الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقالة عن رواية النبطى للدكتور يوسف زيدان (مترجمة من الإيطالية)

حذام الودغيري

2015 / 6 / 21
الادب والفن


تتميز هذه الرواية التي ألّفها يوسف زيدان، الأكاديمي المصري، المتخصص في الفلسفة الإسلامية، بأزمنة وصيغ ولغة مختلفة عن المتعارف عليه في بلدنا، وهذا بالضبط ما جعلها ساحرة ومثيرة للاهتمام. تتفرّع القصة في مناظر طبيعية غبراء، عطشى، تسحقها الحرارة نهاراً وتجمّدها البرودة ليلاً. هنا الشمس، في مسيرتها اليومية، تُملي القوانين وتفرض حياة صعبة قاسية على الإنسان والحيوان .

بطلة الرواية و الصوت الراوي في الكتاب، رغم ما جاء في العنوان، امرأة مصرية شابة، قبطية، تدين بالمسيحية، وتعيش في قرية صغيرة عند أطراف دلتا النيل الشرقية. أعطيت زوجةً لرجل عربيّ من المستوطنات النبطية القريبة من مدينة البتراء القديمة، التي كانت لا تزال، في القرن السابع الميلادي، مناطق تهيمن عليها الإمبراطورية البيزنطية. ستمضي مارية سنوات طويلة من حياتها هناك، وسيغير خلالها مظهرُها الخارجي حتى يصبح مماثلا لمظهر امرأة عربية قُحّة، وإن ظلت في واقع الأمر غريبة عن هذه البيئة الصعبة، التي لم تعرف الانسجام معها كليا، وعااشت فيها ، مذهولة تعيسة.

الكتاب عبارة عن رواية، تطوّر حبكة، وتعطي عمقا نفسيا لعدد مهم من الشخصيات. ومع ذلك فهو نص يتسم أيضا بطابع جغرافيي، لأنه عبر عينيّ مارية ، ستستعرض أمامنا الأراضي الشامية بكل أسرارها، وعجائبها، و مآسيها.

مارية فتاة حيوية، ذكية، تحب الاستطلاع، إلا أنها لسوء الحظ، جاهلة، ليس بإرادتها، فحمولتها الثقافية وخبراتها الحياتية هزيلة، مبنية في معظمها على تعاليم نادرة وغير كاملة تلقتها من كاهن القرية التي ولدت فيها ومن النصائح البسيطة القليلة التي كانت تسمعها من أمها الأرملة، المنشغلة برعاية أسرتها ، والتي بدورها تعتبر ضحيةَ مجتمعٍ متخلف، يغلق أبوابه أمام الاحتياجات النسائية. مارية، تسأل، تستفسر، تحصل في كثير من الأحيان على أجوبة غير مُرضية، تَفهم ولا تفهم (لا تملك الأدوات اللازمة للوصول إلى قلب المشاكل التي تأتي إليها، فوق ذلك، مبسطة وغير مكتملة). تصمت، لا تعبّر عن مشاعرها، تُعاني؛ وفيما تكبر فيها الرغبة لتوسيع معرفتها، تحاول أن تتكيف مع دور الزوجة الجديد الذي يشعرها بالضيق، وتضطرلتقبّل كل القيود التي يفرضها عليها الزوج، بدءا من ارتداء النقاب.
.
تتعرّف الشابة على العادات والأعراف والقوانين لشعبها الجديد، المكرَّس لتجارة المسافات الطويلة. وتلاحظ حياة النساء، الكامنة في انتظار عودة الرجال. إلا أنها في الفراغ الداخلي الذي يخنقها، تحسّ بحماية حماتها، المرأة الحكيمة المتفهمة، التي تجدها ملاذا حقيقيا في غياب أمها. شخصيات نسائية عديدة أخرى تدور حول بطلة الرواية، بعضها مجرد شخصيات ثانوية، رفيقات أيام معدودات، والبعض الآخر أكثر أهمية، ومن بينهن، ليلى، أخت زوجها. وهي امرأة رقيقة وحلوة ولكن، عند الضرورة، قاسية وحازمة. تستشيرها و تبوح إليها بأسرارها، وهي الصديقة التي تساعدها على تجاوز اللحظات الصعبة، وتحمّل زوجها الوقح، عديم الإحساس، وتجعلها تقدّر الحياة بكل أطيافها. تبدو أحيانا غامضة وبعيدة المنال، متحرّرة ظاهريا ولكنها في واقع الأمر تمتثل لجميع القوانين القبلية . وبالتالي فإنها ستختفي فجأة من أفق مارية، وتتركها وحيدة ،مهجورة، عاجزة عن فهم ما حدث فعلا.

والنبطي؟ يشار إليه في العنوان بكلمة "الكاتب" وكأنه يعطيه تعريفا واحدا وإلى الأبد، ويحصره في مهمة فريدة ومحددة لكنه في الواقع شخصية أكثر تعقيدا من ذلك بكثير. ففي فترة تاريخية من التغيرات الكبيرة، حيث أسس محمد الدين الإسلامي ونقل الغضب والعدوانية من القبائل الداخلية إلى خارج حدود شبه الجزيرة العربية، كان النبطي يجسّد رؤية بسيطة للحياة، مدعومة بفلسفة روحية شخصية، بعيدة عن احتياجات ومطالب ملموسة جدا. النبطي روح حرّة، ورجل لطيف يتحدث إلى من يريد الاستماع، ويجيب من يطرح الأسئلة، يعيش منعزلا، بأسلوب متواضع، مخلص لمعتقده الديني الخاص، وهو واحد من بين المعتقدات العديدة المنتشرة في بلاده، قبل أن يحدث التوحيد الإسلامي متحولين جددا وكثيرين إليه . جلب ظهور الإسلام عواقب وخيمة حتى على الأنباط الذين تركوا طرق القوافل والتجارة التي لم تعد آمنة ، لينخرطوا في أنشطة جديدة، من جملتها تربية الخيول الضرورية للحرب. في قبيلة مارية، حدث اضطراب وقلق في نفس الوقت، إذ أن كثيرين، ومن بينهم زوجها، يدخلون إلى الإسلام. بينما النبطي لا يتغير، ويبقى وفيا لقيمه، رغم أن حياته تصبح أكثر عزلة وصمتا. تعلقه الصادق بالتقاليد، الذي لا يفهمه أعضاء جماعته، يؤثر على العكس من ذلك في مارية، التي فتنت بشخصيته الأصيلة المتميزة منذ أن تعرفت عليه، لدرجة جعلتها تستوعب حديث الرجل كمثل بلسم للروح. في تلك الظروف الصعبة، وأكثر من أي وقت مضى، تشعر المرأة بأن الكاتب يمثّل ما لا تملكه هي، أي الالتحام مع بعدٍ مختلف، مما يجعلها تتحمّل الواقع القاسي. نضوج هذه العلاقة الخاصة، التي تقوى في نفس مارية، ستؤدي بها، ربما، إلى تحول وجوديّ ، لا يمكننا أن نعرف نطاقه.

الملاحظة الأخيرة التي أريد أن أنبه إليها، تتعلق باللغة المستخدمة في النص. وهي أنها لغة بسيطة للغاية، سواء في الأوصاف أو الحوارات، التي ليست كثيرة ، وقد أدخلتني، منذ بداية القراءة، في حيرة. إلا أنني سرعان ما أدركت أنه ما كان ممكنا للغة أخرى غيرها أن توصل جيدا فكر شخصية تتميز بالبساطة لكنها في الوقت ذاته قادرة على استيعاب كل شي يحدث حولها بدقة . المشاعر أيضا، تجد في جوهر الكتابة تعبيرا كاملا، تجعلها مشتركة ومفهومة بالمعنى الحديث.

يبقى لي فقط أن أوصي بهذا الكتاب: المناظر الطبيعية والشخصيات والأحداث ستظل لفترة طويلة محفورة في الذاكرة.

المرجع:
http://www.qlibri.it/recensioni/romanzi-storici-narrativa-straniera/discussions/review/id:47786/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ترجمة مشوقة
ميشيل نجيب ( 2015 / 6 / 21 - 11:04 )
الأستاذة/ حذام الودغيرى
تحية طيبة وبعد,
أسعدنى قراءة ترجمتك الممتاذة لهذا المقال وحفاظك على الروح الأدبية والأبداعية لجوهر المقال ، وقد شعرت بالتشويق والسلاسة فى قراءة ترجمتك بأسلوب بسيط فى متناول القارئ.
وأشكرك كقارئ على تصحيح خطأ كاتب المقال الأصلى الذى أعتبر ان القبطية هى ديانة ولكنك اوضحت ان ديانتها المسيحية لكنها مصرية شابة قبطية.
شكراً على عرضك السلس لهذه الرواية للكاتب المميز يوسف زيدان، وهى رواية تستحق القراءة مثل بقية رواياته السابقة.


2 - شكرا
حذام الودغيري ( 2015 / 6 / 22 - 00:03 )
الأستاذ ميشيل نجيب،
أشكرك لاهتمامك، ولملاحظتك، فعلا صححت الخطأ الذي ذكرته، وراعني انتباهك له...تحيتي وتقديري وأرجو أن أظل عند حسن الظن.

اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال