التي تضرب خيامها الممزقة في بنية هذا المجتمع . حتى السلطات تخلت عن وظيفتها في تنظيم المرور في ساحة تافيلالت ، وفرض احترام القانون بقوة القانون . ومْحْمْد لن يجد مكانا أفضل من هذا يسترزق منه ثمن مخدراته .
جاء مْحْمْد مهرولا اليها ، تحدث معها حديثا خفيفا ثم اتجهت نحو زنقة 49 تجر خطاها بثقل بطنها ، وبين الحين والحين تلتفت وراءها لتتأكد من قدومه .
شباب الحي الذي يجتمع عند زاوية الزنقة من بائعي الحشيش ، وبائعي المخدرات ومستعمليها يتابعونها بأعينهم ويتهامسون بينهم . يتساءلون : "متى حبلت سلمى ؟ " ، من جعلها تحبل ؟" ، هل يكون مْحْمْد ؟ " ثم تعلو قهقهة الجمع ، فحين تندر أحدهم بمْحْمْد ، هذا الفتي الأربعيني ، الضعيف البنية ، القصير القامة ، بتجاعيده التي غزت وجهه قبل الأوان ، وقال لهم :"كيف له أن ينجب منها ؟ انه شبه ميت ولا ويعجز أن يضاجع امرأة " .
هرول وراءها مْحْمْد وهو والملابس تتلاعب بها حركة احتكاه بالريح ، واقترب منها . أخرج من جيبه حفنة من الدراهم وراح يعدها أمامها وهما يتابعان طريقهما نحو بائع المخدرات ليذهبا توا الى منزل عائلته الذي هجرته أمه واخواته البنات ، وتركته له ولأخيه "الشريف " ، يعيثان فيه فسادا بعد ان لم يعد بالامكان اصلاحهما .
هي مثلها مثل الك البنت التي حين تفتح فمها للحديث او الضحك تبدو أسناها المسوداء المهشمة ، لم تتجاوز بعد سن الثلاثين ، لكنها انحلت الى شبه دمية مرمية منذ زمان بعيد في مكان مهجور ، تعاورت عليها صروف الحر والقر وتجعدت مادتها البلاستيكية ، وبين الحين والحين يتوهمها طير جارح كائن بشري قينقرها نقرا خاطفا ويكتشف أنها صناعة بلاستيكية .
حين حلت بالمنطقة ، كانت تدفع ابنها في عربة أطفال قديمة . وحين يصرخ تصرخ هي أيضا في وجهه :أصمت . في هذه السنة بالذات كثرت المدمنات اللواتي اما حملن أو ولدن ، في عشر سنوات سيتضاعف الرقم حتما . في عشرين سنة ستتحول منطقة ما الى مدينة خالصة للمدمنين والمدمنات .
اللحظة الآن اقتراب غروب الشمس . المكان حي 49 ، الحالة اختلاط كبير بين أصناف المارين والعابرين والواقفين والمطلين من الأسطح والنوافذ . أطفال صغار لايلتفتون الى الحياة الا كما تبدو لهم . ربما في عرفهم هذه هي طبيعة الحياة البشرية في كل مكان . خليط هجين بين مشردين وسخين وقذرين ، تعلق بثيابهم أوساخ ضخمة ووجوههم شاحبة ومقززة ومنفرة ، وبينهم يعبر أشخاص من الاناث والذكور بثياب نظيفة وبسلوط عادي ؛ أحيانا يسترقون النظر الى أولئك المدمنين ، ولا يكثرون تأملهم ، فقد صار الأمر طبيعيا وعاديا وسلوكا يوميا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان