الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظاهرة التسول في المجتمع الفلسطيني

محمد أيوب

2005 / 10 / 8
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


انتشرت في العقد الأخير ظاهرة غريبة على المجتمع الفلسطيني هي ظاهرة التسول ، فقد بدأت هذه الظاهرة بشكل محدود ، حيث بدأ بعض الأطفال والنسوة في التجول في الأسواق وهم يسألون المارة أو أصحاب المحلات التجارية بمد يد العون لهم ، وقد كان البعض يحملون تقارير طبية تشير إلى أن لدى المتسول مريضا يحتاج على علاج ، أو أن لديه أيتاما يعولهم وهم بحاجة إلى المساعدة ، وقد كان البعض يستجيبون فيقدمون ما تجود به أنفسهم ، خصوصا وأن المجتمع الفلسطيني تعرض لنكبات ومصائب أضرت بأسر كثيرة ، فقد فقدت بعض الأسر من يعيلها بسبب الموت أو الاعتقال أو أي سبب آخر ، ولكن ظاهرة التسول لم تتوقف عند هذا الحد ، فقد تطورت هذه الظاهرة بحيث أصبح التسول يتم باستخدام سيارات تحمل مكبرات الصوت وتطالب المارة بأن يجودوا بما يستطيعون لبناء مسجد هنا أو مسجد هناك ، في جباليا أو في رفح ، ويؤكد المتكلم على أنه ما نقص مال من صدقة ، ليقوم المارة بوضع ما يجودون به في صندوق مغلق له فتحة ضيقة .
ترى كيف يمكن التأكد من أن الأموال التي يتم جمعها تذهب في الاتجاه الصحيح وأنها لا تذهب إلى جيوب من يقومون بعملية جمع الأموال ؟ وما الذي يضمن شفافية هذه العملية ، وهل يجوز أن يساء إلى الشهداء عندما تطرح أسماؤهم في معرض مطالبة المارة بالتبرع لبناء هذا المسجد أو ذاك ، وهل يجوز أن تبنى المساجد بهذه الطريقة التي تسئ إلى الإسلام والمسلمين ، من حق المتبرعين أن يتساءلوا عما إذا كان من يقوم بجمع هذه التبرعات تابعا لجهة ما ، أو أنه يحمل ترخيصا بجمع هذه التبرعات ، وما هو دور الشرطة والجهات المختصة في وضع حد لهذه الظاهرة خصوصا وأن صوت مكبرات الصوت تشوش على طلاب المدارس المجاورة أو المستشفى المجاورة ، لأن من يجمع هذه التبرعات يقف فترة طويلة في المكان الذي يتكاثر فيه الناس .
من حق المواطن أن يتساءل : من المسئول عن بناء بيوت الله والإشراف عليها ؟ وما هو دور وزارة الأوقاف في هذا المجال ؟ أم أنه من حق كل إنسان أن يوفر سيارة ومكبر صوت ليقوم بجمع التبرعات بحجة بناء مسجد هنا أو مسجد هناك ، لابد من تنظيم عملية بناء المساجد والإشراف عليها حتى تتوقف ظاهرة جمع التبرعات باسم بناء المساجد ، فالمساجد بيوت الله ، والله في غنى عن صدقات تجمع باسمه من أناس قد يكونون في أمس الحاجة إلى ما يدفعونه ، والمساجد بعد ذلك هي مكان يجتمع فيه المسلمون كل المسلمين ، ولم تكن المساجد في يوم من الأيام مساجد حزبية تابعة لهذا التنظيم أو ذاك بحيث تستغل منابرها لخدمة هدف ضيق لهذه الفئة أو تلك ، من المحزن حقا أن نجد أنّ مساجدنا أصبحت مثلها مثل أعمدة الكهرباء والتليفون وجدران المنازل التي تطل على الشوارع ، فقد بتنا نرى عبارات على جدران هذه المنازل مثل عبارة خاص بتنظيم كذا أو جماعة كذا ، ولا يستطيع صاحب المنزل أن يعترض أو أن يتفوه بكلمة ، وكأن جدران بيته أصبحت ملكا للآخرين ولا سلطان له عليها إلا في حالة دفع الغرامة التي كان الاحتلال يفرضها على صاحب البيت بسبب الشعارات المكتوبة على جدران بيته ، كما يتم إلزامه بمسح هذه الشعارات مما يعرضه للمساءلة من طرف من كتبوا هذه الشعارات بحيث أصبح المواطن بين شقي رحى .
وقد كان من الممكن أن يعفى المواطن من هذا المأزق لو أن الفعاليات النضالية كتبت في بيان يتم توزيعه بكميات كبيرة بحيث يصل إلى الجميع دون أن يتعرض أي مواطن للمساءلة من هذا الطرف أو ذاك ، وبحيث نحافظ على نظافة مدننا وجمالها ، لكن عادة الكتابة على الجدران استمرت حتى بعد التوقيع على اتفاقيات أوسلو ، بل إن هذه الظاهرة تكرست واستفحلت ، والغريب أننا صرنا نبحث عما يفرقنا بدلا من البحث عن القواسم المشتركة التي تجمعنا حولها وتقوي أواصرنا بحيث ننصهر في بوتقة واحدة هي بوتقة الشعب الفلسطيني والأمة العربية ، فقد نجحت الانتفاضة الأولى في عام 1987م في تحجيم الظاهرة القبلية بحيث كادت تتلاشى ، ولكن هذه الظاهرة عادت إلى الظهور بعد توقيع اتفاقيات أوسلو ، وقد رافقتها ظاهرة أشد إيلاما هي ظاهرة القبلية السياسية ، فقد تحولت تنظيماتنا المناضلة إلى قبائل سياسية تعتمد على الولاء بدلا من الاعتماد على الكفاءة وبناء الفرد فكريا وسلوكيا ، مما نشر ظاهرة التعصب الحزبي ونصرة الحزب ولو كان على خطأ .
لابد لنا جميعا من وقفة مع الذات ، سلطة ومعارضة ومواطنين لإعادة بناء المواطن الفلسطيني على أسس سليمة لنجعل منه مواطنا صالحا ، ولنجتث كل الظواهر السيئة في مجتمعنا وفي مقدمتها ظاهرة التسول ، وهذه مسئولية وزارة الشئون الاجتماعية ووزارة الأوقاف والسلطة الوطنية الفلسطينية التي يجب أن تلتزم بتوفير أسباب الحياة الكريمة لكل مواطن محتاج بدلا من أن يلجأ هذا المواطن إلى التسول للحصول على الضروريات اللازمة لاستمراره على قيد الحياة .











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو تعزيزات أمنية مكثفة في كاليدونيا الجديدة • MCD


.. المغرب: حملة -تزوجني بدون مهر-.. ما حقيقتها؟ • فرانس 24 / FR




.. كأس أمم أوروبا 2024: ديشان يعلن تشكيلة المنتخب الفرنسي.. ما


.. هل تكسر واشنطن هيمنة الصين بالطاقة النظيفة؟




.. سكان قطاع غزة يعانون انعدام الخيام والمواد الغذائية بعد نزوح