الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مخطوطات عربية مسروقة

سميح مسعود

2015 / 6 / 23
الادب والفن



تُعرف المخطوطة بأنها النسخة الأصلية المكتوبة بخط يد المؤلف ، أو سَمح المؤلف بكتابتها بخط يد أحد تلاميذه ، أوما نُسخ من الأصل بخط أحد النُساخ ، والمخطوطات القديمة هي خلاصة التراث الإنساني وعصارة الفكر الأدبي والعلمي للأمم ، ولهذا تهتم باقتنائها المتاحف والمكتبات العامة والخاصة على مستوى العالم أجمع ، كمايتم تهريبها من الدول المالكة لها إلى كثير من الدول الغربية بطرق غير قانونية تُشرف عليها عصابات دولية منظمة ، تعمل على عرضها في قاعات مزادات مختصة بالأثاروالمقتنيات التراثية النادرة تمهيداً لبيعها بأسعار باهظة .

وتحظى الدول العربية بثروة زاخرة من المخطوطات النادرة خطها قدماء العرب بأيديهم قبل ظهور الطباعة العصرية ، أو خطها كتاب من غير العرب الذين مارسوا الكتابة باللغة العربية على مدى قرون طويلة ، في شتى مجالات العلوم والأداب والفنون والتاريخ والجغرافية والفلك وغيرها من مجالات المعرفة الأخرى ، وبهذا تعتبر المخطوطات التراثية العربية صورة معبرة عن كنوز معرفية ثمينة على درجة كبيرة من الأهمية للباحثين والمهتمين بنتاجات الحضارة العربية .

ولأهمية المخطوطات العربية كثر سُراقها على مدى القرون الماضية ، وكان العثمانيون أول من بدء بسرقة ألاف المخطوطات العربية التراثية النادرة وتهريبها إلى عاصمة " الدولة العلية "، ثم تواصلت السرقات عند احتلال الدول العربية من قبل بريطانيا وفرنسا ، في سياق سياسات مُحكمة تم بها وضع اليد على ألاف المخطوطات التراثية العربية وتهريبها بطرق غير مشروعة إلى المتاحف والجامعات والمكتبات العامة في باريس ولندن وأوكسفورد وكمبريدج ، والتباهي بها كجزء لا يتجزء من ممتلكاتها الثقافية وموروثها الحضاري .

ولم تنحصر السرقات في إطار الدول الإستعمارية فحسب ، بل امتدت واتسعت دائرتها لتشمل دول أخرى كثيرة غربية وغير غربية ، ساهمت باكبر عمليات إحتيال ثقافي في التاريخ طالت تداعياتها الدول العربية ، وذلك من خلال المستشرقين والرحالة والحملات والبعثات المختلفة التي ارسلت للبحث والتنقيب على آثار الدول العربية وبخاصة في مصر وسورية والعراق .

ولا أغفل في هذا السياق ذكر السرقات المنظمة التي تمت أثناء الإجتياح الأمريكي للعراق في عام 2003 ، و تم وصفها من قبل الصحافة العالمية بجريمة العصر ، حيث سرق من المتحف الوطني العراقي ومن المجمع العلمي العراقي والجامعات العراقية والمكتبات المركزية الاف التحف والمخطوطات الاثرية النادرة ، منها الأرشيف اليهودي ومخطوطة التوراة العراقية النادرة التي هي من بقايا الجالية اليهودية التي عاشت في العراق منذ القدم ، وقد خٌطت قبل مئتي سنة بحبر مصنوع من عصير الرمان المركز على جلد غزال ،ومنها أيضاً تعليق نادر لسفر أيوب نشر عام 1487 ، ومخطوطات قسم من كتب الأنبياء المنشورة في البندقية عام 1617 ، وقد سُربت كلها إلى اسرائيل ، وتم الاحتفال رسميا بوصول مخطوطة التوراة العراقية بعد أن تم ترميمها في الولايات المتحدة الأمريكية ، وقد غطت وكالات الأنباء العالمية تفاصيل الاحتفال بوصولها تل أبيب ، وسط حفاوة الأوساط السياسية والدينية والأثرية الإسرائيلية .

تتيجة كل تلك السرقات التي تواصلت على مدى قرون طويلة أُفرغت الدول العربية من اهم مخطوطاتها التراثية النادرة ، ووفقا لتقديرات مصادر كثيرة منها تقارير لمنظمة اليونيسكو تم سرقة نحو ثلاثة ملايين مخطوطة عربية نادرة ( منها مخطوطات مكتوبة على الرق ) محفوظة حالياً في عدد كبير من المتاحف والمكتبات الرسمية ، منها 150 مكتبة تركية (بما فيها مكتبة متحف طوب قابي سراي في اسطانبول ) ومكتبة المتحف البريطاني ، ومكتبة الكونغرس الأمريكية ، والمكتبة الوطنية الفرنسية ، والمكتبة الوطنية الألمانية ، ومكتبات جامعات أوكسفورد وكمبريدج ولندن وبرلين وميونيخ وليدن وفلورنسا وييل وهارفرد وبرنستون ومكتبة ألاسكوريال في مدريد وغيرها من المكتبات الاخرى على مستوى العالم أجمع .

ويمكن التعرف على المخطوطات العربية المحفوظة في هذه المكتبات ، من الأدلة والفهارس الرسمية الصادرة عنها ، ويُهمني في هذه العجالة التعرف على مقتنيات ثلاث مكتبات من خلال أدلتها وفهارسها هي : المكتبات التركية بما فيها مكتبة متحف طوب قابي سراي، ومكتبة المتحف البريطاتي ، والمكتبة الوطنية الفرنسية .

يُقدر عدد المخطوطات العربية النادرة المحفوظة في المكتبات التركية بنحو مئتي الف مخطوطة ، منها مصحف بالخط الكوفي يرجع إلى القرن الاول الهجري ( 47 هجري ) يُنسب الى الخليفة عثمان بن عثمان معروض للزوارفي مكتبة متحف طوب قابي ، ويتوفر في نفس المكتبة مصحف أخر يُنسب إلى علي بن ابي طالب ، إضافة إلى ستة عشر مصحفا كتبت باليد في القرون الخمسة الأولى الهجرية ، وهناك في المكتبات التركية 3200 مخطوطة في العلوم والعلوم اللغوية و الفقهية ، حصرها رمضان ششن في كتابه " نوادر المخطوطات في مكتبات تركيا " منها مخطوطة " عقد الجمان في تاريخ الزمان" في 24 جزءا للبدر العيني ، ومخطوطة " شرح ديوان المتنبي" لأبي العلاء المعري ، ومخطوطة " السلوك لمعرفة تاريخ الملوك " في أحد عشر جزءا للمقريزي ، ومخطوطة " نزهة المشتاق في اختراق الأفاق " للإدريسي ، إضافة إلى أكثر من ثلاثين مخطوطاً لقمر الدين الرازي ، وثمانية عشر مخطوطاً للسيوطي ، ومخطوطة مترجمة للعربية لأرسطو ، ورسائل مترجمة للعربية من أرسطو الى تلميذه الإسكندر ، ومخطوطة مترجمة للعربية بعنوان " تحرير أصول الهندسة " لإقليدس ، ومخطوطة "روضة العلماء في تاريخ الحكماء " للقفطي ، ومخطوطة " المعجم الأوسط " للطبراني ، ومخطوطة " المنتظم في تاريخ الملوك والأمم " بتسعة عشر مجلداً لابي الفرج بن الجوزي، ومخطوطة " عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات " للقزويني المزينة بعدد كبير من رسوم المنمنمات.

وتتوافرمثل هذه المخطوطات النادرة في مكتبة المتحف البريطاني أيضا ، وتشير أدلة وفهارس هذه المكتبة على وجود خمسة عشر الف مخطوطة عربية فيها ، تتضمن مخطوطات مصاحف تراثية منها نسخ مكتوبة على رقوق جلد الغزال ، ونسخة من القرآن مكتوبة بالخط الكوفي ومنسوبة الى علي بن ابو طالب ،كما يتوفر في نفس المكتبة أقدم مخطوطات في الرياضيات والطب وفي علم الفلك منها مخطوطة للبيروني ، ومخطوطات في الفنون العسكرية والموسيقى ، و20 مخطوطة من مخطوطات " ألف ليلة وليلة " ، وثلاث مخطوطات من " مقامات الحريري " ، و300 مخطوطة في المعاجم وفقه اللغة العربية ، منها مخطوطات كثيرة من القاموس المحيط للفيروزابادي ، و80 مخطوطة في قواعد اللغة العربية لابن الحاجب منها مخطوطة " الكافية " و" الشافية " ، ومخطوطة كتاب سيبويه في قواعد اللغة العربية ، ونسخة من " ألفية بن مالك " ، ومخطوطات دواوين شعر للمتنبي وأبو نواس وعبيد بن الأبرص الأسدي والطرماح بن حكيم الطائي ، و65 مخطوطة من مؤلفات ابن سينا في الفلسفة والطب ، و17مخطوطة من مؤلفات أبو نصرالفارابي الملقب بالمعلم الثاني بعد أرسطو.

ويلاحظ من منشورات المتحف البريطاني اهتمامه بتمجيد اللصوص الذين هربوا له مجموعات كبيرة من المخطوطات العربية ، منهم كلوديوس جيمس ريتش والكولونيل روبرت تايلر ووليم براون هوجسون وهنري ريتشارد وولسن بتج ، ويعتبر هذا الأخير من أشهرالرحالة الإنجليز ، كتب كثيرا عن رحلاته في الدول العربية ، وبين بافتخار قوائم وعناوين المخطوطات العربية التي سرقها وهربها الى مكتبة المتحف البريطاني.

وهناك مخطوطات عربية نادرة في المكتبة الوطنية الفرنسية في باريس ، لا تقل أهمية عن سواها من المخطوطات التي سبق ذكرها ، يبلغ عددها نحو عشرة الاف مخطوطة ، تم البدء في سرقتها مع حملة نابليون على مصر ، حيث تم نقل مكتبات بكاملها من القاهرة إلى باريس بطرق غير مشروعة ، منها مكتبة الأزهر ، ثم تواصلت سرقة المخطوطات العربية بشكل متواصل مع احتلال فرنسا للجزائر والمغرب وتونس ولبنان وسورية ، ولدى هذه المكتبة في الزمن الراهن مخطوطات من التفائس ، منها مخطوطات التصوف للغزالي وعبد القادر الجيلاني والنفريي وغيرهم ، ومخطوطات للقرآن مكتوبة على رقوق جلد الغزال، وعدة نسخ لكتاب الاشارات والتنبيهات لقمر الدين الرازي ، ومخطوطات في علم العروض والبلاغة والنحو العربي والمعاجم ، وكتاب كليلة ودمنة ، وكتاب الترياق لجالينوس ، وكتاب " الفوائد في أصول علم البحر والقواعد " لابن ماجد ، وثلاث نسخ لكتاب " مقامات الحريري "، أقدم كتاب أدبي عربي للقصص الصغيرة نسخها ورسم صورها الفنان يحيى بن محمود الواسطي .
هنا أجد نفسي مضطراً لطرح هذا السؤال: هل يمكن للدول العربية استرداد مخطوطاتها التراثية المسروقة ؟ وأجد الإجابة على سؤالي في إتفاقية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة " اليونسكو " لعام 1970، التي تحظر استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة ، ولكنها تنص على أن الحظرلا يطبق بمفعول رجعي قبل هذا التاريخ ، أي أن الامم المتحدة تبارك بصريح العبارة ماتم من سرقات متلاحقة للمخطوطات العربية وغيرها طيلة قرون خلت ، وبهذا تعترف بصورة غبر مباشرة بأن المخطوطات المسروقة عبارة عن ممتلكات خاصة بالمؤسسات المالكة لها في الراهن المعيش.

ويكشف هذا الوضع عن حقيقة التحدي الثقافي الغربي الحالي على أرض الواقع بنزوعه الإمبريالي الواضح ، واعتماده على القوة والهيمنة والقدرةعلى توظيف هيئة الامم ووكالتها لحماية موروث الامبريالية الثقافي ، وتحصينه وجعله جزء لا يتجزا من ممتلكات الثقافات الغربية الأوروبية والأمريكية الحديثة ، في وقت تظهر به الدول العربية والدول النامية عاجزة عن مقابلة التحدي الغربي الثقافي في كل مجالات الحقول المعرفية والخصوصيات الثقافية .

ولدرء أخطار التحدي الثقافي الغربي يستوجب على الدول العربية العمل في اتجاهين متوازيين : أولهما أن تعمل على تحقيق شراكة فعالة مع الدول الصاعدة بهدف تنمية قواها الذاتية على الصعيد الدولي ، بما يساعدها على إجراء تعديلات على اتفاقية اليونسكو السابق ذكرها ، وصياغة قيم ومعايير جديدة دولية تساهم في حماية الموروث الثقافي لدول العالم ، والتصدي للسيطرة والمصادرة القصرية للأثار والمخطوطات التراثية ، وثانيهما محلي تعمل من خلاله الدول العربية على إيقاف عمليات تهريب الآثار والمخطوطات التراثية ، بتشديد العقوبات القانونية الصارمة على المهربين، وإيقاف بيع قطع الآثار والمخطوطات التراثية المسروقة في المزادات العلنية العالمية .

وبعد ، فلم يكن هدفي من هذا النص سوى إبراز أمرين إثنين : أولهما أن للعرب ثروة من المخطوطات التراثية المسروقة يصعب استرجاعها ، والمطلوب من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ( اليكسو ) أن تقوم بجمع فهارس تلك المخطوطات وتسجيلها الكترونياً في روابط ، و تعميمها على المكتبات والجامعات العربية لتسهيل الاستفادة منها من قبل الباحثين العرب ، وثانيهما ، أن سرقة المخطوطات العربية ملازمة للهيمنة الامبريالية ، وهي ممارسة تاريخية ما زالت تقوم بها الدول الغربية في صيغ وتأويلات جديدة تناسب العصر... وهي بهذا تؤكد على إزدواجية المعايير التي تتقنها في ممارسات إستعلائية ، لأنها من جانب تسرق الموروث الثقافي للغير ، ومن جانب أخر تصدر القوانين والاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف من أجل حماية ممتلكاتها الثقافية.

.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم


.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع




.. هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية