الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نجمُ الأُمّة الكرْدية يبزُغ في سماء المنطقة

منعم زيدان صويص

2015 / 6 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


في أعقاب التطورات التي صاحبت أحداث ما سمي بالربيع العربي برز الأكراد كقوة يعتد بها في المنطقة، وظهروا ككتلة متماسكة في ساحة التفتت والفوضى التي انتشرت في سوريا والعراق، وخاصة بعد وقوف المقاتلين الكُرْد في وجه التنظيم الذي يسمي نفسه الدولة الإسلامية، داعش، وأظهروا شجاعة وتصميما غير عاديين وحرروا مدينة عين العرب/كوباني من محاربي هذا التنظيم في بداية هذا العام بعد حرب طويلة، سجل فيها المحاربون الأكراد، نساء ورجالا، بطولات نادرة. واسم كوباني مشتق من كلمة (كومباني) لأن شركة ألمانية كانت تبني فيها محطة سكة حديد في بداية القرن العشرين، قبل نشوب الحرب الكونية الأولى ، وسميت المدينة لاحقا بعين العرب.

وكان آخر انتصارات القوات الكردية على هذا التنظيم الظلامي هو استيلاء المقاتلين الأكراد قبل أيام على بلدة تل أبيض على الحدود التركية السورية بعد أن هزموا داعش، وسيطروا على 400 كيلومتر من هذه الحدود، ومعنى هذا أنهم سيساعدون في منع المقاتلين الأجانب من العبور إلى سوريا، والذين لم تستطع القوات التركية منعهم، أو بالأحرى لم ترغب في منعهم، من التسلل للانضمام إلى داعش، وبذلك تجدد الأمل في أن يبدأ هذا التنظيم بالتراجع والضعف بحرمانه من الوقود البشري لنيران معاركه.

الأكراد، الذين يعيشون في منطقة تقع بين تركيا وسوريا والعراق وإيران، تضم حوالي 40 مليون كردي، لهم نفس الأهداف والأحلام ويشتركون في اللغة والتاريخ والطموحات، وعندهم شعور قومي جامح، وهم من أهل السنة بشكل عام وليس من المتوقع أن يقتتلوا كما يقتتل العرب في سوريا والعراق واليمن على أسس طائفية. فقد حاربتهم تركيا والعراق وإيران وسوريا وحاولت، كل على طريقتها وبوسائل عنيفة، منعهم من تحقيق أي نوع من الوحدة أو من الحصول على حقوقهم في نضالهم ضد الأنظمة غير الديمقراطية في هذه البلدان.

ومعظم الأكراد، سواء في تركيا أو العراق أو إيران أو سوريا، علمانيون في الاتجاه وكثير منهم يساريون أيديولوجيا، وهم يختلفون عن عرب العراق وسوريا من حيث الولاء فكلهم موالون للوطن الكردي، ولم تفسدْهم الطائفية التي تدمر الشعوب العربية الآن. فزعيمهم في تركيا، عبد الله أوجالان، زعيم حزب العمال الكردستاني ال (PKK)، النمْر في ثياب رجل، ماركسي الولاء. ومن المعروف أن خالد بكداش الكردي كان زعيما للحزب الشيوعي السوري منذ الثلاثينات حتى وفاته عام 1995، وفي تاريخ المشرق العربي برز قادة وأدباء أكراد وقواد عسكريون حاربوا الغزاة الأجانب ودافعوا عن الأوطان وأرض المسلمين. أشهر الشخصيات الكردية صلاح الدين الأيوبي الذي هزم الصليبيين في معركة حطين عام 1187 واسترد القدس وأقنع، حتى أعداءه الأوروبيين، بشجاعته ومروءته وحكمته، وربح احترامهم. لقد كان أحمد شوقي، الكردي الأب، أعظم شاعر عربي في العصر الحديث. أما مشاهير الأكراد ونوابغهم في جميع الميادين، في سوريا والعراق، فلا حصر لهم. الأكراد يتكلمون بلهجات مختلفة، كالصورانيه، والبهدنانية، والظاظائة، وغيرها، والفوارق بينها كالفوارق بين اللهجات العربية في الشرق العربي وشمال إفريقيا.

العراق هو الدولة الوحيدة التي منحت أكرادها نوعا من الحكم الذاتي، عندما اصدر الرئيس أحمد حسن البكر قانونا بذلك في عام 1974. ولكن أول تطور عملي أعطى الأكراد الأمل في أن يكون لهم كيان مستقل، فكان قيام الولايات المتحدة بفرض منطقة حضر جوي في شمال العراق بعد حرب الكويت، وخاصة بعد تواتر الأنباء أن الجيش العراقي استعمل الغاز السام ضد الأكراد، وخاصة في حلبجة، عام 1988.

وبفضل منطقة الحضر الجوي هذه، شعر الأكراد في العراق بالاستقرار وعاشوا شبه مستقلين، وبدأوا يطوّرون منطقة الحكم الذاتي الكردية. وبعد غزو العراق للكويت، فرضت أمريكا والغرب على العراق عقوبات اقتصادية قاسية، أنهكت الدولة والشعب العراقي، وعند الغزو الأمريكي عام 2003 كانت العراق على وشك الانهيار على أية حال. ولكن إقليم كردستان لم يتأثر بالغزو الأمريكي. ولم تترك أمريكا فرصة إلا واستغلتها لتنبيه تركيا والآخرين بأن المنطقة الكردية في شمال العراق تحت حمايتها. وخلال السنوات العشر الأخيرة، أصبحت أربيل، عاصمة الإقليم، مدينة حديثة ومنطقة سياحية مزدهرة، وبدأ الأكراد يبيعون النفط العراقي من منطقة الحكم الذاتي، رغم احتجاج الحكومة المركزية.

عاش الأكراد في هذا الجزء من العالم منذ آلاف السنين و كان لهم إسهاماتهم في حضارة المنطقة، على عكس الأتراك العثمانيين، الذين جاءوا غزاة من آسيا الوسطى، حيث كانوا يعيشون حياة بدائية، وأسسوا دولتهم بقوة السلاح في القرن الثالث عشر، ولم يضيفوا أي شيء ثقافي للحضارة الإسلامية، وشوهوا بتصرفاتهم صورة الإسلام في أوروبا لعدة قرون.

عندما قسّمت القوتان الاستعماريتان، بريطانيا وفرنسا، تركة "رجل أوروبا المريض" في أسيا العربية، في ما بينهما، حسب مخطط واتفاق سايكس-بيكو بعد الحرب العظمى، وخلقت كيانات في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين، لم تعتبرا، لسبب أو لآخر، الكرْد أمة فتركوهم بدون كيان لهم يسمونه وطن، وكان هذا من صالح الدول الأربع حيث يتركز الأكراد، ومنذ ذلك الحين استمرت محاولات الأكراد للاستقلال أو على الأقل للحصول على الحكم الذاتي، في إيران والعراق وتركيا وسوريا، ونتيجة للتعصب والشوفينية العربية والفارسية والتركية، لم تعامل أي من هذه الدول الأكراد معاملة حسنة ولم تلبي طموحاتهم المشروعة، وظل هدفها جميعا سحق أية حركة نهوض وتحرر كردية. لقد حرمت تركيا الأكراد من استعمال لغتهم في التعليم حتى وقت قريب، وكان إردوغان يأمل، قبل الانتخابات الأخيرة، أن لا يتمكن الحزب الكردي الرئيسي من شق طريقه إلى البرلمان، ولكن الأكراد خيبوا أمله وحصل الحزب على 13 بالمائة من الأصوات وتأهل لدخول البرلمان. كان بإمكان جميع هذه الدول استيعاب المواطنين الأكراد كجزء فعال منها، كما يحصل في الهند الديمقراطية، حيث تظهر العملة الهندية الورقية مكتوبة بثلاث عشرة لغة؟

والآن هل سنشهد في هذا العقد أو الذي يليه بزوغ كيانات، أو أمة كردية موحدة في سماء المنطقة؟ هل ستسمح تركيا، والعراق، وإيران، وسوريا، بدولة كردية متحدة تضم أجزءا من البلدان الأربعة، وهل ستتبنى أمريكا هذا المشروع؟ أعتقد أن نواة هذه الدولة قد تأسست في العراق، وأن دولة كردية أخرى ستظهر في شمال سوريا، ولن تستطيع العراق وسوريا، والحالة هذه، إيقاف تأسيس هاتين الدولتين أو محاربتهما في المستقبل المنظور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية


.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس




.. قبالة مقر البرلمان.. الشرطة الألمانية تفض بالقوة مخيما للمتض


.. مسؤولة إسرائيلية تصف أغلب شهداء غزة بالإرهابيين




.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في