الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غزة تودع الضفة الغربية

يعقوب بن افرات

2015 / 6 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


قرر محمود عباس حل الحكومة الفلسطينية برئاسة رامي الحمد الله التي تعتبر "حكومة وفاق وطني" من أجل تشكيل حكومة "فصائلية" جديدة وبرئاسة نفس الشخص. لا أحد يحاسَب في فلسطين على الفشل لأن الفشل كمصطلح غير موجود في القاموس الفلسطيني. نعم، الادعاء الرسمي هو أن حكومة الوفاق لم تتمكن من اتمام مهماتها بسبب كونها حكومة "تكنوقراط" وربما لأنها كانت حكومة "وفاق" وبعد أن الوفاق بين حركتي فتح وحماس لم يتحقق وسنة كاملة منذ تشكيل هذه الحكومة ضاعت تماما ولم تحقق أي شيء. فالمطلوب اليوم هو العودة إلى الحكومات السابقة حكومات منظمة التحرير الفلسطينية التقليدية التي تتشكل وتتفكك دون أن تغير من الواقع الفلسطيني التعيس كثيرا.
وما أدّى إلى هذه الخطوة حسب كل المحللين الفلسطينيين المؤيدين للسلطة في رام الله هي الأخبار عن قرب التوصول إلى اتفاق هدنة لمدة 5 سنوات بين إسرائيل وحماس مقابل فك الحصار وموافقة إسرائيلية على بناء ميناء عائم في غزة. ما اثار قلق أبو مازن هو زيارة موسى أبو مرزوق إلى الدوحة من أجل إجراء مشاورات بهذا الشأن. ورغم نفي أبو مرزوق لمثل هذه الاشاعات إلا أن الحقائق على الأرض تؤكد ما يتم نفيه من قبل حماس. إن أبو مرزوق نفسه يُعتبر شخصية معتدلة، فهو لا يستبعد التفاوض المباشر مع إسرائيل لأن "الرسول عليه الصلاة والسلام فاوض خصومه من اليهود والمشركين مرات عديدة" مثل ما يشرح لنا ذلك محمد غازي الجمل في مقاله المثير في موقع الجزيرة نت.
لكن ليس رأي ابو مرزوق الشخصي وحده ما يبرهن التصديق على ما يشاع عن هدنة قريبة بل الوجود القطري الكثيف في إعادة إعمار غزة وبتنسيق كامل بل وتشجيع من قبل إسرائيل. وقد أفاد موقع واي نت الإسرائيلي في 12 اذار 2015 عن اجتماع رسمي تم بين المنسق للشؤون المدنية في ضفة الغربية الجنرال مردخاي مع رئيس اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة السفير محمد العمادي الذي عاد إلى زيارة ثانية في 28 من أيار بعد أن تم الاتفاق مع إسرائيل بالسماح لدخول مواد البناء الضرورية لبناء 1000 وحدة سكنية. وفي نفس الوقت يشرف المهندس محمد أبو حلوب مدير مكتب قطر الخيرية في قطاع غزة على عملية إعادة البناء. كيف يفسر إذن أن من كان الخصم اللدود قبل سنة أصبح اليوم شريكاً وشخصية مرغوب فيها في إسرائيل؟ لماذا توافق إسرائيل على إدخال قطر من الباب الواسع في الوقت الذي أصرّت على إبعادها عن اتفاق وقف النار إبّان حرب "الجرف الصامد" الأمر الذي أطال الحرب أياماً عديدة وجنَت ضحايا ودمار عارم؟
فقد اختارت إسرائيل الخيار المصري إبّان الحرب والتي تصف حماس بأنها تنظيم إرهابي مثله مثل الاخوان المسلمين وهذا الموقف يقول بأنه: يجب العمل على سحق حماس ودحرها. وقد قام النظام المصري الفاشي بتفجير كل الأنفاق بين سيناء وغزة وبناء شريط أمني من بضعة كيلومترات وتهجير 10 آلاف نسمة من رفح المصرية. فقد اشتد الحصار على حماس من ثلاث محاور، مصر في الجنوب، إسرائيل في الشمال، في الوقت التي انضمت سلطة رام الله إلى المحاصِرين. فاذا توقعت حماس من حكومة الوفاق أن تخفف من الحصار فقد تبيّن أن هذه الحكومة تعمل لصالح فتح وهي ترفض أن تدفع رواتب الموظفين في غزة الأمر الذي منع إنهاء الانقسام الفلسطيني بل عمّقه أكثر وأكثر. إلّا أن الوضع في غزة قد يقود إلى انفجار جديد، 20000 بيت مدمر، 100000 لاجئ دون مأوى ووضع اقتصادي مزري هي وصفة لحرب صيفية جديدة والتي تشعر إسرائيل أنها في غنى عنها. إن مزيداً من الدمار في غزة لن يغير شيء فالبديل عن حماس ليست فتح المهزومة بل كتائب بيت المقدس، القاعدة، دولة الاسلام أو أي واحد من التنظيمات الجهادية السلفية التي تستفيد دائما من الفوضى والدمار.
وفي حين وعد مؤتمر القاهرة الدولي حول أعادة أعمار غزة والذي عُقد قبل سنة بتقديم سبعة مليار دولار لهذا الغرض إلّا أن كلّ هذه المبالغ تم اشتراطها بأن من يقوم ومن يتولى المسؤولية عن هذه العملية يكون أبو مازن حسب الرؤية المصرية. فقد تم ربط إعادة الإعمار بتسفية وجود حماس وإدخال أبو مازن الى غزة من جديد على ركام حي الشجاعية . إسرائيل دمرت، أبو مازن رمم وحماس دفعت كامل فاتورة الحرب. شيء من هذا القبيل لم يحدث ومع انتهاء الشتاء وبداية الربيع فهمت إسرائيل أن الوضع لا يسير لصالحها وأن لا بديل عن حماس ولا مفر من تخفيف الحصار ومن هنا دخلت قطر على الخط. إلا أنه يجدر السؤال لماذا تستثمر قطر كل هذا المجهود والمال في بناءٍ سيدمَّر من جديد في الصيف القادم أو ما بعده؟ إن هدنة ل5 سنين قابلة للتجديد هو حل منطقي لحفظ جدوى الاستثمار.
نعم إن حل الحكومة الوفاقية وإعادة إعمار غزة من خلال قطر يدل على أن حماس وفتح قررتا الطلاق دون الاعلان عن ذلك. إن رفض فتح تمويل موظفي غزة كان إشارة واضحة بأن حكومة الوفاق لا تتحمل المسؤولية على سكان غزة أما إعادة البناء دون تنسيق مع السلطة فهو بمثابة تجاهل كامل لها. نعم حماس ليست معنية بالاعتراف بأنها تخلت عن الضفة الغربية وتعمل على تقوية سلطاتها في غزة، وفتح لا تريد أن تعلن جهاراً بأنها ليست معنية بإعادة الإعمار إلّا إذا أعادت سيطرتها على غزة ويا للمفارقة إسرائيل لا تريد أن تتعرف بأنها تفاوض حماس لأنها لا تريد إغضاب المصريين الغاضبين بدورهم من القطريين ولا تريد أن تفقد ورقة أبو مازن كممثل للشعب الفلسطيني ومن هنا الكل ينفي ولكن الحقائق لا تكذب.
إن الواقع هو أن حماس تعمل على تحقيق هدنة طويلة المدى مع إسرائيل في الوقت الذي يستمر فيه أبو مازن بالتنسيق الامني والمقدس معها، حماس تعتقل عناصر فتح في غزة والسلطة تلاحق عناصر حماس في الضفة الغربية. مقاطعة إسرائيل أصبحت موضة في الآونة الأخيرة، الرأي العام العالمي وحتى الرئيس الأمريكي يريد إنهاء الاحتلال إلّا أن مشكلة صغيرة تقف أمامه وهي القيادة الفلسطينية الحالية في غزة والضفة الغربية. ففي الوقت الذي تنادي قناة الجزيرة القطرية لمقاطعة إسرائيل، وحماس تنفي التفاوض معها يعمل كل واحد منهما على حدى للتطبيع مع الاحتلال.
إن الرسالة التي تخرج من غزة والخطوة الأخيرة التي قام بها أبو مازن في حل حكومته تدل على أن الاحتلال باق، ليس لأن الرأي العام العالمي يسمح بذلك أو لأنه يوجد إجماع إسرائيلي بين اليمين واليسار بل لأن حب السلطة والمصالح الفصائلية غلبت على المصلحة الوطنية. إن غزة ستبقى في بؤسها مع ميناء عائم أو دونه، والضفة الغربية ستبقى في فقرها الممول من قبل أوروبا وأمريكا، وإسرائيل ستبقى مع احتلالها مثل الشوكة في حنجرتها لأن الحركة الصهيونية بيمينها ويسارها لا حل لها غير ان الحركة الفلسطينية، إسلامية كانت أم فتحوية، تفتقر لبرنامج واقعي وعملي لمقاومة الاحتلال. إن التغيير السياسي الداخلي الجذري في كل من فلسطين وإسرائيل هو شرط مسبق لأنهاء الكارثة الإنسانية المستمرة منذ عقود عديدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نيويورك تايمز: صور غزة أبلغ من الكلمات في إقناع الآخرين بضرو


.. فريق العربية في غزة.. مراسلون أمام الكاميرا.. آباء وأمهات خل




.. تركيا تقرر وقف التجارة بشكل نهائي مع إسرائيل


.. عمدة لندن صادق خان يفوز بولاية ثالثة




.. لماذا أثارت نتائج الانتخابات البريطانية قلق بايدن؟