الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


? الدنيا , اشتعلت نار

احمد مصارع

2005 / 10 / 9
الادب والفن


قبل أن تغيب الشمس , كنت قد حللت ل (ستيفان ) والذي أدعوه محبة (سطيف ) بعض المسائل في الهندسة الاقليدية , كان ستيفان تلميذا نجيبا في المرحلة المتوسطة , وهو الوحيد لأمه صوفيا الكاثوليكية , المتصوفة حقا , الأرملة المترهبة , التي هجرت كل ملذات الحياة , بعد أن مات زوجها العامل والذي كان يعمل في منجم للفحم, في ليلة شتائية ثلجية جمدت حياته حين لم يعد بسبب ثمالته العميقة , ووقوعه العنيف من على أحد السلالم المعدنية المتحركة على الدوام , وذلك في العاصمة المجرية بودابست .
كانت أشعة الشمس مضيئة في بودا , بينما بست تتوشح بالظلال , وانقسم نهر الدانوب الأزرق إلى بحيرتين فالضفة اليمنى لبودا تشع كالمرايا اللازوردية بينما الضفة اليسرى ل(بست ) مكفهرة بين الضياء والظلام , حين خرجت مع ستيفان متجهين نحو بودا , فلقد كلفته أمه أن يصحبني معه إلى القمة , حيث توجد هناك قلعة كبيرة , وفي داخلها يوجد فرقة شعبية تعزف أنغاما تراثية راقصة ,تذكر بالفولكلور الشعبي ,
في مزيج شرقي وغربي و لاتيني وتتاري وتركي , ألماني وسلا في وتركي وهناك ومع نشوة النبيذ الأبيض وجدت نفسي أرقص مع الراقصين بفرح , انه كرنفال من الألوان الزاهية والملابس التقليدية في جو من المرح والضحكات الطفولية , حتى أنني نسيت مظلتي هناك ,ففي كان ستيفان يذكرني بذلك .
- أنت تجيد الرقص يا أستاذ , ولكننا نسينا المظلة .
وأرد عليه معاتبا : بابني , لقد كنت منتشيا من الخمر , أما أنت فما لذي استفدنا ه من صحوك ؟
ويقول : حسنا ضاعت , لقد كان المطر منعشا .
ولا أنسى توصيته بأن لا يداعب الكلاب التي تهاجمنا أثناء العودة للمنزل , حيث تركض نحوه كلاب المنازل , وحين يقرفص على الأرض تمد له أعناقها ليداعبها, كصديق حميم لها , بينما كنت احسبها ستنهش من لحومنا , لشراسة هجومها , أو من شدة الشوق ؟
لقد كنت سعيدا بالحياة مع هذه الأسرة الصغيرة , وأيام الدراسة تنقضي سراعا , ولا يوجد سوى ناقوس واحد حزين كان يرافقني هو العودة في ساعة متأخرة من الليل , عادة , ومقدار حرصي على أن لا يصدر عني أي صوت أو حركة , يقلق راحة النائمين .
كانت الراهبة صوفي , قد صعدت فوق طاولة لتعلق ستائر غسلتها بعناية , فوقعت , وانكسرت يدها اليمنى , ولم تتماثل للشفاء بعد , حين رن جرس الهاتف :
:- أهلا أبو جاسم ...
_ أرجوك اسمعني جيدا , أنت مسافر غدا للشرق ؟ أرجوك أن تقابلني في فندق ( الأكواريوم ) فلي عندك طلب خاص , أنتظرك .
في النادي الليلي جلسنا , حين قدمني لأستاذة الفلكلور والتراث الشعبي , قائلا :
- ستكون رفيقتك في السفر إلى الشرق , ولا ادري إن كنتما ستعودان سوية ؟
- سأمكث هناك أسبوعا واحدا .
- اتفقنا , إنها صدفة جميلة , ولكن أتعرف ماهو المطلوب منك ؟
- ما يطلبه السائح ؟!
- نعم ولا , فقط أريدك أن تريها الأزياء الريفية , وتعرفها عن كثب بالعادات والتقاليد وكل ما يتعلق بالثقافة الشعبية , فهذا من اختصاص الأستاذة كاترين .
قلت : أنا أريد أن افهم شيئا واحدا , هل تجيد الأستاذة كاترين الرقص .
ضحكت , وسألت إن كنت أريد البرهان , وشدتني من يدي نحو المرقص , ولم يخلصني هتافي , بأنني لا أفقه من الرقص حرفا واحدا, وفوجئت , فلم تكن مدهشة وخبيرة وحسب , ولكنها كانت محل إعجاب واحترام الجميع
ومعروفة بمواهبها الفنية .
. **************
وصلنا للبلدة الكبيرة , وحين ينتقل المرء من الغرب للشرق مسافة بعيدة , خلال ساعات , ينتابه الشعور المقلق والمفرح في نفس التيار , فالمكان ليس واحدا , والزمن ليس واحدا , في عالم من الأكيد أنه واحد .
من عزيمة على الغداء , ومن سهرة لأخرى , كانت الأستاذة تحدثني عن أشياء كثيرة تستحق الاهتمام , فكم صورت وكم كتبت من ملاحظات , ولم نكن نمتلك الوقت الكافي للحديث عنها .
وقبل عودتنا بيوم واحد , دعينا لحضور عرس في القرية , فقلت لها لقد وقعنا على صيد ثمين , فالليلة سترين عرسا على الطبيعة مباشرة , فاستعدي , فهناك ستهاجمك دفعة واحدة التقاليد والعادات والملابس والرقص والغناء والموسيقا, وقد ترقصين أو تدبكين معهم , فامتلأ صدرها فرحا .
حين وصلنا للعرس ليلا, عبر الظلام , إلا من بقعة العرس المضاء بمافيه الكفاية , وكان الحفل في بدايته , وكنا من بين الجالسين القلائل , فالدبكة معقودة , الطبل يلعلع والزمارة تئن , والربابة تصدح , الأيادي متشابكة في حلقة كبيرة نساء ورجالا , في حلل ريفية زاهية , ومع خبط الأقدام على التراب المرشوش بالماء , فقد كانت زوبعة عالية من الغبار الثقيل تتصاعد للأعلى , والتنفس ثقيل , والمغني في وسط الساحة يرقص حينا ويرقص أخرى على الأنغام المطربة ,
( الولد بالعسكرية , هو يبعثها رسائل و وهي تبعث له الهبرية ), والهبرية هنا المنديل , ( بين العصر والمغرب مرقت سيارة بيضاء , عرفت من نمرتها , سيارة المحبوب ...).
كانت الأستاذة الهنغارية منهمكة بالتصوير , وتسجيل الأصوات , والحركات , وأنواع الأزياء والوشم , وكان كل شيء يهتز ويتراقص كالأضواء المعلقة على أغصان الأشجار المقطوعة حديثا والمغروسة بالتراب , لأن الأسلاك كانت تهتز من الهواء وخبط الأرجل , وهي حين تخفت حينا في لحظات العتابا والموليا , فإنه سرعان ما يشتد الراقصين طربا وتعلو أصواتهم مع ( شوبا ش لفلان , وألف تحية لفلان , ومن والى ...) , وترتفع الزغاريد والهلاهل بقوة فظيعة , لتزيد الراقصين حماسة ,ما يهمني في هذه الحفلة الصاخبة , أن الأستاذة لا تطالبني بترجمة كل ما نسمعه , فهذا ما سيحدث فيما بعد , بعد أن نعود لهنغاريا , وسأترك الأمر ل( أبو جاسم )
فهو الخبير بريف البلدة الكبيرة .
كنت جالسا أو غاطسا على كنبة اهترأت ( راصوراتها ) , أراقب فتحة متهدمة في الجدار الجانبي للمنزل ,وفجأة انطلقت أصوات العيارات النارية , مدوية ومع الهلاهل والصراخ , انفجرت خيوط الكهرباء , واشتعلت النيران فكونت حريقا صغيرا , واندفع حشد كبير أين نحو الفتحة الوحيدة للجدار , ولكن أكثر ما أثار انتباهي ذلك الرجل الذي أمسك برداء زوجته وطرحها خلفا حتى وقعت , وانكشف شيء من عورتها :
كان يقول - يا روح ما بعدك روح .
كانت الفرصة مناسبة للعودة , قبل أن يلتم شمل العرس ثانية , فانطلقنا بالسيارة بعد دقائق , وفي الطريق شاهدت احدهم يركض بقوة , وعلى بعد أكثر من كيلومتر عن مكان العرس , فسايرته وهتفت به :
- إلى أين ياعبيان ؟ لم تركض ؟.
فرد بصعوبة :- الدنيا اشتعلت نار بالقرية , بالعرس , بالعرس رصاص ونار وحريق ...
قلت له ساخرا - الآن بينك وبين القرية كيلومتر يا رجل !.
أجاب :- حقك , فأنت لم تشاهد الدنيا وهي تشتعل نار .
قلت له معنفا -( ياول) ارجع للقرية , الإنسان لا يهرب من البركان أو الطوفان والزلزال كل هذه المسافة .
توقف عن العدو , ولإشباع فضول الأستاذة الهنغارية المنشغلة بترتيب أدواتها ,وكنزها الفلكلوري الثمين , شرحت لها نقطة هامة جدا , فبعض الناس بالريف يمارسون رياضة العدو الليلي الفلكلورية , وحين نخبرهم بوجود عرس بالقرية , فإنهم يفضلون حضور العرس على ممارسة رياضتهم المفضلة .
لقد ظل ( أبو جاسم ) يضحك كثيرا , من حكاية القرية التي اشتعلت نارا, وكلما التقينا في فندق الأكواريوم على ضفاف الدانوب الأزرق في بودابست , ويلح على معرفة المزيد من التفاصيل .
احمد مصارع
الرقه - 2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي - عن الفيلم -ألماس خام- للمخرجة الفرنسي


.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية




.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي


.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب




.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?