الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاولة الاستئناس في تونس بحزب -سيريزا-

هيثم بن محمد شطورو

2015 / 6 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


يبدو ان ما تـقـدمه التجربة اليونانية اليوم هو ليس بما يراد تحجيمه في كونه متغير سياسي مفاجئ و بالتالي طارئ، و انما هو من الممكن جدا ان يكون فاتحة من قـلب اوربا النابض نحو خلق عالم جديد ينقـلب على الكهنوت الراسمالي. فالحبكة الاساسية تـتمثل في صعود التيار اليساري المتمثل في حزب "سيريزا" عن طريق الآلية الديمقراطية الى السلطة بالاغلبية التي تحقـق له الحكم. و من المعلوم ان امريكا اللاتينية كانت السباقة في ذلك، و لكن الاشعاع العالمي للتجربة يكون اقوى حين يكون في اوربا. اليسار الثوري ينصهر في اللعبة الديمقراطية و يكتسح مؤسسات السلطة ليقلب اتجاه الحكم نحو جوهر الديمقراطية بما هي حكومة شعبية تحقق حكم الشعب للشعب، و ليس الديمقراطية الراسمالية التي تحقـق حكم البورجوازية المافيوية للشعب.
هذا ما تـفـضل الاستاذ مرتضى العبيدي بتبيانه من خلال محاضرته التي نظمتها التـنـسيقية النسائية للجبهة الشعبية بصفاقس مساء السبت في 27 جوان 2015. و هذه السنة لها وقع انقلابي على مستوى العالم مثلما ذكر الاستاذ المحاضر. فـصعود "سيريزا" لدفة الحكم في اليونان اعطى ثـقة المجتمع المدني في المدن الاوربية و غيرها في الشعب و في امكانية صعود القوى اليسارية الى الحكم عن طريق الآليات الديمقراطية.
فالانتخابات البلدية في اسبانيا حقـقت انتصارات كبرى للقوى اليسارية، كما ان الانتخابات التشريعية الاخيرة في تركيا اسفرت عن انتصار لحزب شعوب المواطنين في ان يحرز نسبة تـفوق 13 في المئة، و هو امر غير مسبوق في تركيا، اضافة الى الاوضاع في ايطاليا و البرتغال المرشحة بدورها لفوز الاحزاب اليسارية المتكتلة.
و تجدر الاشارة الى ان هذه الاحزاب اليسارية في اصولها قد انشقت عن الاحزاب الشيوعية التي عرفت جمودا ايديولوجيا و حركيا، و الغريب في امر اليونان ان حزب سيريزا دعا الحزب الشيوعي الى التحالف الا ان هذا الاخير رفض ذلك برغم الاشتراك في طرح عدة قضايا، و لكن يبدو ان المسافة الفاصلة بين حالة الجمود و حالة الحركة هي التي منعت مثل هذا التحالف. فالاحزاب اليسارية الجديدة تشتغل على النظري من خلال الحوار و العمل في اطار الاختلاف، و من خلال النظر الى الواقع و الانصهار فيه و تحريكه من داخله. فحزب سيريزا اليوناني قام بما اسماه الاستاذ المحاضر بعملية انغراس في الاحياء الشعبية، و قام باعمال التضامن الاجتماعي و التماهي مع المطالب و اللغة الشعبية، و هو امر كانت تحتكره الكنيسة و الحزب اليميني الفاشي المسمى بـ"الفجر الذهبي". و في هذا دلالة على الحركية و التفاعل اللغوي و النضالي مع الشعب.
اضافة الى ذلك فالشعب اليوناني شعب يخلق اساليب احتجاجه المختلفة. فقد ظهرت حملة عدم دفع فواتير الكهرباء و الماء و انصهر فيها حزب سيريزا بل انه تـزعمها. و قام الشعب بالتضامن في عدم الخروج من البيوت التي طالبت البنوك بافتكاكها لعدم القدرة على سداد القروض و كان امر الحزب ان أطر هذه العملية و شجعها. و ذكر الاستاذ المحاضر ان الحزب دفع باحد شيوخه الذي ناضل ضد النازية و المعروف بصاحب العلم الذي اسقط العلم النازي من الاكروبول و رفع العلم اليوناني، برفع قضية ضد المانيا لمطالبتها بدفع التعويضات عن الخسائر المادية الكبرى التي الحقها الاحتلال النازي باليونان في الحرب العالمية الثانية.
و من المؤكد ان الاستاذ المحاضر حاول ان يخلق الرابط بين حزب "سيريزا" و بين "الجبهة الشعبية" في تونس، حين تطرق بسرعة الى بعض المتـشابهات و الاختلافات كذلك، الا انه وجه خطابه نحو الاستـئناس بتجربة سيريزا فيما ذكره مع التلميح الى اختلاف وضع الجبهة و اختلاف تونس. الا ان المقارنة تصب في اتجاه افضلية وضع الجبهة من حيث انها تاسست على ارضية واضحة كجبهة سياسية، اما سيريزا فقد تاسس كمنتدى حواري بين المنشقين عن الحزب الشيوعي و غيرهم من المثـقـفين. فسيريزا الى حد اليوم منقسم بين من يطالب بالخروج من الاتحاد الاوربي و عدم دفع الديون و بين من يطالبون بالتمسك بالاتحاد الاوربي و ايجاد طريقة لاعادة جدولة الديون و هو الشق الذي يمثل الاغلبية و لكنها اغلبية طفيفة في حدود الواحد و الخمسون في المئة. كما تعرض الاستاذ مرتضى الى تبيان الاختلافات الكبرى داخل سيريزا الا انهم مجمعون على التمسك بالحزب الذي يوصف بكونه حزب الاختلاف داخل الوحدة. و هذا ما يجب على القوى اليسارية ان تحذو حذوه لان من طبيعة الاحزاب اليسارية هي الاختلافات الفكرية لانها مكونة من نخب مثـقـفة تـشتغل على الافكار و البرامج، و لكن ما يجعلها قادرة على ان تكون كيانا سياسيا قويا لا يكون الا عن طريق الوحدة بالاختلافات الموجودة. و هذا ما يشكل تناقضا جوهريا مع اليسار القديم الذي يفرض الخطية و الالتزام. و بالتالي فان مشكلة اليسار في ذاته قبل ان تكون في خارجه و لا يمكن له ان يتجاوز ازمته و بالتالي ان يكون فاعلا في الاطار الديمقراطي الا بالعمل و هو محمل بتعدديته و اختلافاته التي قد تصل الى حد التـناقض..
و بعد انتهاء المحاضرة التي اجمع الجميع حول فائدتها الكبرى و اضافتها القيمة، خرج الجميع و هم يذكرون كلمة شهيد الجبهة الشعبية و زعيمها و شهيد القوى الثورية العربية و الانسانية المناضل الصلب "شكري بالعيد"، حين كان يردد دوما ان مشكلة اليسار انه كان يبحث عما يجعله مختلفا بعضه عن بعض و اليوم يجب التفكير فيما يجمع البعض بالبعض في اطار التعـددية و الاختلاف. و من هنا فاليسار الجبهوي هو ليس مجرد فاعل ثوري في الحياة الديمقراطية بل ان جيناته و آلياته الداخلية هي ديمقراطية و بالتالي فالثـقة في كونه عنوان للديمقراطية و ضامنا لها ستـقـشع الفكرة السائدة في شموليته و دكتاتوريته..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أولينا زيلينسكا زوجة الرئيس الأوكراني. هل اشترت سيارة بوغاتي


.. بعد -المرحلة الأخيرة في غزة.. هل تجتاح إسرائيل لبنان؟ | #غرف




.. غارات إسرائيلية على خان يونس.. وموجة نزوح جديدة | #مراسلو_سك


.. معاناة مستمرة للنازحين في مخيم جباليا وشمالي قطاع غزة




.. احتجاج طلاب جامعة كاليفورنيا لفسخ التعاقد مع شركات داعمة للإ