الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمريكا على حدود سورية .. والشرق الأوسط .. وليس العكس

سهيل حداد

2005 / 10 / 7
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


إن أية قراءة دقيقة لمقال الكاتب اللبناني سركيس نعوم سورية على حدود أمريكا .. لا العكس، والذي نشر في جريدة النهار اللبنانية يوم الأحد 02/10/2005، تدل على آلية تكيف بعض من الإعلام اللبناني مع المشروع الأمريكي وطرحه للأمور وتسليط الضوء على كل ما يحدث في المنطقة من صراع وتجاذبات قوى وكأنه وليد اليوم، وبالتالي يتوجب على الجميع عموماً وسورية خصوصاً أن يتماشوا مع التصور الأمريكي الجديد الذي وضع للمنطقة بعد أحداث 11 أيلول ومن ثم احتلال العراق، وأي تصور أو رؤية أخرى يخالفان الإدارة الأمريكية ومفاهيمها، ويعيق عملها وتقدم مشروعها في إنشاء شرق أوسط كبير يخدم مصالحها فهو خارج عن إرادة الشرعية الدولية وقوانينها، وعليه يجب إعادة حساباته وتصويبها حتى يخرج من دائرة الاستهداف الأمريكي وضغوطاته وتهديداته.
وينقل السيد نعوم بأمانة ما تريد الإدارة الأمريكية إفهامه لسورية وإن على سورية استدراك أخطائها بأسرع ما يمكن لأنه لم يعد لديها الوقت الكافي إذا أحسنت سورية حساباتها لإنهاء الهجمة الأمريكية ضدها. وإذا لخصنا هذه المفاهيم فعلى سورية أن تعي أن كل ما تعتبره أوراق قوة لديها على الساحة الفلسطينية أو لبنانية أو العراقية ستصبح تهماً موجهة إليها. وعليها أن تدرك إن دورها الإقليمي في المنطقة قد انتهى، وعليها الاهتمام فقط بشؤونها الداخلية، ولن يكون لها أي دور أو موقف مهم ومؤثر في طريقة إنهاء النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، وإذا أرادت استعادة الجولان عليها أن تضع كل أوراقها بلا شروط في يد الإدارة الأمريكية لتساعدها على ذلك، وتعترف وتقر بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية وحقها في إعادة تشكيل الشرق الأوسط كما تقتضيه مصالحها الحيوية. وإذا لم تحسن سورية قراءة ذلك وتقر به فهي تهدد أمن الولايات المتحدة وحدودها وسيادتها واستقرارها !!!!. و إن كل هذه الإجراءات تهدف إلى تغيير مواقف السياسة السورية وإعادة صياغة دورها الإقليمي ونقله من الدور الممانع والمؤثر في القضايا الأساسية في المنطقة إلى الدور المبادر والمتعاون بلا شروط كمعظم الأنظمة العربية ليلبي مصالح الولايات الأمريكية وحليفتها "إسرائيل".

ولا أريد هنا تفنيد نقاط المقالة والرؤى السياسية التي سوقت من خلالها والتي أعتبرها - مع احترامي لمحايدي وجهات النظر التي استند إليها الكاتب- "بأنها رسائل أمريكية مفتوحة لسورية" عبر إعلام عربي يتماشى مع خطط هذه الإدارة ومراميها. ولكن سأعرض وجهة مختلفة تماما تتمثل بالنقاط التالية:

أولاً: قد يكون مثل هذه الطروحات من الناحية النظرية صحيحاً ومعبراً عن جزء من إستراتيجية أمريكية مرسومة للمنطقة بأكملها، ولكن من الناحية العملية تبرز كل تصريحات الأمريكية الرسمية منها والإعلامية وجود الحاجة الماسة لدور سوري إقليمي فاعل في المنطقة بخصوص جميع هذه القضايا، ولا يمكن للإدارة الأمريكية أو غيرها أن يتجاهل مثل هذا الدور وأهميته مهما حاولت عبر ضغوطاتها أن تظهر بان سورية باتت بلد معزول وليس له أي دور فعال في محيطه الإقليمي. ولكن ما هو هذا الدور وآليته وأدواته، كل هذه النقاط تبقى مسار جدل بين المتطلبات الأمريكية وبين إمكانيات سورية في تحقيق رغبات الإدارة الأمريكية، ورؤيتها وطريقة تعاملها مع كل قضية على حدة بشكل لا يمس ثوابتها الوطنية والإقليمية ومواقفها الأساسية من هذه القضايا وتصوراتها لطرق إنهاء حالة التوتر التي سادت المنطقة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وتدخله السافر في الشؤون اللبنانية. وهنا تبرز المصالح الحيوية والأمنية لسورية في ظل أي سيناريو أو تطور في المواقف الأمريكية بغض النظر عن تداعيات الأحداث التي شهدتها المنطقة في الفترة الأخيرة.

ثانياً: الصراع الأساسي بين سورية والولايات المتحدة الأمريكية يكمن في رفض السوريين للمواقف السياسية الأمريكية الوحيدة الاتجاه والمتعلقة بقضية الصراع العربي - الصهيوني ومفهوم السلام والتطبيع مع "إسرائيل"، وحق الشعوب العربية في استعادة أراضيها المحتلة وعودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم، وتحديد تعريف واضح لمفهوم الإرهاب وتمييزه واختلافه عن المقاومة التي هي حق للشعوب في مقاومة المحتل، وهذا الصراع مستمر ما دام هناك احتلال إسرائيلي لأراض عربية وتهديد مستمر من قبل هذا الكيان لأمن المنطقة واستقرارها ومحاولة الهيمنة عليها بدعم غير محدود اقتصاديا وعسكريا وإعلاميا من جميع الإدارات الأمريكية المتعاقبة وحلفائها الغربيين. كما ويرفض السوريون الخريطة التي وضعتها الإدارة الأمريكية في رسم شرق أوسط جديد ذو تابعية اقتصادية وسياسة كاملة للولايات المتحدة الأمريكية، يتألف من مجموعة دويلات صغيرة وضعيفة ومتنافرة وبقيادات تابعية تبنى على أنقاض الدول الوطنية القائمة. ولا ينتهي هذا الصراع إلا بتحقيق سلام عادل وشامل يضمن لكل شعوب المنطقة استعادة أراضيها المحتلة وحريتها وحقها في تقرير مصيرها بعيداً عن كل أشكال الهيمنة السياسة والاقتصادية.

ثالثاًً: الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تقود صراعاً في لبنان منذ أكثر من 25 عاماً بشكل مباشر أو غير مباشر ليس فقط مع سورية بل أيضاً مع الشعب اللبناني المقاوم وأحزابه التقدمية والوطنية، ومع إيران عبر الضغط على حزب الله، والشعب الفلسطيني عبر الضغط على منظماته وعزله في مخيماته ومحاولة توطينه في بلاد اللجوء. وأحد الأشكال الحالية لهذا الصراع هو إخفاء فشلها وتورطها في المستنقع العراقي وتوجيه الرأي العام الأمريكي والعالمي إلى بؤرة توتر أخرى وإظهار الأطراف الأخرى في هذا الصراع (سورية، إيران، المقاومة) أنها سبب في فشل مشروعها في العراق. وهنا لا بد أن نذكر أن المشروع الأمريكي في العراق كان هدفه نزع أسلحة الدمار الشامل التي لم يظهر لها اثر، وبعد تكشف إدعاءات الإدارة الأمريكية تحول هذا المشروع فجأة إلى تسويق ديمقراطية الإدارة الأمريكية التي تستند إلى تفتيت العراق إلى كانتونات فيدرالية عرقية وطائفية ومذهبية متصارعة ومتنافرة تضع هذا البلد على شفير حرب أهلية ضروس. والبوادر تشير إلى أن هذا المخطط يأخذ طريقه إلى لبنان عبر لبننة القوانين الدولية حسب رأي الكاتب في مقالة نشرت له في نفس الجريدة بتاريخ 04/10/2005. والذي نرى أبعاده قد بدأت تظهر للعيان في مطالبة بعض اللبنانيين للجيش اللبناني بتنفيذ ما تبقى من بنود القرار 1559 المتعلقة بنزع سلاح المخيمات الفلسطينية وعزلها في خطوة أولى ثم نزع سلاح حزب الله في خطوة تالية وقد بدأت هذه الحملة بتمهيد إعلامي ونشر أخبار غير موثوقة عن دخول أسلحة إلى المخيمات عبر المنافذ الحدودية السورية. مع عدم وجود توافق لبناني حول هاتين النقطتين مما سيوتر الوضع الداخلي اللبناني ويقوده من جديد إلى حالة ما قبل الطائف وعودة الاقتتال من جديد بين الميليشيات والطوائف.

رابعاً: ليست المرة الأولى التي تضغط بها الإدارة الأمريكية على سورية وتهددها بعزلة دولية وبعقوبات اقتصادية ودبلوماسية وبزعزعة أمنها واستقرارها وقلب النظام فيها، فقد حاولت ذلك في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي ولكن جميع محاولاتها باءت بالفشل بغض النظر الظروف الدولية التي كانت سائدة في تلك الحقبة وتغيرها الآن بتفرد أمريكي متغطرس وشرس، تبقى الذرائع التي تستخدمها الإدارات الأمريكية المتعاقبة لتأجيج هذه الضغوطات نفسها (رفض اتفاقيات السلام المنفرد والتطبيع مع إسرائيل، امتلاك سورية لأسلحة الدمار الشامل الكيماوية والبيولوجية، سعي سورية لتعزيز من ترسانتها الصاروخية، دعمها للمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي...الخ).

خامساً: الصراع الدائر في لبنان حالياً ليس فقط نتيجة بعض الأخطاء والتراكمات التي حدثت أثناء التواجد السوري الاضطراري والتي كانت له اعتبارات إنسانية ووطنية وقومية والذي استمر حوالي الثلاثين عاماً، وليس نتيجة التمديد للرئيس لحود أو نتيجة للقرار 1559 وما تلاه من أحداث وتداعيات، إنما في حقيقة الأمر لتحقيق نقطتين أساسيتين:
- تدخل أميركي مباشر لصالح الكيان الصهيوني من خلال مجلس الأمن حيث تم في واشنطن وباريس تفصيل القرار الدولي 1559 واشنطن على مقاسه ليضع لبنان في مواجهة مع المنظمة الدولية لتطبيق بنوده وخاصة فيما يتعلق بخروج الجيش السوري وبنزع سلاح المخيمات الفلسطينية والمقاومة اللبنانية وخاصة سلاح حزب الله وبالتالي ترك لبنان مكشوف وتحت رحمة الوصاية الخارجية (أمريكية على الأغلب، وفرنسية في الظاهر). وفي حال إنهاء الدور السوري الممانع لمخططات ومشاريع الهيمنة على المنطقة ينفرد الكيان الصهيوني بقراراته ويصبح القوة الإقليمية الوحيدة القادرة على فرض شروطها التطبيعية على الدول العربية.
- نتيجة لتخبط سياسات الإدارة الأمريكية في المنطقة عموماً، وفي العراق خصوصاً. وفشل محاولتها بجعل لبنان فخ للسوريين، وتصويره كحالة الكويت إبان الاجتياح العراقي له، فخروج السوريين والتزامهم بقرارات الأمم المتحدة بهذا الخصوص، اسقط هذه الورقة من أيديهم مما جعلهم يبحثون عن أوراق جديدة للضغط على سورية:
- عبر ابتزاز سورية في كيفية تعاطيها مع لجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال الحريري ومحاولة تسييس هذه القضية واتهام سورية بهذه الجريمة بأي ثمن وتحميلها ما يحدث في لبنان من تفجيرات واضطراب أمني وسياسي، ويشاركها في هذه المحاولات فرنسا و"إسرائيل" وبعض الأطراف اللبنانية والعربية عبر حملة إعلامية مغرضة وشرسة تصور بأن تخوف سوري من نتائج هذا التحقيق سيؤدي إلى زعزعة الوضع الأمني والسياسي السوري وبالتالي النظام بأكمله.
- استغلالهم حالة العراق بكل تداعياتها قبل وبعد احتلاله وتحميل سورية أسباب عدم الاستقرار فيه تحت ذرائع مختلقة تارة وملفقة تارة أخرى كاتهام سورية بإخفاء أسلحة الدمار الشامل العراقي، وإيواء قادة النظام السابق ومساعدة المقاتلين ودعمهم وتسليحهم، أو لعدم التزام سورية بتطبيق المطالب الأمريكية التعجيزية والمستحيلة في ضبط حدودها الطويلة والملاصقة للعراق لمنع تسلل المقاتلين العرب عبرها، والجميع يعلم بأن سورية وضعت كل إمكانياتها لضبط الحدود من جهتها، ومنع أي تسلل عبر حدودها للعراق.
- عبر محاربة الإرهاب الدولي بإيواء بعض من المسؤولين الإعلاميين للمقاومة الفلسطينية، ودعم حزب الله والمنظمات الفلسطينية المتواجدة في لبنان (فتح الانتفاضة) وتسليحهما..الخ.
- عبر تحريك بعض الأطراف الكردية السورية المتطرفة لخلق بلبلة واضطراب بدفعهم لمواجهة الدولة والسلطة وتحريضهم على الانفصال مما يزعزع أمن واستقرار البلد ويهدد وحدته الوطنية، ودعم بعض الأفراد والجماعات السورية في الداخل والخارج مادياً ومعنوياً لتشكيل ما يسمى بمعارضة الداخل والخارج لإسقاط النظام وتصوير أن هناك حالة من التداعي السياسي في سورية، وبأن النظام في سورية يحكم البلد بقبضة حديدية وأمنية وهو نظام غير ديمقراطي حسب المقاييس الأمريكية ونظام العولمة التي تسعى لإيجاده وهنا لابد من التذكير بأن سورية تقر بتعددية سياسية عبر جبهة وطنية تقود البلاد وهناك نوع من التمثيل والمشاركة للمستقلين في كل إدارات الدولة وأعلى سلطة تنفيذية ومجلس الشعب، وبالرغم من ذلك تستخدم هذه الاتهامات للترويج بقلب نظام الحكم وتضع سيناريوهات وبدائل لمرحلة ما بعد البعث بغض النظر عن قبول أو عدم قبول المجتمع السوري لمثل هذا النوع من الطروحات. ولكن جميع هذه الوسائل باءت بالفشل لأسباب متعددة أهمها: أن هذه التشكيلات الاستعراضية إعلاميا والصنعية ليس لها تمثيل حقيقي على أرض الواقع بين شرائح الشعب السوري وهي أجسام غريبة عنه، بل هي مرفوضة كما أن الأستقواء بالأجنبي مرفوض مهما كان نوعه. وقد أظهر الشارع السوري بكل أطيافه الوطنية لحمة ووحدة وطنية وتمسك بالثوابت الوطنية والقومية رفضه القاطع للضغوطات والتهديدات الأمريكية ومشاريعها في المنطقة ولأية جهة تتعامل معها مهما كانت الشعارات واليافطات التي تحملها. ولم تستطيع هذه التشكيلات أن تخترق الشارع السوري أو تكتسب أية مصداقية كانت هذا من جهة، ومن جهة ثانية إن كل الخطوات التي قامت بها القيادة السياسية في سورية ضمن مشروع إصلاح وتطوير لكل المناحي في سورية تبين وجود نية جدية في معالجة كل حالات الترهل وتطوير مفاصل الدولة وتشجيع القطاع الخاص ومشاركته في حركة البناء والتطوير، وتطوير الحالة السياسية وتعدديتها في سورية وتفعليها بشكل يخدم المصالح الوطنية ويعزز من قوة الجبهة الداخلية أمام كل التحديات الإقليمية والدولية. والمتتبع للحالة السياسية في سورية يرى بأن هذا الحراك السياسي الوطني الذي يتطلب توفر عناصره وأرضيته وأسسه القانونية والتشريعية هو موضوع بحث جاد لدى الجهات المعنية والوطنية، وهو في مرحلة التأطير والقوننة بما يتلاءم مع طبيعة وحجم العمل السياسي وطروحاته في إطار تفعيل العمل السياسي الوطني الذي يصب في النهاية في مصلحة الشعب والوطن.

سادساً: تسويق مقولة بأن سورية تهدد المصالح الحيوية الأمريكية ومشروعها في إرساء الديمقراطية، وتهديدها أمن واستقرار المنطقة عبر ذرائع واهية وبعيدة عن الحقيقة هو أسلوب ذو أبعاد سياسية خطيرة،. وبالرغم من هزلية هذا الطرح وفقدانه للمصداقية الإقليمية والدولية وللأسس والأسباب الموجبة التي تجعل من سورية بلد بهذا الحجم يهدد أمن واستقرار بلد ضخم بكل إمكانياته وقوته التي تطغى على كل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية الدولية، يراد من خلاله تشريع الحملة الأمريكية وهجومها على سورية بكل الوسائل وخاصة أمام الرأي العام الأمريكي والدولي. فمصالح الولايات المتحدة وأهدافها في المنطقة معروفة ومعلنة منذ زمن بعيد، وهي السيطرة على النفط واستثماره وضمان تدفقه لها والتحكم بإمدادات الأسواق العالمية منه، أما هدفها المعلن بعد 11 أيلول محاربة الإرهاب والقضاء على الإسلام السياسي ومن يدعمه ويموله ولهذا طورت خططا جديدة ضد جميع دول المنطقة وخصوصا الكبيرة منها، كالعراق وإيران والسعودية وسورية، وطرحت مشروعها الشرق الأوسطي الكبير وإعادة رسم خارطة المنطقة بما يضمن هذه المصالح التي لن تستقر إلا بأنظمة من صنعها وبدأت هذه المهمة في العراق وتحاول تعميمها.

سابعاً: السوريون يعلمون علم اليقين بأنهم ليسوا في موقع قوة بالمقارنة مع الإمكانيات الهائلة للولايات المتحدة الأمريكية اقتصادياً وتكنولوجياً وعسكرياً ودبلوماسياً. ويدركون بآن واحد مدى نقاط قوتهم ونقاط ضعفهم وقدرتهم وإمكانياتهم على مواجهة هذه الهجمة الأمريكية العدوانية عليهم. وهذا يعني أن هناك دراية تامة بهذا الوضع. فسورية حاولت في كل الأحداث أن تتفادى الصدام المباشر مع الولايات المتحدة بعد 11 أيلول، وفتحت قنوات التعاون الأمني في موضوع محاربة الإرهاب. وتمسكت بإبقاء قنوات الحوار مفتوحة بشأن مباحثات السلام وإنهاء حالة الصراع العربي - الصهيوني, وبذلت كل ما في وسعها لضبط الحدود الشرقية مع العراق، وتنفيذ البند الخاص بها في قرار مجلس الأمن 1559 والمتعلق بالوضع اللبناني وهو انسحاب الجيش السوري من لبنان، وتتعاون مع لجنة التحقيق الدولية لكشف منفذي عملية اغتيال الحريري.

كل هذا يدل على أن سورية تملك جواباً ولديها فهم كامل لإستراتيجية السياسات الأمريكية في المنطقة بعد 11 أيلول. فكل الضغوط الأمريكية وإتباع سياسة التخويف والتهويل باستخدام الحلول العسكرية كضربة عسكرية جوية محدودة لأهداف حيوية أو للبنية التحتية أو اجتياح عسكري لشرق سورية وشمالها الشرقي وتهديد سورية بعزلها سياسياً ودولياً وتطبيق عقوبات دولية عليها كما حدث في حالة حصار الاقتصادي على العراق وليبيا، وترويج بأن أخذ سورية مثلاً يحتذي في التجربة الليبية قد يخرج سورية من عزلتها ومعاقبتها. ولكن المتتبع للأمور يرى بأن وضع سورية وظروفها تختلف كثيراً عن الحالتين العراقية والليبية وكل النماذج الأخرى في المنطقة من جميع النواحي الجغرافية والسياسة واللوجستية والإستراتيجية فسورية مادام هناك جزء من أراضيها محتل ومادام النزاع العربي – الصهيوني قائم فهي دولة مواجهة على كافة الجبهات. وتمتلك سورية من تجاربها السابقة قراءة دقيقة لكيفية التعامل مع مثل هذا النوع من الأزمات مع عدم إغفالها لأهمية وجدية التهديدات الأمريكية ومدى تأثيرها على مواقف سورية الإقليمية والدولية من جهة، ومن جهة أخرى لا يمكن سورية أن تغفل أو تتجاهل أسلوب الإدارة الأمريكية في تمرير مطالبها وشروطها عبر سياسة الضغط والاتهام بعدم التعاون واستمرار المعاندة .. الخ، وهي نفس الطريقة التي اتبعتها في حصار العراق لتحقيق مآربها في نهاية المطاف. وبالتالي أي تنازل سيتلوه أخر وهكذا، لذلك لا يمكن لسورية أن تحقق كل المطالب الأمريكية بدون أن يكون لديها الحذر في أية خطوة تقوم بها. ولا يمكن تصوير ردود الفعل السورية ومواقفها من السياسات الأمريكية في المنطقة بأنها حرب عصابات أو حرب شعبية ضد أمريكيا حلفائها وبالأخص حليفتها "إسرائيل" إنما هو وسيلة وشرط أساسي من شروط حماية استقرارها في ظل التغيرات الإقليمية الجديدة التي تفرضها الإدارة الأمريكية في المنطقة وتريد تعميمها على الجميع بدون استثناء عدا "إسرائيل". ولا يمكن لسورية أن تنكفئ عن دورها الإقليمي وتبقي جميع أبوابها مشرعة للمشروع الأمريكي ليقرر مصيرها وطبيعة النظام فيها. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن كل مهتم بالوضع السوري وشؤونه الداخلية والإقليمية يدرك تماماً أن قدرة سورية وقوتها على الصمود ومواجهة هذه الضغوطات تتمثل بتماسك جبهتها الداخلية في وجه هذه الحملة العدوانية، والتأييد الشعبي الكبير لمواقفها الوطنية والقومية.
سورية – دمشق، في 05/10/2005.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسؤول إسرائيلي: حماس -تعرقل- التوصل لاتفاق تهدئة في غزة


.. كيف يمكن تفسير إمكانية تخلي الدوحة عن قيادات حركة حماس في ال




.. حماس: الاحتلال يعرقل التوصل إلى اتفاق بإصراره على استمرار ال


.. النيجر تقترب عسكريا من روسيا وتطلب من القوات الأمريكية مغادر




.. الجزيرة ترصد آثار الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال لمسجد نوح في