الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاعلام التونسي الناقص

هيثم بن محمد شطورو

2015 / 7 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


أحرزت قوات الأمن التونسي عـديد الانـتصارات على الخلايا الإرهابية، لكن ما أن وقعت حادثة باردو حتى تـنكر الاعلام لتلك الانجازات و تدافعت البرامج الحوارية التلفزية الى ما يسمونه بانتـقاد الاداء الامني. بعد عملية متحف باردو المجانب للبرلمان (و هي تعتبر انجازا ارهابيا له اعتبار بما ان الضحايا من السياح الاجانب و بالتالي ضرب للسياحة التونسية التي لازالت بحكم تواصل الاقـتصادية الهشة للدولة القطاع الهام في الاقـتصاد التونسي) كثـف الأمن التونسي من عملياته على المستوى النوعي و الكمي، و لكن اغـلبها تم الإحاطة بها عبر الفيسبوك و ليس عبر القنوات التلفزيونية المتعددة. بل ان الحوارات التلفزيونية انشغـلت بالدعاية لتـنـظيم داعش عبر نغمات التخويف منه، و انشغلت بضرب الاضرابات و الاحتجاجات المختلفة و ربطها بالارهاب حتى انه تمكن من بث فكرة ان الاضراب يساوي عملا لاوطنيا يصب في خدمة داعش التي لم توجد بعد فعليا. هذا الاعلام البائس كان ينـشر بعض الانجازات الأمنية بطريقة باردة لا تختلف عن الإخبار بتـفـشي مرض الايبولا في افريقيا أو الحديث عن البورصة المالية.
و تواصل نفس الإيقاع الرديء مع العملية الإرهابية الأخيرة في تونس. نفس البرامج الحوارية المملة و نفس الوجوه المعروفة و نفس الكلمات مع تحيـينها بالاكتـشاف العظيم أن الإرهاب نزل من جبال الشعانبي و السلوم الى قلب المدن. التوصيف في ذاته ينم عن رؤية فرجوية بعيدة عن الموقف التحليلي فكأنك تتابع مسلسل الإرهاب و ليس الإرهاب الفعلي. إعلام لا ينطلق من قاعدة أساسية أن الإرهاب هو اسلاموي دون حاجة الى من يسترسل في تأكيد هذا الأمر و البحث عن مبرراته. إذن الإرهاب الاسلاموي هو ايديولوجية منتـشرة عند جماعات مختلفة يـوحدها رابط ايديولوجي عام. هذه الجماعات هي نفسها من حيث المضمون سواء أكانت في الجبال أو في المدن. الاختلاف الموجود هو في التخطيط المركزي له و الذي حرك بعض البؤر الموجودة سلفا في المدن لتـقوم بعملياتها في ضرب السياحة لضرب الاقـتصاد و بالتالي لانهيار الدولة ، بعد فـشل عمليات إنهاك المؤسسة الأمنية و العسكرية في الجبال نظرا للقضاء شبه التام عليه في الجبال. هذا الإرهاب له قاعـدات أساسية من بينها جمعيات و مدارس حفظ القرآن و رياض الأطفال السلفية بل بعض نوادي الأطفال التي سيطرت عليها وجوه نهضوية إسلامية تـقوم بفصل الإناث عن الذكور في الأنشطة إضافة إلى اسلمة الأناشيد بل حتى ربما نوعية الألعاب، و كذلك المساجد التي سيطرت عليها حركة النهضة و أتباعها من السلفيـين، إضافة إلى حزب التحرير الذي يعـلن الخلافة و ينكر الدولة التونسية و يكفر الديمقراطية و الأحزاب و التعددية الحزبية و هو ينـشط في العلن ليوفر العنوان السياسي الدعائي الذي لم تعد حركة النهضة قادرة على توفيره..
إذا لم يتم الاتـفاق إعلاميا على هذا الأساس في تـقيـيم المشهد العام، فانه كما هو الحال الواقع تجد طاحونة دون كيشوت الهوائية التي لا تطحن إلا الهواء. أي انه إعلام لا يساهم في التـقدم، و إنما في الدوران حول نفس المحور من التساؤلات و كأن إرادة واضحة تريد تبرئة طرف سياسي معلوم هو حركة النهضة بإرادة سياسية تـتلاعب بمصير البلاد نظرا لنظرتها الضيقة للأمور. هناك خط يتواصل مع فكرة نداء تونس في محاولته لاحتواء حركة النهضة، و إن كان لحزب نداء تونس ما يبرر هذا التمشي في وقت ما، فانه لا يحق للإعلام إن يتبع موقـفا سياسيا جزئيا على حساب الحقائق الواضحة. و حركة النهضة إلى اليوم لم تـقدم أي انجاز و موقـف واضح تجاه انفصالها عن الايدولوجيا الاسلاموية، و من أسباب مماطلتها في الأمر هو مهادنة الإعلام لها..
أي إعلام هذا يهاجم إضراب الأساتـذة و المعلمين؟ أي جريمة اقترفت في حق البلد. لنفترض سلفا ان للأساتـذة و المعلمين مطالب مجحفة، فهل يجوز ضرب سمعة الأستاذ و المعلم بتلك الطريقة النابية الهجومية؟ أصبح جميع المدرسين يتعاطون الدروس الخصوصية و جميعهم ذوي مستويات معرفية رديئة. أليس المدرس مهما كان مستواه يعتبر نخبة تحتك مباشرة بالشعب عبر الطلاب؟ إذا ضربت مصداقية المدرس و ضربت فكرة كونه المثال الأعلى عند التلميذ ألا تقوم بتحويل وجهة البحث عن المثال و عن المعرفة و الحقيقة إلى شيوخ الجهل و الجنة و النار و الأرض المنبسطة التي تعلوها سماوات سبع؟ بالتالي الست إعلاما داعـشيا و ان كان من وراء الستار الداعشي؟
و ما ان انتـهت الأحداث الإعلامية للإضرابات حتى أنقـذ الإرهاب الإعلام بعملية أليمة و جد موجعة للبلاد في مدينة سوسة السياحية التي تـتسابق فيها السيقان الأنثـوية للتعري سواء منها الأوربية أو التونسية. وجد الإعلام فريسة ضخمة في العملية الإرهابية التي تمكنت من الإفلات من عيون الأمن الساهرة. و كان في ملاحقـته للإثارة قد حافظ على نفس درجات الغباء و الرداءة في النيل من المؤسسة الأمنية. و يا أخي لنفـترض تـقصيرا امنيا ما مثـلما اعترف رئيس الحكومة فهل تـضمد الجراح أم تـزيدها نزيفا؟ الم يكن من الأجدى الانكباب على الإعـداد لمؤتمر إعلامي يتم فيه تحديد رؤيا وطنية واضحة من شانها ان تخلق مناخا إعلاميا عاما يتـقدم بالبلاد و لا يتأخر بها و يوقعها في الإفلاس الأخلاقي و القيمي و الثـقافي العام؟ الم يكن من الأجدى ان تـتحدد سياسة إعلامية واضحة تـقوم على قيمة التحدي للإرهاب و ليس في نقد المؤسسة الأمنية بما أنها أصبحت من الواضح أنها تـقوم بمجهودات جبارة في القضاء على الإرهاب بشكل بعيد كل البعد عما كانت عليه زمن الترويكا النهضوية الاسلاموية؟
كان من المفترض استبدال البرامج الحوارية التي غـدت مملة، بصناعة برامج وثائقية مشوقة تهتم بالنجاحات الأمنية المتحقـقة فعليا في الواقع عـوض الترويج للإرهاب الاسلاموي من حيث التخويف منه. كان من الأجدى إيجاد صناعة فنية ترتـقي إلى مستوى الإثارة الحقيقية و تبعث رسائل ثـقة في أهم مؤسسات الدولة و هي الأمنية و العسكرية. أما إصلاح هذه المؤسسات فهذا ليس من شان الإعلام و إنما من شان الخبرات و الكفاءات الحقيقية التي نتصور جميعا ان حكومة اليوم تعمل على الاعتماد عليها و لكن ليس في المحطات التلفزية و إنما داخل المكاتب الحكـومية.
كما أن الإعلام تلزمه إحاطة جدية و علمية بما يسمى بمبدأ الحياد. الحياد بين متـنـافسين لا يمكن ان يكون مبدأ عاما يمارس بفوضى. نـتـذكر برنامج "لاباس" للإعلامي "نوفل الورتاني" الذي استضاف فيه قامة علمية كبيرة هي الدكتور المفكر محمد الطالبي ليتحدث عن رؤيته لعدم تحريم القرآن للخمر. دعا مدرسا في الثانوية و هو اسلامي أي إيديولوجي و ليس برجل فكر و ليس في المستوى العلمي ليعارك الدكتور الطالبي. لكن يبدو ان رسالة الطالبي في رفضه للتحاور مع سياق مختلف من حيث المستوى التعليمي و من حيث كونه سياسيا و ان لم يقـدم نفسه كـسياسي، لم تصل الى رجال الاعلام المصرين على فوضى الحياد و ليس الحياد الحقيقي. نجد حيادا اعلامويا يؤسس للفوضى و الضبابية في المفاهيم عند المتلقي البسيط الذي لا يمتلك مرجعية فكرية تؤهله للتميـيز بين الغث و السمين. و بالتالي فان المواطن أصبح يكره جميع الأحزاب السياسية لان الإعلام يمنعه من التميـيز، و بذلك يكون المواطن فريسة سهلة عند الانتخابات للدعاوي الكاذبة و الاستـقطابات الوهمية مثلما حصل في الانتخابات الأخيرة، و مثـلما هو حاصل اليوم من خلق استـقـطاب وهمي بين الإضرابات و الإرهاب و بين مصلحة البلاد...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أولينا زيلينسكا زوجة الرئيس الأوكراني. هل اشترت سيارة بوغاتي


.. بعد -المرحلة الأخيرة في غزة.. هل تجتاح إسرائيل لبنان؟ | #غرف




.. غارات إسرائيلية على خان يونس.. وموجة نزوح جديدة | #مراسلو_سك


.. معاناة مستمرة للنازحين في مخيم جباليا وشمالي قطاع غزة




.. احتجاج طلاب جامعة كاليفورنيا لفسخ التعاقد مع شركات داعمة للإ