الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مانفع المهرجانات

رشيد برقان

2015 / 7 / 2
الادب والفن


لست ضمن جوقة الرفض لكل مظاهر الحداثة، ولو كانت شكلية، ولكني أدافع دوما عن النظر العقلاني غير المتحيز للظواهر، وعن ضرورة التعامل مع الظواهر بمنطق الربح والخسارة. ومن هذا المنظار أدعوكم إلى طرح السؤال معي. في ماذا تفيدنا المهرجانات.
نظريا تعتبر المهرجانات ظاهرة احتفالية واكبت النزوع نحو الاحتفال بإنجاز تفوق ما على الطبيعة أو على الآخرين، وهي بهذا الاعتبار إثبات للهوية، ودفاع عن تصور للعالم يضع الذات في مركزه، ويدافع عن الذات باعتبارها قوية فاعلة تستحق الريادة والتتويج. وهكذا نجد في ذاكرة المهرجانات حكايات وأساطير تتوّج بإبداع أشكال احتفالية تشع الفرح والحبور، وتعزز تقدير الجماعة لذاتها.
ومع تنامي مجتمع الاستهلاك، وضرورة خلق مناصب شغل، ولو كانت ثانوية، ومع تنامي ظاهرة التسييح كذلك، وإيجاد فضاءات للاستهلاك والجري وراء المتع والعيش الرغد، بدأت تتسابق مجموعة من المؤسسات والمدن والدول في خلق فضاءات تلبي حاجات هذه الفئات، وتتسارع نحو اجتذابها، ولعل المهرجانات أحد عناصر الجذب والاستقطاب في هذا المجال.
وعمليا أحدثت ظاهرة المهرجانات في المغرب وفق رهانات متعددة ومختلفة بحسب تصورات القائمين عليها أو المتعاطفين معها أو الرافضين لها، وقد تراوحت بين الرغبة في إشاعة الفرح الساذج وإلهاء العموم، من وجهة الدوائر القائمة عليها. وبين التطلع إلى ترسيخ قيم الحداثة والمواطنة من وجهة بعض المثقفين المتنورين الذين يحملوأ من الأحلام أكثر مما يتأبطون رؤى واقعية، على اعتبار أن الموسيقى والرقص ومجمل أشكال التعبير الحداثية لها فعل قوي في ترسيخ قيم المواطنة وتعزيز قيم الحداثة والانفتاح وسط الشباب.
والآن، وبعد أربع عشرة سنة من المهرجانات القائمة على حساب المال العام، والمقتطعة من ضرائب عموم المغاربة، ماذا ربحنا من هذه المهرجانات؟
لاشيء. لا تزال القيم المهيمنة داخل المجتمع هي التي تحمل مسحة محافظة بشكل صارخ، ولاتزال قيمة التسامح مهجورة عندنا، ولاتزال أشكال التعبير عندنا هجينة ومفتقدة لكل هوية.
قديما أحرقت كتب ابن رشد لأنه يروج لنمط من التفكير اعتبره الفقهاء دخيلا من شأنه إفساد الشباب والعموم، وبعد الاستقلال منعت سيرة محمد شكري "الخبز الحافي" لأن فيها خدشا للحياء، وتمردا على القيم الدينية والأخلاقية، واليوم وبعد أربع عشرة سنة من المهرجانات لازلنا محافظين في أفكارنا، لنا من التسامح القدر الذي يشعل فينا حمى منع فيلم لأنه يخدش تصورنا عن الحياء، ولازلنا لانتصور ذواتنا أفرادا مستقلة لايحق للآخر اقتحام حرمتها، بل نحن نصر على كوننا ذاتا جماعية يحق للبعض أن يشرع للآخرين مايفعلونه ويحرم عليهم الخبائث ويحل له لهم الطيبات، وفق عقل قاصر يسكن جسدا مهووس بالشهوة واللذة.
إذن ما جدوى هذه المهرجانات إذا لم تخلق شخصية منفتحة تعزز ذاتها باختلافها عن الآخرين وتقديرها لاختلاف الآخرين، ماجدوى هذه المهرجانات إذا كان الفضاء العام على وشك الانتقال من المحافظة إلى الدفاع العنيف عنها عبر فرض منطق أبوي يسمح للبعض بالتدخل عمليا وفعليا وبشكل عنيف لردع تصرفات لاتؤديه مباشرة، ولكنها تستفز ذات متخلفة داخله توهمه بحق غير مشروع في فرض تصوراته على الآخرين.
أتصور المغاربة الآن ذاتا ممزقة بين عقل يعقل، بمعنى يعرقل، كل شيء، وجسد جامح يكاد ينفلت من قبضة سيدنا العقل؛ خصوصا مع موجة المهرجانات وتصاعد نسبة روادها والدعاية الصارخة والصاخبة لنجاحاته، وبموازاتها تصاعد موجة الدفاع العنيف عن تصورات محافظة لاأساس مشروع لها إلا وهم كوننا ذاتا جماعية موحَّدة. هم العقل المستنير فيها، ونحن الجسد الخبيث الذي يجب كبح جماحه لكي لا يعدينا ويصيبنا بالعار والفضيحة.
وأمام هذه الحالة الشاذة لامدخل للمهرجانات العامة ولا لمظاهر احتفاء زائف، ولكن الحاجة تلح على المدخل التربوي، غير الأبوي، لتعزيز قيم المواطنة بما تعنيه من احترام حقوق الذات والآخر على حد سواء، وتقدير قيمة الحوار المجتمعي المنتج المستند على العقل بوصفه أعدل قسمة بين البشر، وإقرار قيمة التسامح التي لا سند له إلا تقدير الاختلاف. وقبل هذا ذاك الإلحاح القوي على نبذ كل أشكال العنف كيفما كانت ومن أي طرف صدرت. وإذانة قيام أي سلطة كيفما كان نوعها خارج سلطة القانون.
وأمام هذه الحالة الشاذة دائما تحتاج البلاد إلى تصرفات رزينة وإجرءات تدبيرية تقلل من حجم الحقد المجتمعي الذي يطال الفئات التي لم تنل حظا من موارد البلاد، ولم تتح لها فرصة الفعل والإنتاج داخل المجتمع بكرامة، وليس أقلها إلأ أبعاد المال العام عن المهرجانات وتفادي مظاهر الصخب الكبير الذي يغزو حتى الشاشات الوطنية ويستفز المحرومين في قعر ديارهم، لأن هذه المظاهر لا تكون وعيا زائفا فقط بل تعزز الحقد الاجتماعي وتدفع المحرومين نحو ابتداع أشكال من الانتقام التي تبدأ بالسخرية والاستهزاء ولا تقف إلا عند حدود العنف المقدس.
وأخيرا أقول إن ظاهرة المهرجانات جواب خاطئ على سؤال غير مطروح، ومالم نحسن طرح الأسئلة وتقديم الأجوبة الملائمة لها سنبقى داخل دوامة فأر التجارب نبذل الكثير من الوقت والجهد ولا نراوح مكاننا فقط، بل نتراجع إلى الوراء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح


.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص




.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع