الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السباق إلى الهاوية

معتز حيسو

2015 / 7 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


تشهد العديد من البلدان العربية ما يمكن أن ندعوه سباقاً إلى الهاوية. لهذا لن تكون سوريا نموذجاً فريداً لا يمكن أن يتكرر في بلدان أخرى وإن بأشكال مختلفة. وإذا حاولنا أن نحدد أسباب الانهيارات والتصدعات التي نشهدها، نلحظ أنها تعود إلى ذات الأسباب البنيوية. أما الخلاف فإنه ينحصر في إطار التجليات الظاهرية.
من البداهة بمكان أنَّ عوامل الأزمة البنيوية التي مهّدت الطريق إلى معاناتنا الراهنة تتزامن وتتقاطع وتتراكب مع الميول الدولية العامة:« إذا استطاعت الرأسمالية أن تتحالف مع أشكال إنتاجية قبل رأسمالية، فإن أحداً لن يستطيع التنبوء بالمآلات التاريخية التي يمكن أن تؤول إليها الأمور» فكيف إذاً ونحن أمام قوى رأسمالية تتحالف مع تلك الأشكال وتعمل على توظيف تنظيمات وحركات ومجموعات جهادية إسلامية موغلة في التخلف والقهرية. فهذا بالتأكيد سوف يعطينا مؤشراً بأننا مهددون بالسقوط في مستنقعات وكوارث قلّ ما شهدها أو سيشهدها التاريخ البشري. وتتزامن ميول الرأسمالية في تصنيع وتصدير أكثر أشكال التخلف والعصابية المحمولة على ميول دينية جهادية وتكفيرية مع عوامل أزمتنا العميقة: ــ سياسية تتمحور حول احتكار السلطة وتجفيف تربة العمل السياسي المعارض ــ اقتصادية تتجلى في عدم بلورة مشروع تنموي استراتيجي، وشكّل تقاطع ذلك مع انتشار مظاهر الفساد وهدر الثروات وتفاقم مظاهر النهب، أهم الأسباب التي ساهمت في ارتفاع معدلات الفقر والبطالة ــ ثقافية تتجلى في تراجع تأثير الفكر العلماني مقابل انتشار واسع للفكر والوعي الديني المتشدد الذي يميل في لحظات التأزم إلى العقيدة الجهادية. وقد شكّل غياب الحريات السياسية وازدياد معدلات الفقر البطالة أرضية خصبة لنمو الأفكار المتطرفة والميول السلفية ومظاهر التدين.
إن كان ما نشهده من تغيرات تحولات عاصفة يعود في بعضٍ من أسبابه إلى عقود ماضية. فإن التنظيمات والمجموعات المحمولة على فكر جهادي متطرف تعمل على توظيف الظروف الموضوعية السياسية والثقافية والاقتصادية السائدة وفق آليات وأشكال تخدم تمدد مشاريع أيديولوجية دينية تكفيرية. في ذات السياق وفي نفس اللحظة تشتغل الأنظمة المحمولة على فكر عقائدي سياسي أحادي على إعادة إنتاج ذات البنية السياسية والأمنية للسلطة المسيطرة. هذا في لحظة يتراجع فيها تأثير السياسة العقلانية الموضوعية أمام طغيان مظاهر الفكر الديني المتطرف المحمول على حركات جهادية، وميول سياسية سلطوية تقع على درجة كبيرة من التطرف والعنف والاحتكار للسلطة. لكن التقاطع في آليات التفكير والممارسة بين الطرفين الديني المتطرف والسياسي الأحادي لا يلغي الاختلاف والتمايز بينهما. ويكمن ذلك في أن جذور العقيدة الجهادية التكفيرية تعود إلى عصور الظلام والانحطاط. إضافة إلى ذلك يعمل مشايخها ودُعاتها على تبرير جرائم المجموعات الجهادية التي تستهدف تدمير الإنسان، وكافة ملامح التاريخ والحضارة الإنسانية، بالاعتماد المشوه والانتقائي والمجتزأ على بعض النصوص من القرآن والسنِّة. وإذا كان التاريخ لا يكرر ذاته إلا على شكل مهزلة. فإن ما يقوم به تنظيم الدولة الإسلامية«داعش» وباقي المجموعات السلفية الجهادية يتجلى في اشتغالهم على استعادة أكثر اللحظات التاريخية عنفاً وتخلفاً وقهراً. وفي سياق ذلك يتم إجبار الأقليات وبشكل خاص الدينية على اعتناق عقيدتهم، أو دفع الجزية «صاغرين» وإما التهجير أو القتل. ولا تقف تلك المجموعات عند هذا الحد، لكنها تستهدف بالقتل كل من يخالفهم التفكير والممارسة علمانياً كان أو مسلماً.
أما فيما يتعلق بالسلطة السياسية، فإنها تعمل في سياق المحافظة على بنيتها الأحادية الشمولية، على مواجهة حركة التاريخ التطورية. ويتجلّى ذلك من خلال ممارسة كافة أشكال القهر والعنف ضد كل من يخالفها الرأي، سواء اندرجوا في أطر معارضة سياسية أو لم يندرجوا. لكنّ مكر التاريخ أدخل السوريين في أتون حرب متعددة الأطراف، ومتراكبة المستويات، يتصارع فيها المدافعين عن السلطة الأحادية مع جحافل المجموعات الجهادية و«معارضات معتدلة» وجميع هؤلاء يرون أن لغة العنف والقهر والاستئصال تشكّل المدخل الوحيد إلى تحقيق أهدافهم. أما ضحايا تلك الحرب فأنهم: الإنسان المقهور والمجتمع والاقتصاد والتاريخ والحضارة الإنسانية والجغرافية. فالإنسان والمجتمع يتم تدميرهما بكافة الوسائل وعلى مختلف المستويات والأشكال. فيما الاقتصاد وإضافة إلى مظاهر النهب المستشرية، فإنه يتم تهديم وتدمير البنية التحتية ومصادر الثروة. أما التاريخ والحضارة الإنسانية فإنه يتم الاشتغال على تحطيمها وإزالتهما من دائرة الزمن والجغرافية، وهذا يصب في سياق الاشتغال على مسح ذاكرة الإنسان وتفريغها من أي إرث أو تاريخ حضاري، وصولاً إلى سلخه عن تاريخه الحضاري. وبخصوص الجغرافية فإن يتم الاشتغال على إزالة الحدود الراهنة، وإعادة تقسيمها في سياق يتم فيه الاشتغال على تحويلها إلى مجرد جمّاعات بشرية عرقية، عشائرية، طائفية، مذهبية متخارجة ومتصارعة. وهذا يتزامن مع نبش خزائن العقائد البائدة وتظهير أكثرها تخلفاً وتعميمها بالقوة القهرية في سياق القضاء على أشكال التمايز والتنوع الإنساني الفكري والثقافي.
أما الغائب عن المشهد طرفان الأول: فئات ترفض الانتماء إلى أي من الأطراف المتصارعة. الثاني: حملة الفكر التنويري والحركات السياسية المدنية والعلمانية، وأنصار الحل السياسي السلمي. في هذا السياق يبدوا واضحاً أن افتقاد دعاة الحرب إلى العقلانية ينذر بتدمير وتحطيم المجتمع والتاريخ والجغرافية. وحتى لا نستمر في سباقنا إلى الهاوية والمجهول من المآلات، بات واضحاً أننا بحاجة إلى استنهاض العقلانية الموضوعية والإنسانية والقيم الأخلاقية. وهذا يستدعي من الجميع العمل على إنهاء الصراع والتمسّك بالعقلانية والموضوعية ومصالح المجتمع العامة والأساسية والمحافظة على التنوع والتكامل الاجتماعي، ووحدة أوطاننا ومجتمعاتنا. وهذا لن يكون إلا من خلال مشاركة السياسيين العقلانيين الوطنيين والديمقراطيين والمثقفين والمفكرين، وكافة المتضررين من الحرب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بسبب نقص الغاز، مصر تمدد فترات قطع التيار الكهربائي


.. الدكتور غسان أبو ستة: -منعي من الدخول إلى شنغن هو لمنع شهادت




.. الشرطة الأمريكية تفض اعتصام جامعة فرجينيا بالقوة وتعتقل عددا


.. توثيق جانب من الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال في غزة




.. نازح يقيم منطقة ترفيهية للتخفيف من آثار الحرب على أطفال غزة