الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شبح الجنون _1

مصطفى حنكر

2015 / 6 / 22
الادب والفن


إستيقظ هذا اليوم من نوم ثقيل ،موت غير طبيعي ، قد يكون ثقله بسبب حبة نوم قد ناولها له أحدهم .عن حدس غريب ، رواده إحساس أنه ليس في مكانه المعتاد . فرك عينيه بيديه السميكتين ثم نظر من حوله ،فرأى أشياء تبدو غريبة له ثم فكر : أهذا حلم ؟! ..حاول أن ينفلت من وهمه فقام بحركة اهتزازية قوية برأسه .الحلم قد أصبح واقعا الآن أمامه . إنه في غرفة داخل مستشفى ، هذا ما اعتقده بهلع . هذه المعدات والآلات والأنابيب من حوله لا يمكن أن تكون إلا حقلا دلاليا لمستشفى .سيسأل نفسه ، وقد تأكد الآن أنه ليس بخير مادام في هذا المكان المزعج ، ماذا حل بي البارحة ؟!.. إنه لازال يتذكر أنه كان بخير ،فما الذي وقع حيث وجد نفسه في المكان الطبيعي للمرضى والأطباء ! .
حاول أن يتأكد من حالته الصحية فتفحص نفسه مبديا بعد التوتر بحركات يديه .وتأكد له أيضا أنه غير مربوط بتلك الأنابيب التي بثت في نفسه خوفا من الموت .اختفت مخاوفه من المرض بعد أن فحص نفسه كلية .قال و قد باغتته نوبة فرح مفاجئة كمن أحس بنفسه منفلتا من خطر مميت : "أنا بخير ،ولكن لازلت لا أفهم سبب تواجدي هنا " ..إستمرت وساوسه في التدفق :"إن كان هذا مستشفى أمراض عضوية ، فوجودي هنا يبعث فعلا على الضحك .أما إن كان هذا ..ماذا ؟!! ..غير ممكن! ..هل أنا ..مستحيل !..هل هذا مستشفى م.....! لا أصدق هذا " .لقد أرعبته هذه الكلمة الكابوسية ، إذ لم يستطيع نطقها من قوة الخوف منها .الجنون ، إنها كلمة ترتعش لها الأعصاب من قوة الخوف .تصور أنك تستيقظ يوما على حالة من التداعي و الفلتان الهستيري من أحاسيس العقل ، و تفقد السيطرة على الدماغ . وتصور أيضا كائنا بدون إرادة واعية وإدراك واع لما يفعله و ما سيفعله . إنسان فقد روابطه مع واقعه الخارجي ،و الإنسان الذي يدعي أنه مازال بعقل ، كائن إنفصل عن حاضره والمستقبل و الماضي أيضا ، كائن لازمني غير حامل لأي معنى في الوجود .أليس هذا مرعبا أيها السادة ؟!
نهض من سريره منهكا ، ليس لأنه مريض عقليا ، فهذا ما لم يتأكد منه بعد ، إذ مازال يعتقد ، في قرارة نفسه ، أن له كلمة على وعيه وإدراكه ، بل لأن رأسه مثقلة بوساوس ومخاوف مأساوية ، وقد تحولت إلى أشباح تثير ارتعاشات في جسده النحيف .ترجل من السرير ، ثم خطا خطوات متثاقلة خارج غرفته . إنه يتمشى جارا أرجله في ردهة المستشفى . أحس بثقل جسده أكثر ، وحنا رأسه فبدا أنه استسلم أخيرا للوهم الذي ينفخ في رأسه منذ ساعة . توهم نفسه مجنونا .أن تكون مجنونا ، فهذا قد يأخد منك قبولا مع الزمن ، أما أن تتوهم الجنون ، فهذا ما يسميه أطباء العقل بجنون الجنون في أقصى حالات جموحه .عبر ردهة المستشفى ببطئ، فرأى بابا يؤدي إلى الخارج ، ثم توجه نحوه .وصل الباب أخيرا ، فأسند جسده المتعب إليه ليستريح من عياء عام قد أصابه . أمامه حديقة المستشفى ،تتوسطها ساحة كبيرة ،و ممرات إسمنتية تؤدي إليها في شكل دائري أشبه بالناعورة.
ساحة الحديقة خاوية وهادئة إلا من بعض الطيور المزعجة . إستسلم لتعبه الجسدي والنفسي فانزاح مع الحائط عموديا نحو الأسفل ، فاتخد وضعية جلوس حشر فيها رأسه بين فخديه و شد ساقيه بيديه ، و الأرجح أنه قد نام . بقي هكذا دون حركة لمدة ساعتين تقريبا .إستفاق من غيبوبته أخيرا ، وأطل برأسه على الحديقة فإذا به يرى مشاهد غير مألوفة خارج المستشفى .الساحة مليئة بأشخاص قد نال منهم التيه، يلبسون بذلات زرقاء موحدة كتلك التي يلبسها السجناء عادة .. أيكون هؤلاء هم نزلاء المستشفى ؟! ..ثم يعود السؤال السابق ذاته ليزعجه :" هل أنا مجنون ؟ !... و من رمى بي في هذا المكان ؟"..إزدادت حالته سوءا ، وتصاعد لهاثه بقوة ، و أحس بقلبه يخفق بعنف ، وبدا وجهه أكثر شحوبا ، فهو لازال لم يصدق ما يقع له ..أهذا مجرد كابوس لم يستفق منه بعد ؟! ..الأمر مستبعد تماما ، فهو يبدو أكثر استسلاما للحقيقة كما يظهر من حالته الفيزيولجية .
سمع طقطقات حذاء تخطو من بعيد . تسمر في مكانه .أراد أن يقف ، لكنه آثر الجلوس ، لم يستطع النهوض . أصواتها تتصاعد أكثر مع الإقتراب ،هاهو الشخص ذو الطقطقات يظهر له في الردهة ، رجل بدين ذو لحية كثة ،و شعر متموج وغير ممشوط ،و عيناه منتفختان و بارزتان ، يلبس بذلة بيضاء ،يتمشى بتبختر و خفة ..فكر في حينه : "إما أنه طبيب أو ممرض هنا ، لكن ماذا سأقول له ، سوف أسأله بخصوص وجودي هنا ، هل أسأله بجنوني ؟ ..لا ليس الآن ..".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا