الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقام الحُب وآهات زكريا أحمد

نصير شمه

2015 / 7 / 3
الادب والفن


فتاة ريفية من الجنوب التونسي، أحبت شابا تونسيا ليتعذر اللقاء بسبب التقاليد الصارمة، أحداث كثيرة.. فتاة ربما لم تلتق بالشاب أبدا، وربما التقته في نظرة من بعيد.. قررا أن يحطما قيود التقاليد وأن يلتقيا على الحُب.. وفي الموعد المحدد يرسم القدر فراقا نهائيا. شارع عام ورصيفان، كل واحد من العاشقين على رصيف، تلتقي العيون.. تتكلم.. تتصافح قبل أن تلتقي الأيدي.. وقبل أن يبدأ أي شيء انتهى كل شيء بلمح البصر.. يركض العاشق لتصدمه سيارة مجنونة.. يغرق الشارع بدمائه ويموت.. لتنتهي القصة.. قصة ذكرتني بلقاء بيرام وتسبا، اللقاء الصعب لعاشقين من بابل..

الحُب المستحيل قبل ستة آلاف عام بين عاشقين من عائلتين متعاديتين، لا شيء سيجمع خطاهما سوى الهرب، وفي لحظة اللقاء يضيع كل شيء.. تصل تسبا قبل بيرام فترى حيوانا مفترسا فتهرع خائفة يقع منها منديلها فيلتقطه الدب بأنيابه الملوثة بالدم ويتمسح به فيتلطخ المنديل بالأحمر.. وحين يصل بيرام تقع عيناه أولا على الدب ومنديل تسبا الذي يعرفه جيدا.. يراه ملطخا بالدم فيرتعد ويعتقد أن الدب التهم تسبا الحبيبة، يعاجل بيرام بطعن نفسه.. فما عاد للحياة جدوى بعد تسبا.. هناك في الأعالي سيلتقيان مجددا ويعيشان حلم الأرض في السماء.. وعندما يختفي الدب تظهر تسبا لترى حبيبها يلتقط أنفاسه الأخيرة وأصابعه تضغط على منديلها لا تتردد تسبا في طعن نفسها، إذ أن الحب الذي دفع بيرام لطعن نفسه هو الحب الذي جمعهما برباطه المقدس.. هكذا كانت أسطورة التوت الأحمر.. قيل يومها إن شجرة التوت كانت شجرة بيضاء بثمار بيضاء حتى ارتوت بدم العاشقين فأصبحت حمراء قرمزية.

أتذكر أيضا روميو وجولييت العاشقين الذين صيغت حكايتهما على خلفية الأسطورة البابلية. أتذكر قصص الحب كلها واستمع إلى الشيخ زكريا أحمد. بيرم التونسي التقط قصة العاشقين التونسيين ليصبحا «الأوله في الغرام». أم كلثوم غنت ملحمة بيرم التونسي.. النظرة الأولى والنظرة الأخيرة واستطاع الشيخ زكريا أحمد أن يصنع ملحمة موسيقية موازية، مثلما صنع العاشقان قصصهما الكثيرة.

مع «الأوله في الغرام» ليس صوت أم كلثوم وحده جسد عمق الحكاية، بل الموسيقى التي استطاعت أن تجسد لنا فعل الحب، كما استطاعت أن تجسد فعل الموت. وفي ذاكرة أذني استعيد الآن شيخ الموسيقيين العرب، استعيد صوت زكريا أحمد الذي يملأ القلب والروح والسمع ألما وحبا وفرحا وحزنا.

بصمة الشرق للإنسانية

ما بنى أعوام 1919 و1961 وأنجز شيخ الحب وشيخ المقامات وسادنها ما لم تستطع كتيبة من الملحنين تحقيقه ليس كمّاً فقط، بل ثراء وخلودا وعمقا وتفردا، وفوق كل ذلك إبراز هوية الشرق عبر أعماله.

شيخ توالد من شيوخ عدة، درويش الحريري، علي محمود، سلامة حجازي، علي المغربي، عبد الرحيم المسلوب، علي الحارث، أبو العلا محمد، سيد الصفطي، سيد مرسي، إسماعيل سكر، أحمد الحمزاوي، سيد درويش وآخرون.. كل هؤلاء يسبق اسماءهم لقب شيخ، واكتملت حلقة المشايخ بمن استطاع أن يخلط طرق أداء القرآن والموالد والتواشيح الدينية بإيقاعاتها وأنغامها وقدسيتها وينجز مشروعا فريدا مثل نهر متدفق بدون سكون. أراد له أبوه ومعيله مستقبلا دينيا أزهريا وهو أراد لنفسه أفقا يخلط بين الدين والدنيا، فتعلم وأتقن طرق أداء القرآن ومخارج حروفه والتنغيم ليبصم الشعر الكلاسيكي آنذاك بطابع يجد فيه معاني الحب تتأصل في نفوس المستمعين لتصبح مذاهب حب. من يمتلك بصمة زكريا أحمد؟ سؤال حيّر كل معاصريه، وكل من تنافس معه، وفي النهاية تركوا للشيخ زكريا عالمه… عالم ليس فيه سواه، فذهب الكبار الآخرون إلى تحقيق عوالمهم بعيدا عنه، وتركوا صانع تراثنا اليوم يصول بالثراء الذي يملكه وببصمة شرقية استحالت على المحو وعلى التكرار.

من يستطيع أن يلحن «حُلم» كما لحنها زكريا، ومن يستطيع أن يجسد «الآهات» كما جسدها فينا قبل أن يجسدها في النص، ومن يستطيع أن يستقبل «العيد» من دون زكريا؟ ومن يستطيع أن يقرأ تاريخ أم كلثوم قبل جسر زكريا أحمد الذي شيّده بالأدوار والأغاني والطقاطيق وأغاني الأفلام «اللي حبك يا هناه» ، «أهل الهوى»، «الأمل»، «أنا في انتظارك»، «كل الأحبة اتنين»، «هو صحيح الهوا غلاب» ، «غنيلي شوي شوي»، «الورد جميل»، «عن العشاق سألوني»، «الليلة عيد»، «حبيبي يسعد أوقاته» وو.. حتى تصل إلى 61 عملا لأم كلثوم فقط، فهل نستطيع أن نقرا أم كلثوم من دون هذا الإنجاز العظيم الذي مهدّ لكبار آخرين أمثال القصبجي والسنباطي وعبد الوهاب وسيد مكاوي والموجي والطويل وبليغ وآخرين.. الكل من دون استثناء وضع «نصب أذنيه» أعمال زكريا وكيف يمكن أن يجاريها أو يتميّز عنها.. الوقفة مع زكريا أحمد لا تكفيها سطور ولا كتب، فهي وقفة مع عملاق أثرى المكتبة الموسيقية العربية.. هنا مقدمة لكلام كثير نلتقي به في الأسبوع المقبل.
____________________________

أتمنى الإستمرار بالنشر في حوار متمدن حقيقي حذر من إسفاف «البروليتاريا الرثة» تتعكز على اسم كاتب معروف أوشخصية شهيرة أو رمز تاريخي أوتراثي أو وجداني شعبي؛ تجعله في (عناوين) مقالات (جهد يدوي) رث بتعبير «كارل ماركس»، قصد لفت الانتباه لفراغ فكري وادبي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لماذا هذا التكرار في حوار متمدن؟
متابع التخريف ( 2015 / 7 / 3 - 09:48 )
لأنموذج «البروليتاريا الرثة» نضح قبح مكرور مكروه على الرابطين الأسفلين

قيل ان احدهم يوماً كتب بعض مما ياتي فاستعرنا منه بعض كلماتها لنقدمها لمن يزيد و ينقص
لا نعرف اسمه فله من اسماء الاقلام اسم قلمه يحيا و غريب و خطيب و سالم و نتاليا و فاطنه و بليغ النقص و بالغه و محدث حديث خزي و عار اردشير متلحف باخواله و البدن اصلان و رؤى و يحيى ابن ملص تيمنناً بحسنة بعشرة امثالها
ينقص ماء رجولته الخاوي من فعلها فحاول ان يرميه في حضن من ارضعته تشضى من لذة الوهم و فرطها بكى في حضنها بعدها و قبلهاو لعق ما اقترف يزيد فوضى في بيته المبلول والمعَّفر بغباراحذية الداخلين و الطالعين يبدل قمصان الخزي الذي تقمط بها وهو رضيع ورافقته حتى مثواه الاخير في لاهاي و كندا
بصري يدعي و هي منه براء فليس فيها من اصلها من خانها الا هو ورهط المكبرين الذين تبعهم الى يوم العار طلباً للغلمان
والقمصان القذرة التي تججلها الفواحش تعدد القضبان و الرحم واحد عدد يزيد و ينقص وهو يرقص لاطعاً قذارة مولده وعار اصله و يومه انه يزيد
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=474390
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=474541


2 - عاشت إيدك و أذنك
حسين علوان حسين ( 2015 / 7 / 3 - 11:50 )
الموسيقار المبدع الأستاذ نصير شمة المحترم
تحية تقدير و أعتزاز و حب
أنا من المعجبين بك كثيراً منذ أن كنت تقدم برنامج المقام العراقي . فيك أرى عبقرية روح العراق
.
لدي إلتماس :
هل بالإمكان التحليل الموسيقي مثلاً لأغنية الحلم أو الآهات أو غيرها بتبيان المقام الرئيسي و
المستهل و الوصلات و القفلات و الختمة ووو إلخ بحيث نستطيع أن نخرج بمكونات بصمة الملحن و مميزات أسلوبه اللحني ؟
على الموسيقى نلتقي .


3 - عراقيات مألوفة
مازن عبد العظيم ( 2015 / 7 / 3 - 16:35 )
أردّتُ في البداية أن أكتب تعليقا على أغنية الأوله في الغرام لأم كلثوم، لكني بعد قراءة التعليقات استوقفتني الكلمات النابية لـ عبد الرضا حمد جاسم. بصراحة أسلوب شتائم عراقي بامتياز. انفعال واتهام لشخص ما يعرفه هو ولا نعرفه نحن القرّاء، وكل ذلك دون وجود قرينة حقيقية. تملّق لكاتب المقال أملاً في عدم اعتراضه على التعليق. لست بحاجة يا سيد عبد الرضا لهذا الأسلوب. كن أفضل من الآخرين إذاً واعطِ نموذجا أنك تنقيت ببرودة وثلوج كندا وأن زهور هولندا عدّلت مزاجك وطريقة تعاملك مع الآخرين. لكن سطورك أعلاه تثبت العكس للأسف.

اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل