الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجزائر بين خياري الدولة الحديثة، أو الإمارة الإسلامية .

صالح حمّاية

2015 / 6 / 29
مواضيع وابحاث سياسية



يتصاعد الحديث في الجزائر منذ فترة ليست بالقصيرة حول رغبة الحكومة في تنصيب مفت عام للجمهورية الجزائرية، وقد صرح الوزير محمد عيسى وزير الشؤون الدينية وبهذا الخصوص بـأن " تعيين مفتي عام للجمهورية ومفتي لكل ولاية سيتم بعد التعديل الدستوري" وهذا من باب " استحداث مرجعية دينية وطنية موحدة " كما يقول (جريدة البلاد 2015-06-26) ، ونحن ومن هذا المنطلق نطرح السؤال البديهي الذي يفرضه طرح هكذا الطرح : ما هو تصور الحكومة و النظام و جميع أجهزة الدولة من محكمة دستورية وبرلمان لصفة هذا المفتي ، وما تصور هذه المؤسسات لدوره و صلاحياته و مهامه ؟ لأنه إذا قيل لنا أن دور هذا المفتي هو الإفتاء للدولة فيما هو حلال و ما هو حرام، فنحن نسأل : وما قيمة الدستور و المحكمة الدستورية هنا ؟ فكما هو معروف في كل الدول، فالدولة تعود في جميع قراراتها للدستور و للمحكمة الدستورية لتنظر في طبيعة الخيارات التي تريد تنفيذها، فإذا كانت دستورية فهي مباحة ، وإذا كانت غير دستورية فهي ملغاة، فهل الجزائر اليوم مقبلة على وضع سلطة كهنوتية فوق سلطة الدستور ؟

الشيء الأخر، ولنقل أن المفتي لا يريد أن يشرع للدولة ما هو الحلال وما هو الحرام، وانه يريد أن يشرع هذا للشعب فقط ، فالسؤال هنا كذلك : وما دور البرلمان إذن ؟ أوليس البرلمان هو الذي يسن القوانين التي يلتزم بها المواطن ، ويقر ما هو المباح و ما هو الممنوع ؟ فالمعلوم أنه في أي دولة حديثة ، فالمواطن يحاسب على الإخلال بالقانون ، وليس على الإخلال بالدين ، فهل مثلا لو أفتى لنا هذا المفتي إذا تم تنصيبه بحرمة ترك الصلاة ( وهذا أمر بديهي وحتمي كما هو الدين الإسلامي ) فهل ستقوم حينها أجهزة الأمن بإلقاء القبض على تاركي الصلاة ، أم أنها ستتركهم لأن هناك قوانين تحمي حرية الإعتقاد ؟

عموما واضح هنا أننا بصدد خلل جوهري في مفهوم الدولة التي ندار بها ، و كما يبدو فمن يسير نحو وضع مفت للجمهورية من داخل النظام هو غير مدرك تماما للكارثة التي سيؤدي بها هذا القرار على طبيعة الدولة الجزائرية بشكلها الحالي ، فتنصيب مفت للجمهورية هو في أبسط الأحوال نقض لفكرة الدولة الوطنية الحديثة، ونقض كذلك لفكرة الديمقراطية ، فالمفتي إذا كان سيحدد للدولة الخطأ و الصواب، فالأحرى إذن بالدستور أن يرمى في سلة القمامة، فما الفائدة من دستور لا يتم الرجوع إليه !؟ أما إذا كان هو سيحدد للشعب الخطأ و الصواب، فهنا الأحرى بالبرلمان أن يستقيل او يلغى من الأساس بالمرة ، فما فائدة برلمان لا يشرع !؟ .

الأمر الآخر وهو الأهم: وما مصير الجمهورية بعد تفعيل هذا القرار ؟ فكما هو بديهي فإذا تم تنصيب مفتي ليكون صاحب الحل و العقد في الدولة ، فصفة الجمهورية الديمقراطية الشعبية التي كافح من أجلها الشعب الجزائري منتفية بالضرورة، فهذه الدولة لم تعد جمهورية السيادة فيها للشعب ، بل صارت إمارة إسلامية يقودها مفت من وحي سلطة كهنوتية سرمدية وهذا طبعا إعدام للدولة بالمفهوم الحديث ، وهنا وحتى لمن قد يرد لتبرير هذه الكوارث : أن دور هذا المفتي ليس الحكم بل هو فقط الإرشاد بحيث يفتي للشعب الجزائري في أمور دينه بعيدا عما يسميه الوزير محمد عيسى "الفتوى الدخيلة" و الخروقات للمرجعية الدينية الوطنية" فالسؤال الباقي هو : وما مصير حرية الاعتقاد التي ينص عليها الدستور ؟ فأليس الدستور ينص على حق كل مواطن في اختيار دينه ومعتقده ، وبالتالي حق كل جزائري في الأخذ بالفتوى التي يريد ، أو الدين الذي يريد ، أو حتى حق الإلحاد ؟ فما مصير هذه القضية .

الشيء الأخر ولمن قد يردون أن هذا الأمر ضروري من باب ان تلك الفتاوى تضر الأمن العام ومنه وجب ردعها ، فسؤالنا هو : وماذا تفعل أجهزة الأمن في هذه الحالة ؟ أوليس المفروض على أجهزة الأمن مراقبة من يخرق القانون ، فأي دولة حديثة لا يهمها ما تؤمن به كمواطن ، لكن يهمها هل خالفت القانون أم لا ، وبالنسبة للفتاوى الشاذة كما تسمى فليس من حق الدولة دستوريا التدخل في خيارات الناس ، فإذا اتبع شخص فتوى سلفية أو شيعية أو حتى شيطانية فهو حر ، لكن المهم أن لا يخالف القانون لكون القانون هو السيد وليس الدين !

عموما لا أعتقد شخصيا أن أي من الأسئلة التي سألت سيرد عليها، لأنه وكما نرى فالخلل ليس في قضية تنصيب المفتي ذاته ، بل الخلل في إنهيار مفهوم الدولة الحديثة داخل دواليب الدولة ذاتها ، فاليوم وللأسف النظام الحاكم في الجزائر لا يتصرف من منطلق فهم رصين لمعنى الدولة الحديثة وماحولة صيانتها ، بل هو يسير في مسار تنازلات ينحو نحو تأسيس إمارة إسلامية ، وهو الأمر الذي بدا مع دستور 96 و لا يزال ساريا إلى يومنا مع ميثاق المصالحة و ما لحقه ، وعليه فرايي الشخصي أنه لا أمل ، ولأدلل على هذا فيكفي أن نرى ما جرى في قضية القروض بفائدة التي كانت محط جدل قبل شهور ، فالحكومة في تلك القضية وحين قررت منح الشباب قروضا للعمل بها ، خرج عليها التيار الديني بتحريم تلك القروض ، و الحكومة وبدل أن تسير في نهج الدولة الحديثة (أي بالاهتمام بما هو قانوني ، وليس بما هو حرام وحلال ) ذهبت وانصاعت لفكرة الحلال والحرام التي طرحها التيار الديني ، و من نتائج ذلك ، كان ما نراه الآن من مطالب بمفتي الجمهورية ، فهذا المفتي المرجو تنصيبه عما قريب من المنتظر منه ان يفصل في قرارات الحكومة بأنها حرام أو حلال ، وطبعا وبما أننا نعرف الشريعة الإسلامية و تعاليمها ، فالمؤكد أن الدولة الجزائرية وبما بقي فيها من شبه الدولة الحديثة ، فكلها ستزول ، وستضطر الحكومة مستقبلا إما للانصياع الكامل للمفتي الذي نصبه وتحويل الجزائر إلى إمارة إسلامية كما أرادت الجبهة الإسلامية ذات يوم ، وإما هي ستطيح به وتعود إلى عهدها السابق بالترقيع والترقيع المضاد مع الإسلاميين .

لهذا فالخيار في الجزائر اليوم هو بين أمرين : إما دولة وطنية بالمعيار الحديث تقوم على أن القانون هو الفيصل و أن السيادة هي للدستور ، و إما إمارة إسلامية من عصور الظلام ، بلا ضوابط ، وبلا قيم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ومن سيحدد ظهور القمر وبدء رمضان
مروان سعيد ( 2015 / 6 / 29 - 19:05 )
تحية للاستاذ صالح حماية وللجميع
هل يجوز من حضرتك برفض تعين مفتي ومن سييتحمل هذه المسؤلية العظيمة ببدء وانتهاء رمضان وحسب ظهور القمر اتتحمل هذه المسؤلية
وقبل فترة كانت تقطع الكهرباء بسوريا طالبنا تعيين بدل وزير الكهرباء وزير الشمعة لما نستهلكه من شموع
وناتي للجد ان الحكام العرب يحتاجون لدعم ديني يثبت وجودهم ويعطيهم حق شرعي ويخرج فتاوي لصالح الكماء كما حصل مع المسيحيين بالعصور الوسطى
وبما ان النسبة العظمى من العرب مؤيد الدين الاسلامي ومؤمن حتى النخاع سيسهل امور الحاكم عبر فتاوي دينية
واذا نظرت للدين الاسلامي مثله مثل كيس الساحر ماذا تريد موجود يحلل الحرام ويحرم الحلال وكله بثمنه
والله يعين الفهمان واتذكر قول الشاعر
ان ذو العقل يشقى في النعيم بعقله واخو الجهالة بالشقاء ينعموا
ومودتي


2 - الجزاءر امارة اسلامية
Jugurtha bedjaoui ( 2015 / 6 / 29 - 23:39 )
تحيةعاطرة خونا صالح كما اريد ان انوه بأشياء اظنها غابت عنك وانت صاءم في هاد الجو الحار جدا جدا ؟لا تبالي٠-;-٠-;-٠-;-٠-;- هل نسيت قبل شهرين عندما حرموا على الجزاءر دخول السوق العالمية بسبب الخمور واخيرا قبل اسبوع رءيس مجلس الامة يرفض قانون البرلمان الدي شرع قانونا يعاقب الرجل على ضرب زوجته ؟ ونسيت الجامعة التي تخرج دكاترة في الرقية الشرعية = الجامعة موجودة بغليزان وكلفة خزينة الدولة الملايير في انتظار الجامع الاعظم الدي يتولى تخريج الدواعش بعد حين انت فين واحنا فين الجزاءر امارة اسلامية مند المصالحة المزعومة بين النظام و اخوانه



اخر الافلام

.. شبح -الحي الميت- السنوار يخيم على قراءة الإعلام الإسرائيلي ل


.. الحركة الطلابية في الجامعات : هل توجد أطراف توظف الاحتجاجات




.. جنود ماكرون أو طائرات ال F16 .. من يصل أولاً إلى أوكرانيا؟؟


.. القناة 12الإسرائيلية: إسرائيل استخدمت قطر لتعمّق الانقسام ال




.. التنين الصيني يفرد جناحيه بوجه أميركا.. وأوروبا تائهة! | #ال