الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلة قطار التاسعة

محسن لفته الجنابي
كاتب عراقي مستقل

(Mohsen Aljanaby)

2015 / 7 / 6
الادب والفن


ألقيت نظرة خاطفة على ساعتي بعد أن نقدت قارئة الكف الغجرية بخمسة وعشرين دينار شعرت بعدها براحة نفسية ليس لما وجدت من وقت متبقّي , ولا لما تنبأت به العرّافة الشابّة التي نادتني بصوت غنجي لتقرأ طالعي في تلك الحديقة الملئى بالسكارى وشذّاذ الأطوار بأني سأعيش طويلاً لأكون شاهداً على أحداث جسام , بل لأني تخلصت من الورقة النقدية الممزقة بأعطائها لها فهي لاتليق بأن تتوسط نقودي الجديدة التي أحرص أن تبقى حادة كشفرة سكين فلا أقوى من أناقة المال لمسافر للمجهول لايعرف ما يلقى في طريق تجتمع فيه الأهوال بالجمال ,وحين دخلت للمحطة العالمية طويت الصحيفة وتأكدت من وجود حقيبتي ,ملابسي العسكرية متربّعة كما هي , البسطال أخذ منها أغلب حجمها, الأهم من ذلك وجود الفرشاة ومعجون الأسنان, وكرّاسي الذي أكتب فيه الآن تلك الكلمات, تناسيت لبرهة الهاجس المرعب ذلك الذي يراود المساق الى مقصلة الأعدام , (الحياة حلوه بس نفهمها) , صوت لم أعرف مصدره , ربما من محل مرطبات صاحبه متفائل لازال , المهم أنه أتى في وقته ليمنحني زخم أكمال المشوار , ليس مشوار بل رحلة طويلة نحو الجبال , أو بالأحرى الغابات , فالموصل محطتي الأخرى لم أرها سوى مرتين كزائر (ترانزيت) حين ألتحقت بمعسكرات الطلاب في تلعفر وسنجار ,حاولت لملمة كياني , تبخّرت عند البوابة سخريتي التي تعينني دوماً على هزم الأشياء , جلست على مقعد شاغر في مقصورة كان يحتلها رجل كهل بسحنة بغدادية ذو رأس مثلث ينبيء بشخصية صعبة المراس وأمرأة عجوز توقعت أنها نقيبة ساحرات بغداد, ربما لأنها سافرة بشعر رمادي حاولت أن تغطي رأسها في محاولة لم تحجب ربع الثمار , الى جانبها كانت تجلس فتاة بخدود ورديّة رمقتني بنظرة أستطلاع قابلتها بفتح الصحيفة , أفكاري الخلّاقة لايحدها القلق ولا التداعيات فالطموحات تؤجل لكنها لاتموت فهي مثل الفيروسات التي تحفظ في علبة ملح لتعود للحياة بعد عقود طويلة, والمهم أنا ذلك المصنوع من الأنا , صعلوك مكابر غريب الأطوار لا أكترث للعالم فجلّه سافل أو محتال ,رجل مميز أنا أحاول أقناع نفسي لأفوز عليها كل الأوقات , رجل مميز فعلاً كان يقف على رأسي , ببدلة عمّال الكهرباء , طلب مني البطاقة , دون شعور أعطيته أحدى بطاقات الهوية , لا أعرف لمَ أستغرق الثلاثة في موجة ضحك خادش للأعصاب , الرجل ذو الرأس المثلث والعجوز السافرة ومعهم ضحكت فيما كانت تضع يدها على فمها ذات الخدود الوردية تلك الآية من الجمال , لم يضحك الرجل الواقف على رأسي وأكتفى بترديد كلمات كأنها قادمة من بئر سحيق , أخي عليك أن تدفع غرامه فأنت لم تقطع بطاقة الركوب في القطار , دفعتها له على الفور وتواريت خلف الصحيفة , وأنا واثق بأنني لازلت أعظم شخصية عرفتها البشرية رغم غرقي ببحر الطرهات والأوهام ذلك الذي غرق به الجميع من زمان , فلم أعرف بأن المسافر بقطار عليه أن يقطع تذكرة قبل الصعود إلا الآن
قصة قصيرة لم تنشر كتبتها في كرّاسي العتيق بتاريخ 13 / 11/ 1993








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح


.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص




.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع