الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وهم الأندماج .. ومستقبل حوار الثقافات

فاروق سلوم

2015 / 6 / 30
الادب والفن


مرت أكثر من ستين عاما وبلدان اللجوء الأوربي تستقبل اعدادا غفيرة من اللاجئين ، وتحاول ان توفر لهم البنى التحتية والدوائر المتخصصة التي تنظم تفاعلهم وتشغيلهم الممكن واندماجهم في مجتمعات اللجوء في دول اوربا .
غير ان النتائج المتوقعة من دعاوى الأندماج وتقريب سلم القيم المتبادلة والتفاعل المشترك لم تبلغ مستوى يمكن قياسه او دراسته او اظهاره كنتائج موصوفة . بل ان موضوع الأندماج بعد كل هذه السنوات بقي قضية اهتمام ثقافي فردي محدود نجح بعض الأشخاص في استيعابه او تحقيقه فيما اتسعت الشقة الجماعية وكبرت رقعة المناطق المغلقة على ثقافة اللاجئين وطبائعهم ومعتقداتهم بعيدا عن المجتمعات المضيّفه في دول اللجوء .
وهنا سوف يقول اكثر من قائل " ان مجتمعات اللجوء مجتمعات مغلقة وعنصرية ولاتمتلك ايمانا يشبه ايماننا ولا عادات تقترب من عاداتنا " الى اخره من الجمل المكررة ، التي تعكس سوء فهم لمعنى الأندماج الذي اعنيه هنا . ان الأندماج هنا، هو عملية تفاعل بين الأفرادوالمجموعات تقوم على احترام الهوية المتبادل واحترام الخصوصية وتكريس عناصر التقارب الأنساني الممكن من خلال اتباع قواعد الحياة وقوانينها المرعية واخلاقياتها في دول اللجوء وتحاشي التطرف والتشدد والأنغلاق او اية وسيلة من وسائل التمرد او القطيعة.
وقد اظهرت التجارب ان الأندماج ليست عملية نمطية ، كأن توضع مجموعات من المهاجرين في قاعات لدراسة اللغة او الحوار مع معلمين او مدربين من المجتمع الجديد ونظن ان استجابتهم هي النتيجة المعبرة عن اندماجهم او اقترابهم من مجتمعات دول اللجوء، بل ان بيوتهم وعوائلهم وثقافتهم المنقولة والمهاجرة هي التي تحسم انحيازاتهم لمجتمعم الضيق في الأحياء والضواحي .
ان الأندماج عملية تربوية اولا ثم انها اختيار شخصي وتقصيات وبحث وتقارب بين الطرفين اللاجيء والمُضيّف من خلال النشاطات العامة التي تتوفر برامجهاواعلاناتها في مكتبات المدن وبرامج التلفزيون والصحافة وهي غالبا مهرجانات ثقافية وحفلات موسيقية واحتفالات عامة واعيادفي المدن وعطلات ورحلات مشتركة . اذ ان مفهوم الأقتراب والصداقة والعلاقات الأجتماعية لايقوم هنا على لقاءات مطولة في المقاهي او سهرات او دعوات متبادلة بسبب طبيعة المجتمع الذي يدم العمل ثم مفهوم الزمن المختلف .
والمعروف ان اللاجيء لا يحمل حقيبته الصغيرة فقط حين يهاجر بل يحمل معه عقيدته وثقافته وافكاره وارثه الطويل من المحددات والممنوعات والمسموحات والمحرمات . بل يأتي مهاجرا وهو يحمل كل احتمالات التنازع والأختلاف ليقيم وسط مجتمعات عبرت مراحل كثيرة من الصراعات والحروب وفترات طويلة من الحوار الذاتي والنقد وتحليل معنى الحياة على الأرض واحكام السماء وحولتهما الى قوانين تفاعلية تسند الحياة الفردية والأجتماعية وتعزز الفرص المفتوحة للأجتهاد و الأبداع فيها في اطار القوانين والأخلاقيات والألتزام والذوق . وكل ذلك يشكل سلسلة مفاجآت للاجيء تجعله اكثر ميلا للأنغلاق وسط مجتمعات اللادجئين المغلقة حماية لنفسه ولعائلته كما يظن .
وكنت يوم 29 مايو ايار 2015 قد قرأت مقالة في عدد جريدة " افتونبلاديت السويدية" الصادر في نفس اليوم ، بقلم الناشطة " صليحة داغلي – Zeliha Dagli " بعنوان " لم استطع بعدُ ان اكون ذاتي هنا – Jag kan inte lä-;---;-----;---ngre vara mig sjä-;---;-----;---lv hä-;---;-----;---r " وفيها تشير الى انها منذ ثلاثين عاما اضطرت للهروب الى من حكم الملالي ورجال الدين في ايران حيث شهدت في قريتها الصغيرة كل تلك الأحكام المحددة للمرأة والظالمة لمكانتها ثم جاءت هنا في السويد لتقيم في اوبسالا ثم تنقلت الى عدد من الأحياء حتى استقرت في " هوسبي " .. ولكنها يوما بعد يوم اصبحت تواجه في احياء اللاجئين التي سكنتها من قبلُ وفي هوسبي اليوم اكثر من تلك المحددات والممنوعات والمحرمات التي تضيّق الخناق على المرأة من قبل مجموعات اصولية او دينية او طائفية .
بل انها ترى انها لاتستطيع ان تشارك السويديين من النساء والرجال جلسة في مقهى او حفل في نادي بسبب نظرات الرجال اللاجئين كما لاتستطيع ان تذهب للسباحة او دعوة احد زملاء عملها الى لقاء حر في بار او مقهى .
وحين كتبتُ لها اطلب المزيد من المعلومات والأفكار حول مقالتها قالت : انني كنت اعني في مقالتي انني ربما سأعيد طلب اللجوء في السويد الذي احمل جنسيته لكي يجدوا لي مكانا اعيش فيه كلاجئة ثانيةً حيث يمكن للمرأة ان تعيش وتعمل وتأخذ عطلاتها وتدعو عائلتها الى الأماكن العامة والمسابح والمطاعم دون ان يكون هناك من يمارس دور المعممين والخطباء والدعاة في قمع ارادة الحرية والعيش بشكل سلس يقترب ممايعيشه الناس عموما في بلدان اوربا دون مضايقات او تهديد او تخويف " وتابعت تكتب " وبرغم وجهات النظر المختلفة حول مقالتي الا انني احذّر من هيمنة التيارات المتشددة التي يتبادلها اطراف وطوائف ومتدينين في محاولة السيطرة على مجتمعات اللاجئين وحصر مفاهيم الحرية والحلال والحرام في اطارها الضيق الذي يحول الحياة الى سجن كبير" ..
واستطيع هنا ان اعيد القول بعد دراسة عدد من التجارب الفردية والجماعية ان فشل الأندماج وتحوله الى وهم ماهو الا دليل متقدم يمكن دراسته لبلوغ الأسباب التي ادت الى فشل حوار الثقافات والديانات الذي بدأ منذ اكثر من عقدين من الزمان بين امم الشرق والغرب، ذلك الفشل الذي كان نتيجة ان اطراف الحوار تتبادل الهواجس في ان يكون كل طرف يريد اخضاع عقائد الطرف الآخر لما يحمله ويؤمن به وايقاعه في دائرة "الحرام " وهي الكلمة المفتاح التي تهيمن على مجتمعات اللجوء واحيائهم وبيوتهم ودياناتهم المحافظة وحواراتهم الضيقة مع الآخر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من المسرح لعش الزوجية.. مسرحيات جمعت سمير غانم ودلال عبد الع


.. أسرة الفنان عباس أبو الحسن تستقبله بالأحضان بعد إخلاء سبيله




.. ندى رياض : صورنا 400 ساعةفى فيلم رفعت عينى للسما والمونتاج ك


.. القبض على الفنان عباس أبو الحسن بعد اصطدام سيارته بسيدتين في




.. تأييد حكم حبس المتسبب في مصرع الفنان أشرف عبد الغفور 3 سنوات