الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأزمة اليونانيَّة ثمرة السياسات الليبراليَّة

فهمي الكتوت

2015 / 6 / 27
الادارة و الاقتصاد


أفشلت الاحتكارات الرأسمالية مفاوضات اللحظة الأخيرة الخميس الماضي.. المفاوضات الماراثونية التي بدأتْ منذ 5 أشهر؛ بين الفريق اليوناني، ورؤساء المؤسسات الدائنة -المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي ووزراء مالية مجموعة اليورو-بهدف الوصول لاتفاق يسهم بترحيل الازمة، والإفراج عن حزمة التمويل الثالثة 7.2 مليار يورو؛ لتمكين اليونان من الوفاء بالتزاماتها تجاه صندوق النقد الدولي، وتسديد القسط الذي يستحق في نهاية يونيو الحالي 1.5 مليار يورو. مارست دول مجموعة اليورو ضغوطا غير عادية لابتزاز اليونان، الهدف منها كسر البرنامج الاجتماعي للحزب اليساري اليوناني. وفرض برنامج التقشف التي تتبناه مجموعة المؤسسات الدائنة وتحميل الشعب اليوناني أعباء تفوق طاقاته وقدراته الاجتماعية. وهي بمثابة رسالة لدول أخرى منها اسبانيا والبرتغال بمعاقبة من يحاول الخروج عن نهج الليبرالية الجديدة، واملاءات صندوق النقد الدولي.
ومن جانبها، حاولتْ الحكومة اليونانية تفادي انفجار الازمة؛ بالتخلف عن سداد ديونها فقدمت اقتراحات تشمل فرض ضرائب جديدة على الأثرياء ورجال الأعمال وعلى بعض السلع بعضها تمس عامة المواطنين. لإنهاء حالة الجمود التي وصلت اليها المحادثات مع الدائنين. وعلى الرغم من ترحيب وزراء مالية مجموعة اليورو، إلا أنَّ صندوق النقد الدولي رفض المقترحات اليونانية بهدف انتزاع مزيد من التنازلات، مستغلا الظروف الصعبة التي تمر بها الحكومة اليونانية، وإظهار فشلها أمام الشعب اليوناني بالتمسك ببرنامجها الذي اوصلها الى الحكم، وخلق ازمة سياسية تمهد الطريق امام اسقاط الحكومة. ووضعها امام خيارين احلاهما مر: اما التضحية ببرنامجها، واما الانسحاب من مجموعة اليورو وتعريض اليونان للإفلاس.
في حين تباينت الآراء حول الآثار المحتملة لفشل المفاوضات؛ فمن جهتها عبَّرت الحكومة اليونانية عن قلقها من احتمالية الفشل والوصول الى طريق مسدود، خشية من التداعيات المحتملة. فقد جاء في تقرير البنك المركزي اليوناني المقدم للبرلمان الأربعاء الفائت 17 يونيو أن فشل اليونان في التوصل إلى اتفاق مع الدائنين سيقود حتما إلى خروج اليونان من منطقة اليور. كما شدد التقرير على ضرورة التوصل إلى اتفاق مع شركاء اليونان في المنطقة، لمواجهة المخاطر التي ستلحق بالاقتصاد اليوناني بصورة مباشرة من جراء ذلك، وبصفة خاصة تخلف اليونان عن سداد التزاماتها، وهو ما يعد إعلانا بالإفلاس من الناحية الفنية.
وفي المقابل، شهدتْ اليونان مظاهرات حاشدة شارك فيها العمال والمتقاعدون وأعضاء النقابات التي يقودها الحزب الشيوعي اليوناني الثلاثاء الماضي 23 يونيو مطالبين الحكومة بسحب مقترحات التقشف وإعادة معاشات التقاعد إلى مستويات ما قبل الأزمة، متهمين الحكومة بالتراجع عن ثوابت برنامجها. وتتضمن مقترحات الحكومة اليونانية زيادة ايرادات الخزينة على حساب ذوي المداخيل المتوسطة والمرتفعة، مما يزيد من دخلهم السنوي عن 50 ألف يورو، ورفع الضريبة على الشركات "المحدودة المسؤولية" من 26% حاليا الى 29%. وفرض ضريبة استثنائية مقدارها 12% على الشركات التي يزيد قيمة أعمالها عن نصف مليون يورو سنويا، وزيادة الضرائب على الممتلكات الفخمة (سيارات فارهة، منازل ذات أحواض سباحة، طائرات، يخوت) ورفع الضريبة على القيمة المضافة برفع الحد الأدنى 6% باستثناء الأدوية والمواد الغذائية، وإبقاء الضريبة على القيمة المضافة ضمن معدلاتها 13% على الخدمات و23% على البضائع.
أما الخيارات المتاحة؛ فالأطراف الدائنة لن تسمح لليونان بالتخلف عن تسديد ديونها مع الاحتفاظ بعضوية منطقة اليورو، خشية من تشجيع دول أوروبية أخرى ان تحذو حذوها، كما ان دفع اليونان نحو الخروج من منطقة اليورو وتعريضها للإفلاس اخر الخيارات التي يمكن اللجوء اليها، بسبب التداعيات الخطيرة التي تترتب على ذلك، ليس على اليونان وحدها بل على الأسواق المالية عامة. رغم انتهاء محادثات الخميس الماضي دون التوصل إلى اتفاق للخروج من أزمة الديون، الا ان المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تؤكد ضرورة التوصل إلى اتفاق قبل الاثنين المقبل؛ فالضغوط التي تمارسها الجهات الدائنة تهدف بالدرجة الأولى إلى دفع الحكومة اليونانية إلى التراجع الى الحد الأقصى.. والى ما قبل الهاوي!
... إنَّ المخرج الحقيقي لأزمة اليوناني يكمن بوقف سياسة الابتزاز وتجويع الشعب اليوناني، وفرض سياسات التقشف. ومنح اليونانيين حق اختيار سياساتهم الاقتصادية والاجتماعية بعيدا عن تدخل صندوق النقد الدولي ومؤسسات الاحتكارات الأوروبية، ومحاكمة الطبقة اليونانية الفاسدة التي أوصلت اليونان لأزمات خطيرة. وشطب الديون المتراكمة على اليونان التي أسهمت بتفاقم الازمة الاقتصادية وإفقار الطبقة العاملة وتآكل الطبقة الوسطى، وتعريض جيل من المتقاعدين اليونانيين للإذلال والتسول، ممن أفنوا حياتهم في بناء الاقتصاد الوطني، مقابل ان تحصد حفنة من الأثرياء في العالم لا تتجاوز نسبتها الواحد بالمئة نصف ثروة الارض. "هناك طريقان لقهر امة؛ الأولى بحد السيف، والأخرى عن طريق الديون" (جون آدامز 1735-1826).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أخبار الساعة | رئيس الصين يزور فرنسا وسط توترات اقتصادية وتج


.. الاقتصاد أولاً ثم السياسة .. مفتاح زيارة الرئيس الصيني الى ب




.. أسعار الذهب اليوم الأحد 05 مايو 2024


.. رئيس مجلس النواب الأميركي: سنطرح إلغاء الإعفاءات الضريبية عن




.. ملايين السياح في الشوارع ومحطات القطار .. هكذا بدا -الأسبوع