الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رمضان هذا العام .. فرصة لنسيان سنة مُرعبة

منعم زيدان صويص

2015 / 7 / 6
الارهاب, الحرب والسلام


كنت أتوقع أن يكون شهر رمضان كئيبا هذا العام، فمنذ أن برزت داعش قبل سنة، أثناء الحروب الأهلية الطاحنة في سوريا والعراق وليبيا واليمن وبلدان أخرى، والناس قلقة بسبب ما يحصل في المنطقة كلها، من مجازر وتفجيرات ودمار يشتد ويتسع يوما بعد يوم، ويهدد مستقبل هذه البلدان، أرضا وشعوبا، ما جعل الناس عموما يعيشون في قلق لم يألفوه في تاريخهم، ولكن يظهر أنني أخطأت في توقعاتي، لأن رمضان هذا العام لم يكن كئيبا، بل كان الشهر البهيج الوحيد في هذه السنة المرعبة، وأدخلَ على قلوب الناس سعادة لا تتوفر إلا فيه، فالناس مشغولون بمظاهر رمضان .. موائد الإفطار الرمضانية، والواجبات والفروض المتعلقة بالصوم وصلة الرحم، والحبور المصاحب لكل هذه المظاهر، بالإضافة للصلاة والعبادة والـتأمل. المطاعم والأسواق مزدحمة، ومظاهر البهجة تنم عن قيمة وقيم هذا الشهر، والجماهير في الشوارع لا تخلد إلى الراحة طوال الليل. أما القنوات الفضائية فشغلها الشاغل، بالإضافة للبرامج المتعلقة بالصيام، هو تقديم المسلسلات الدرامية الشعبية والبرامج الترفيهية، وبرامج التسلية للأطفال والبالغين على حد سواء، ومسابقات فكر واربح، وبرامج الطبخ والوصفات التي تشتهيها النفس. أما نشرات الأخبار فلم تعُد تَحْضى بالمشاهدة، لأن أخبار القتل والحرب والدمار لم تتوقف، والناس لا يريدون أن يشاهدوا المناظر التي تقشعر لها الأبدان.

وأخطأت مرة أخري لفشلي في التنبؤ بردود أفعال الناس النفسية والطريقة التي استقبلوا بها هذا الشهر، بعد كل ما حصل العام الفائت وما قبله، ولم أكن أعلم كم كانوا، في قرارة أنفسهم، أو على الأقل في عقلهم الباطن، يتحينون الفرص لمشاهدة، أو لعمل، أي شيء يُنسيهم ما حصل، ويحوّل انتباههم عن أفلام الرعب الحقيقية والموثقة التي كانوا يشاهدونها ليلا نهارا طوال العام الفائت.

في المناطق الهادئة التي يمكن الإحتفال فيها، الناس منشغلون أجساما وعقولا، بهذا الشهر وما يمثله ويترتب عليه، وهم لا يريدون أن يشاهدوا الأطفال المعذبين الذين يصرخون من الفزع والجوع، فكل دمعه من دموع هؤلاء الأطفال، أو دموع ذويهم، أثمن من ألف داعشي ونُصرتي، ولا يريدون أن يشاهدوا البشر وهم يُقتلون بدم بارد، ولا صور أمهات يحاولن دفع الموت والجوع عن أطفالهن، ولا منظر المرأة الأفغانية المضرجة بدمائها والتي تسقط أرضا بينما عشرات الرجال ينهالون عليها ضربا بالهراوات إلى أن تلفظ أنفاسها الأخيرة بعد تلفيق اتهام ضدها، ولا يريدون أن يشاهدوا ما يحصل في اليمن، هذا البلد الفقير المعدم، حيث يفتك اليمنيون ببعضهم البعض ويفتك بهم الجوع والمرض. الناس لا يريدون أن يروا أجساد عشرات الآدميين البريئين الممزقة، تملأ المساجد في يوم الجمعة، وفي هذا الشهر بالذات، أو تنتشر على شاطئ المتوسط الدافئ في تونس، ولا يريدون أن يروا قوارب متهالكة محشوة بإخوتهم في الدين والإنسانية – رجالا ونساءً وأطفالا -- يحاولون قطع البحر المتوسط ليصلوا إلى سواحل أوروبا طلبا فقط للحياة والطمأنينة، فتنقلب القوارب في البحر ويغرق ركابها بالعشرات والمئات، ولا يريدون أن يروا الدواعش في لباسهم المرعب يقتلون أسراهم بطريقة فجة ووحشية ويعلمون الأطفال كيف ينفذون حكم الإعدام، أو أن يروا قاتلا حقيرا يأخذ صورة سلفي مع رأس رجل قطعه للتو، ولا يريدون أن يروا الطائرات تُسقط حممها على المناطق المأهولة. لقد تعبت عقولهم من المتناقضات والإدّعاءات بأن ما يحصل هو تآمر دولي على الأمة العربية. وهم، بعد كل هذا وذاك، يريدون أن يتوقفوا عن الشعور بالخزي والعار والذنب لأنهم لا يستطيعون وقف هذه الجرائم المرعبة.

كنت أتوقع أن يختصر الناس الاحتفالات، أو يقتصروها، كما كان يحصل دائما، في رمضان وغيره من المناسبات، وبعد كل مأساة نشهدها بالمنطقة، على الصلوات والشعائر الدينية. ولكن الناس برهنوا أنني مخطئ في هذا أيضا. كان عليّ أن أُحسن التحليل، وأن أعلم أن هناك حدودا لقوة تحمّل النفس البشرية، وأن الناس، حيث استطاعوا، بحاجة ماسة لتفريغ أحزانهم وقلقهم وتوتراتهم التي تراكمت خلال العام الماضي، والاحتفال الكامل برمضان، فكيف ستكون أحوالهم لو لم يستغلوا هذه المناسبة لفعل ذلك، وماذا عساهم فاعلون لو لم يُنجدْهم شهر الصيام؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شهداء وجرحى إثر غارة إسرائيلية استهدفت منزلا في مخيم النصيرا


.. الشرطة الأمريكية تعتقل طلبة معتصمين في جامعة ولاية أريزونا ت




.. جيك سوليفان: هناك جهودا جديدة للمضي قدما في محادثات وقف إطلا


.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي




.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة