الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار المغربي و التعليم أم التعليم بدون يسار؟

محمد هالي

2015 / 6 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


يبدو أن قراءة مقال حسن اللحية المعنون ب"اليسار المغربي و التعليم" يحتاج إلى وقفة تأملية و مراجعة شاملة لما حدده الرفيق من مواقف قد تبدو منطقية على المستوى الظاهري لكن مجموعة من القضايا تبدو خفية و تحتاج إلى تعريتها و توضيحها، لهذا يعد هذا المقال كنظرة تعالج المسألة التعليمية من وجهة نظر الذات التي تدغدغ قضايا أساسية في مسألة تهم كل مجتمع ألا و هي التعليم، لكن التوقف عند اليسار كمكون أساسي للإجابة عن معضلة خارج سياقه، أي خارج سياق اليسار لأنه لم يطلب منه موقفا لصياغة إيديولوجية خاصة بالتعليم، و لن يطلب منه ذلك، مادامت المنظومة التعليمية في أي بلد تعبر بالملموس عن إيديولوجية الطبقة السائدة المسيطرة طبقيا، كيف سيصغ اليسار برنامجا تعليميا مرفوضا، و حتى لو صيغ خارج مؤسسات الدولة كمحاولات اقتراحية فهي تبقى من منطلق رفضها المسبقة غير خاضعة للتطبيق أصلا، لهذا تبقى خاصية الرفض للبرامج المسطرة في التعليم من طرف الدولة و مؤسساتها هي أحسن وجهة يسارية و لو بصيغتها الرافضة و المحتجة، لأنها هي الصيغ الأوفر لكل التوجهات اليسارية المختلفة في المغرب، مع التحفظ على كلمة يسارية لما تحمله من معاني مختلفة، و ربما اللحية قد قدم دلائل تبين ذلك، أما الكتابات الفردية من طرف اطر مختصة و أكاديمية و لو بصيغتها المعارضة آو تنظيمات يسارية فهي متوفرة و موجودة منذ ظهور اليسار إلى حدود الآن، يمكن الاطلاع على كتابات الجابري في هذا المجال ، و المقالات الموجودة في جريدة المناضلة الالكترونية، و غيرها. و هذا الحق حق طبيعي من وجهة قائمة الرفض التي يتسم بها اليسار، و هذا ما يستطيع القيام به في هذه اللحظة، آو في اللحظات السابقة أما البحث الأكاديمي فهو أصلا غير مسموح له به للقيام بذلك، و يحتاج إلى جهد نضالي طويل، لكن في الواقع الحالي المتوفر التي أصبحت تزدهر فيه التيارات الرجعية و الشوفينية، و استمرار الاستبداد السياسي و الاقتصادي في العالم العربي، الذي تنطبق عليه الأطروحة التي صاغها غوته [30] أثناء الثورة الفرنسية وضدها، والقائلة أن الفوضى التي يخلقها النضال ضد الظلم هي أسوأ من الظلم ذاته (ارنست ماندل) يجد اليسار نفسه محرجا من هذا الواقع المقيت و المريض و يسعى للبقاء في آليات الرفض هذه كصوت يدغدغ الأحاسيس المتبقية لتعلن صرختها من كل القضايا و من ضمنها التعليم.
لهذا يمكن أن نتوقف على النقط التالية التي ربما ستحفز صاحب المقالة على البحث على الأسباب الحقيقية التي تجعل اليسار المغربي خارج سياق منظومة الإصلاح، منذ تاريخ المغرب الطويل، و الذي أشارت إليه المقالة السابقة :
1 – إن حسن اللحية، أو النسر المحلق الفايسبوكية و هذا اللقب الأخير يحمل شحنة يسارية مادام هذا الاسم من اقتراح لينين و الذي لقب به على استحقاق روزا لوكسومبرغ، يبقى كروزا لوكسومبرغ مفكرا، مشاغبا، و مشاكسا، و يثير بشغبه هذا قضايا مهمة لعلها تثير انتباه كل متبصر، لمراجعة مجوعة من القضايا بدأت تظهر معالمها خصوصا في مجال الإخفاقات المتعددة التي وصلت إليها كل الإصلاحات المطبقة في مجال التعليم، و التي انعكست سلبا على وعي التلميذ و المربي في آن واحد، مما جعل الإحباط المستشري في كل ميكانزمات الهرم التربوي، و هذا التخبط تتحمل فيه القسط الأوفر الدولة التي أصبحت عاجزة على توفير تعليم جيد يخدم أبناءنا في المستقبل، مما سيؤثر لا محالة على مستقبلها العلمي، و ما يوفره لها من إحراج أمام المنظومة الدولة، من خلال تقديم شواهد فارغة المحتوى لا أفق عملي يرجى منها و ربما بيان اللحية الأخير يجسد هذا بالملموس (بيان من اجل إلغاء شهادة الباكلوريا)...)، مما جعل التعليم ينتج عقولا" مضبعة" و "مكلخة" بامتياز.
2 – أن سياسة "التضبيع" و "التكليخ" هذه، لم تأت من فراغ بل هي جاءت نتيجة سياسة ممنهجة و واضحة هدفها الأسمى هو ضرب مجانية التعليم و التخلص من عبئه بناء على توصيات خارجية مملاة (صندوق النقد الدولي و البنك العالمي) ، لهذا أصبح التعليم نخبوي،في الأساس، طبقة تعلم أبناءها في أرقى المدارس، و المعاهد، و طبقة لا يصلها من التعليم إلا فتاته.
3 - من هنا لم يجد اليسار بدا مما قاله اللحية في مقاله:" إن تاريخ الإصلاحات في المغرب كما سبق و بينا في إحدى مقالاتنا (تاريخ الاصطلاحات في المغرب منذ 1956 إلى اليوم) تبين أن اليسار كانت له ردود فعل متفاوتة تجاه كل إصلاح من تلك الإصلاحات، كما تتفاوت تلك الردود من توجه يساري إلى آخر." لأن من يملك السلطة هو الذي يملك حق صياغة إيديولوجية المنظومة التعليمية و أمام هذا الوضع لم يبق له سوى" أن (اليسار المغربي) رفع شعارات ضمن خطاباته عن التعليم تتمثل في دمقرطته و تكافؤ الفرص فيه و وجوب شعبيته و جماهيريته و تعميمه ...إلخ." و هل بإمكانه أن يصنع منظومة لا يرجى منها خيرا رغم هي الخير الأسمي لأبنائنا، تكفي شهادة المقال لتبين مدى عمق التضحيات التي قدمها اليسار في هذا المجال"، مما ترتبت عنه أعداد كبيرة من الشهداء و السجناء و المعتقلين الذين قدمهم اليسار من أجل مطالبه سواء داخل الجامعات أو غيرها من المؤسسات التعليمية؛ غير أن هذه التضحيات الجليلة و الكبيرة كانت أقوى بكثير من التنظيرات السياسية و الفكرية و الأكاديمية في التعليم ، و هو اللاتوازن الذي سيسم تاريخ اليسار المغربي في علاقته بالتعليم بين التظاهر والاحتجاج والتضحيات من جهة، و التنظير الفكري من جهة ثانية". و يكفي كذلك" سيسجل التاريخ أن اليسار المغربي كان وحيدا إلى جانب الجماهير التلاميذية و الطلابية والمنظمات الجماهيرية و التنظيمات اليسارية و العمالية كالكدش ( في فترات تاريخية معينة) في مواجهة الإصلاحات المطروحة منذ 1956 إلى اليوم ، فلم يسجل التاريخ يوما أن أحزاب اليمين أو الإسلاميين رفضوا الإصلاحات أو دخلوا في أشكال نضالية ضدها". لان هذا هو الأفق الذي يمكن أن يصل إليه اليسار، هو الرفض و عدم القبول و الاحتجاج، لا شيء آخر يمكن القيام به.
4 – هذا لا يعني إهمال ما طرحه اللحية من قضايا تفرض على "اليسار" التفكير فيها، و جعلها من ضمن أولوياته ، لكن "اليسار المغربي" لم يصل بعد منذ نشوءه إلى مستوى قوة اقتراحية، لأنه تشكل عبر تنظيمات ضعيفة، إن لم نقل لم يتبقى منه سوى نخب منعزلة جماهيريا، تحمل شحنة معرفية يسارية، و لم تجد قاعدة جماهيرية ترتكز عليها لتجيب على كل قضايا المجتمع، و من ضمنها التعليم ، فما قاله اللحية صحيح" إن غياب البحث و الفكر الأكاديمي و التخصصي في الأحزاب و النقابات و الحركات و التنظيمات اليسارية بعامة تترتب عنه عدة معضلات ". لكن هنا يثير مجموعة من الإشكالات عن أية نقابات يتحدث: هل عن نقابات متبقرطة قياداتها منفصلة عن قطاعاتها، أم عن أحزاب "يسارية"يمينية المنحى و الايدولوجيا" أم عن تنظيمات يسارية صغيرة منعزلة جماهيريا غالبية أطرها من الطلبة، و بعض النخب المنعزلة أصلا. لهذا عندما نتحدث عن اليسار يجب التوقف عن برنامج هذا اليسار آو ذاك من كل القضايا، و التعليم من ضمنها. إن ضعف اليسار ينعكس على ضعف التأطير، و الاقتراحات، لهذا يبقى" العجز عن اقتراح البدائل في أي قطاع ، و هو ما يحدث في قطاع التعليم ، بحيث أن جل المنظمات و الأحزاب و النقابات أضحت تردد ما تقوله الدولة أو الوزارة في التعليم". لأن القوي هو الذي يفرض مقترحاته. لهذا لن نجد بدا من القول:" فاليسار الذي يسوق لمشروع مجتمعي بالقول لا يدرك أي مدرسة و لا أي جامعة يريد فعلا ، و ليست له تصوراته التربوية و التعليمية و الفكرية و المعرفية لوظائف المدرسة اليوم، و الدليل على ذلك هو انحسار أفقه فيما تطرحه الوزارة في كل شيء شيء، و أن اجتهادات جمعياته و فاعليه في النوادي و الجمعيات التربوية الحقوقية أو لنقل بالإجمال الأنشطة المناسباتية ليست إلا علامة على أزمته و ربما نهايته".
5 – و يمكن التأكيد إن الحزب اليساري القوي هو بمثابة دولة موازي للدولة المشكلة ، له إجابات على كل القضايا المطروحة، انه مشروع اجتماعي جديد، يجيب عن مشروعه السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي، و هذا المنحى غير متوفر في يسارنا الحالي، بل هناك إرادات، و مقترحات فردية منعزلة، كما هو الشأن في مقالة اللحية حسن، لكن لم تجد يسارا منظما قويا يستطيع فرض مثل هذه الإرادات على ارض الواقع، يتجلى هذا في أن غالبية أحزابنا يمينية ليبرالية بمسميات عدة، و لا تعدو إن توظف مصلح اليسار للتمويه و التضليل، و أما تنظيمات صغيرة منعزلة غير مسموعة كما هو الشأن في انهج الديمقراطي و تيار المناضلة، و هذا لن يسمح ببلورة اقتراحات قوية كما أرادها الرفيق حسن اللحية، و من الطبيعيأن يبقى " انعدام الأفق اليساري بالنسبة لليسار ذاته في التصورات التعليمية ، فهذا اليسار المحتج هنا و هناك وهنالك لا يستطيع أن يقدم قراءات يسارية اقتراحيه للتعليم ، أي أن اليسار يختزل ذاته في الشعار و يساير الدولة و الوزارة في تصوراتها ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ثلاثة قتلى إثر أعمال شغب في جنوب موريتانيا • فرانس 24


.. الجزائر: مرشحون للرئاسة يشكون من عراقيل لجمع التوقيعات




.. إيطاليا تصادر طائرتين مسيرتين صنعتهما الصين في الطريق إلى لي


.. تعازي الرئيس تبون لملك المغرب: هل تعيد الدفء إلى العلاقات بي




.. إيران .. العين على إسرائيل من جبهة لبنان.|#غرفة_الأخبار