الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبق الأمل في مجموعة روح الفراشة

هدى توفيق

2015 / 6 / 17
الادب والفن



سأبدأ كلمتى الغامرة بالبهجة والفرحة عندما انتهيتُ من قراءة مجموعة (روح الفراشة) للأديب طلعت رضوان . من مقولة البداية التى هى أتم تعبير عن روح الفراشة الساردة ، بكل انسيابية وعذوبة : إذْ أن الأديب رضوان صدّر مجموعته بكلمات العالم جيمس هاتون الذى كتب ((نحن لا نجد أثرًا لبداية .. ولا توقعًا لنهاية))
المجموعة صدرتْ عن مؤسسة الأخبار – كتاب اليوم – عدد 15نوفمبر2013. تطرح المجموعة نفسها فى إطار مغاير تمامًا عما تحكيه القصص عن المفارقة الوجودية لحياة أبطال القصص ، التى تنتهى إلى اللاجدوى ، بينما فى الحقيقة هى تؤكد على روح الحياة مهما مرّت السنين وجاءتْ الفرص الأخيرة بعد فوات الأوان ، وانطباق الدائرة العبثية حولهم. كما نوّه الفنان الكبير عزالدين نجيب فى تقديمه للمجموعة ، الذى أبهرنى بتحليله الفنى والنفسى لمغزى المجموعة بكلمات معبرة أشد تعبيرا، عما تريد ه لنا تلك المجموعة المتميزة ، حيث كتب ((هذه قصص ممتعة بما يغمرها من دفء المشاعر وعمق التأمل وخبرة الفن))
تلك المجموعة التى تم تصديرها بجملة جيمس هاتون ، أرى أنها الاجابة الافتراضية لكل حالات أبطال القصص ، مثل (العمى) ، (العجز) ، (الفراق) و(الشيخوخة) لكن تظل روح الفراشة تـُحلق بكل إصرار بعيدًا عن الهزيمة والانكسار، ونستقى منها عبق الأمل مهما مرّت السنين. لذلك سنجد أنفسنا عند قراءة قصص المجموعة أنّ مقولة جيمس هاتون أمامنا وعنوان المجموعة خلفنا ، أى أننا بين حصار قصصى ، فنى ، سردى ، ينبض بمشاعر حية تتشبث بآخر فرصة للحاق بقطار الحياة ومواجهة الوحدة والاغتراب ، وسط كل هذا الضجيج ، فثم شعور داخلى يغمرنا بالبحث عن طوق النجاة ، مهما اشتدتْ مشاعر الوحدة والاغتراب. الأديب لديه مسحة من التأمل الوجودى يخص قصصه بروح المقاومة مها كان سوء الأمر من مصير لا فكاك منه.
تتكوّن المجموعة من سبع عشرة قصة وتدور على ثلاثة محاور رئيسية. المحور الأول : مفردة العجز التى تخلق عالمًا حيًا بالمعاناة أمام القدر والمصير المحتوم. المحور الثانى : الجمال الفنى والتعبيرى يتخلله ثقافة معرفية دقيقة عن عوالم مختلفة ، كعالم الموسيقى وعالم علم المصريات ، وعالم الفلسفة. المحور الثالث : المرأة كبطل مهم ورئيسى فى أغلب قصص المجموعة. وأحيانـًا نجد لغة التوحد بين واحدة وأخرى ولو بعد مرور العديد من السنين ، ولكنها نفس المرأة . وأديبنا يطوف بالذكريات والرؤى والأمنيات ليكتب بروح شابة متجددة ، تعج بالحب والتفاؤل والأمل ، رغم أنّ عتبات النص توحى بنظرة متشائمة. وفى نهاية الأمر نقع فى مصيدة مقولة جيمس هاتون مرة أخرى.
تبدأ قصص المجموعة بقصة (العتمة المُضيئة) تحكى عن رجل كافح واجتهد حتى وصل إلى أعلى مراتب التفوق رغم أنه فقد بصره وهو فى الرابعة من عمره. ويعترف بأنه تعوّد العتمة المضيئة فى عقله ووجدانه فيقول ((أحببتُ نور العتمة التى أنارتْ طريقى إلى قراءة كتب الفلسفة فبدأتُ أتعرف على بشار بن برد وأبى العلاء المعرى ، فأحببتُ عماى وهمتُ عشقــًا بعتمتى المضيئة)) وبعد عودة بصره اكتشف أنه لم ير إلاّ القبح ، وبينما هو يقوم مع أسرته بزيارة مقبرة (أوناس) فقد رأى فى طريق العودة الحيوانات الميتة طافية على سطح ماء الترعة ، فأدرك أنّ العتمة هى مفتاح الخيال لعالمه الموسيقى وقراءته المغرمة بتاريخ الحضارة المصرية. فطلب من زوجته رقم تليفون الطبيب الذى أعاد له بصره ليطلب منه العودة إلى العتمة.
وفى قصة (فى البدء كانت العتمة) تشترك مفردة العتمة أيضًا ، لكنها تميل إلى الاتجاه التأملى الفلسفى ، على أساس أنّ ((العتمة هى الأصل)) نجد بطل القصة يستلم قرار إحالته على المعاش ، بينما روحة متفجرة بالأسئلة ويهيم بوجه امرأة مرّتْ عليه أثناء وجوده بمحطة مترو الأنفاق. فهو دائب التحديق فى لمبات النيون المضاءة ، وعندئذ يُدرك أنّ العتمة هى الأصل وأنّ الظلام أصل كل شىء.
وفى قصة (رحلة إلى الواحات) فإنّ بطل القصة يُخصص يوم إجازته الأسبوعية للسفر بلا هدف ، كما أنه مغرم بقراءة وجوه البشر. ويعترف بأنّ هاتيْن العادتيْن تـُحققان له بهجة يسعى إليها ، مع إدراكه أنهما عادتان غامضتان ولكنه يشعر أنهما نبض الحياة. فى تلك الرحلة إلى الواحات تبدأ القصة بالآتى ((سألتنى عن موقف أتوبيس الواحات)) بينما فى قصة (السفر الأخير) تبدأ بالتالى ((ركبتُ أتوبيس الواحات)) فى القصة الأولى يلتقى البطل بسيدة تنتظر حبيبها بعد فراق دام لمدة عشرين سنة، ولكن هذا الحبيب المنتظر لم يأت ، ومن هنا فإنّ من سخرية القدر وعمق الألم فهى لا تعرف له تليفونـًا ولا عنوانـًا ، بينما الفتاة فى القصة الثانية تجلس بجانب إنسان غريب ، وهى فتاة معذبة مجبرة على الذهاب إلى الواحات لتعيش مع أخيها بعد أنْ تخلى الجميع عنها ، وتعترف بحسرة فتقول ((حياتى كلها تهاون فى حق نفسى ولم أجرب الدفاع عن رغباتى))
لاشك أنّ مفردة الأتوبيس تم تداولها فى أكثر من قصة باعتباره بطلا يُشارك أبطال القصص فى تحديد مصائرهم . الأتوبيس ومحطة المترو.. عناوين مهمة فى اللقاء والفراق والأمل والحلم والبقاء والإستمرار فى (روح الفراشة) وليس مجرد وسيلة للمواصلات .
فى محور المرأة فهى المعنى الكامل لكل أشكال الحياة. فهى مرة عاشقة مخلصة ، غامضة، متعصبة ومعادية للحياة ، كذلك نجد الراقصة الحالمة المقبلة على الحياة ، فهى ذلك الكائن السحرى الذى يملأ الكون بتنوعه وتعدده. ففى قصة (كوب عناب) تأتى امرأة عجوز فى انتظار رجلها العجوز. والراوى يراقبهما حتى تمر سبعة أيام والمرأة تأتى فى نفس الموعد والرجل لا يأتى إلى أنْ ماتت فى اليوم السابع ، وهنا المفارقة فى روعة تلك القصة ، إذْ أنّ الراوى يشعر بالبهجة الشديدة لأنّ الكوب لم يهتز وهو فى قبضة الكفيْن المتشنجتيْن ، فينتاب الراوى فرح غامض. بينما فى قصة (رحم الحياة) نجدها امرأة غريبة الأطوار، متناقضة فى أفكارها ، فهى تكره الجنس وتكوين الأسرة ، وتعترف للراوى الذى قابلته صدفة فى الأتوبيس بأنها تكره غريزة الجنس وتـُهاجم العالم سيجموند فرويد وتحليلاته. وأيضًا تأتى المفارقة عندما تطلب رقم تليفون الراوى الذى أملاها رقمًا خاطئـًا وتساءل بعد أنْ تركها : هل أخطأتُ عندما تعمدتُ أنْ أملى عليها الأرقام الخطأ)) وأتصور أنّ هذا التساؤل تركه الأديب للقارىء .
فى قصة (روح الفراشة) ينساب الجمال والرقة والعذوبة فى جسد فتاة تعشق فن الباليه وتقول لأفراد أسرتها الرافضين للفن ((لماذا تقفون ضد الفن الذى عشقه ومارسه جدودونا منذ آلاف السنين؟)) والمفارقة أنّ من وقفتْ بجانبها هى أمها الأمية وحضرتْ للتعزية فى وفاتها ، بعد أنْ طردها أبوها من المنزل ، وتتذكرها فكان من الطبيعى أنْ تتملكها روح الفراشة ، إذْ ترى روح أمها فترقص لها رقصة الوداع على روحها .
فى قصص (توأم الروح) و(مثلث الأضلاع الأربعة) تعبير عن المرأة المخلصة التى تضحى بكل ما تملك من أجل الزوج والأبناء وسعادتهم. فالمرأة هنا نموذج لشكل إنسانى خالص لمعنى الوداعة والبراءة كما فى قصة (الوجه الإنسانى) حيث يرى الراوى فى عينيها جموحًا طفوليًا ، رغم أنها زوجة مسئول كبير وسجله حافل بالإجرام . أو هى إنسانة بسيطة كما فى قصة (قارئة ودع) التى تكشف للراوى بكل صراحة عما فى قلبها نحو بطل القصة فتقول له ((قلبى اللى قال لى مش الودع)) كذلك نجد المرأة الغامضة فى قصة (امرأة البرد والظلام) فهى تــُـلفتْ نظر الراوى المغرم بقراءة جلد الوجه والعينيْن وهو ينتظر الأتوبيس حتى تختفى تمامًا فى الظلام فبزغ له ((معنى الغموض فى عينيها)) وقال ((فرأيتُ عينين تـُقاومان انطفاء البريق))
ولأنّ الأديب يعى معنى التعدد لذا نجد المرأة التى تمارس بعض أشكال الدعارة المستترة كما فى قصة (دعوة) فهى امرأة تكتب أشعارًا لا علاقة لها بالشعر، وتتاجر بكتاباتها لصنع علاقات مزيفة من أجل ارضاء غريزة الأنوثة. بينما فى قصة (أضلاع المثلث أربعة) امرأة تشترى أنوثتها بمال أبيها وتقيم علاقات محرّمة. وفى قصة (تلك المرأة) السارد عاش لمدة عامين كاملين فى خدعة كبيرة وهو يضع تلك المرأة فى إطار الملائكة، بينما هو بالنسبة لها محفظة للصرف عليها. وفى قصة (مكالمة فى منتصف الليل) المرأة المتناقضة بين شكلها الخارجى وهى ترتدى الحجاب وبين تصرفات امرأة وحيدة تطلب رجلا فى منتصف الليل لإقامة علاقة جنسية معه. وبكل رشاقة فنية وظف الأديب قصة (ثنائى البيانو والكمان) مدى تأثير المد الدينى المتعصب الذى فرّق بين الزوجين. وفى قصة (مضيفة وسائح) نرى التجسيد الحى لمعنى الدعارة ، فبطل القصة يعيش مع إنسانة بسيطة كانت تحترف بيع جسدها واستجابتْ للراوى عندما وفــّر لها عملا شريفــًا ، بينما زميلته التى أحبها أيام الدراسة الجامعية تستعين به فى جولة سياحية من أجل سائح أجنبى – يبدو من القصة- أنه يعمل لصالح جهاز أجنبى لجمع معلومات عن خصائص شعبنا ويسأل الراوى عن ديانته.
لابد من أنْ نعترف بأنّ الفن المتميز يحتاج أيضًا لفنان متميز أبدع غلاف هذه المجموعة وكان معبرًا قويًا عن روح هذه القصص .

المصدر :
المجموعة القصصية : روح الفراشة
الكاتب : طلعت رضوان
الناشر :مؤسسة أخبار اليوم كتاب اليوم
الطبعة الأولى :15/11/201








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??