الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإعلام بما هو مغامرة غير أكيدة

نورالدين هميسي

2015 / 7 / 8
الصحافة والاعلام


"الإعلام يعكس ما يقوله الناس،، الناس يعكسون ما يقوله الإعلام، أليس هناك حد للعبة المرايا القذرة هاته؟"
- أمين معلوف.

ليس من السهل أن تصدر أو أن تتقبل حكما بأن الإعلام عامل كاف لبناء دولة قوية، شفافة وعادلة. ستكون ملزما بتوضيح هذا الحكم لرجالات السياسة والقضاء والمال والأعمال، وليس للإعلاميين لأن الحكم بالنسبة لهؤلاء إطراء كاف لسد أي رغبة لديهم في التفكير. إذا عكست الحكم وقلت بأن الإعلام عامل كاف لتدمير دولة قوية، شفافة وعادلة، سيصفق لك رجالات السياسة والقضاء والمال والإعلام وسيشرع الإعلام في جعلك مادة دسمة للشيطنة.
إن أي نقاش حقيقي حول جدوى وجود منظومة إعلامية تواكب الدولة بما هي مغامرة غير أكيدة مهددة بالانحدار إلى الخلل والفوضى كما يقول جاك باغنر، يتطلب توضيح الدور الواجب أن يلعبه الإعلام، وصيغة "الواجب أن" هي المفتاح الذي يشغّل أي يوتوبيا، واليوتوبيات كلها انتهت إلى مشاريع فاشلة لم تستوعبها سوى الأوراق والعقول المتمسكة بالأمل. الأمــل هو آخر ما يموت، ولذلك فمع ارتفاع ضريبة الخلل والفوضى داخل الدولة يزداد التعلق بالأمل في إعلام يزيح الرواية الملفوقة للواقع ويضع كل الحقائق فوق الطاولة. يبقى هذا مجرد أمل.
إن عقد مثل الرهان على المؤسسات الإعلامية مشروع جدا طالما أننا نثق في الأسطورة الحضرية التي تقول بأن الصحافة سلطة رابعة، لذلك يمكن المضي قدما في تقرير بأن الإعلام عامل مهم في بناء الدولة وتصحيح مسارها طالما أنه آمن بهذه الأسطورة، وطالما أنه لا يؤمن فنحن ننجو من شرك اليوتوبيا ونتعاطى الواقع الماثل أمام حواسنا. في أكثر من دولة عربية، هذا هو الواقع واليوتوبيات منتشرة في كل مكان إلا في وسائل الإعلام الثقيلة التي تحتفي بها كل يوم 3 ماي فقط في حفلة تنكرية متقنة الديكور.
لندخل في صميم الموضوع. ما هو الدور الذي يفترض أن يقوم به الإعلام داخل لعبة الدولة. تتفق أدبيات المهنة والعلم الصحفيين على أن الصحفي طرف محايد في اللعبة، وبأن دوره هو الرقابة على مدى احترام قواعد الشفافية، حيث يتولى الصحفي كشف الانحرافات واللاعبين الغشاشين والمتعاونين معهم، ويعطي للمواطن بوصفه الطرف صاحب الكلمة الأولى والأخيرة الحق في تقرير الواقع الذي يجب أن يكون. مثل هذا الكلام يصعب هضمه وضعيا لأن الإعلام العربي في الواقع يعتمد معادلات متعددة الحدود ويتهرب من المعدلات البسيطة التي تظهر أكثر شفافية. الرياضيات معرفة بالغة التجريد، وليس للإعلام أي مبرر مقنع لكي يقلدها، فالرياضيات رغم صحتها الترنسندتالية ليست شفافة بالقدر الكافي الذي يسمح للجميع بفهم قراءتها للواقع.
حتى لو افترضنا بأن خضوع الإعلام لمنطق الاقتصاد السياسي المستشكل في معضلة الملكية، فإن المتغيرات الجديدة توحي بنهاية الإعلام التقليدي إذا لم يتأقلم مع معطى التكنولوجيا التشاركية التي تصنع الآن معالم ممارسات وهياكل جديدة لتناقل المعلومة وتعرية الواقع. إذا كانت الملكية تجارية فرأس المال يجب أن يكون شجاعا ليخوض المغامرة، وإذا كانت الملكية سياسية فلا يمكن أن ننتظر التحول من مؤسسات إعلامية ميتة ولا تعرف المنافسة والسوق والزمن.
المحصلة، اليوتوبيا الآن تلوّح بالتحول إلى حقيقة بفضل شبكة الإنترنت، والإعلام الذي ظل يرواغ ويترفع عن الشفافية يواجه مشكلة حقيقية. ما تنشره ويكيليكس مدعوما بالكثير من الوثائق التي لا يمكن فرز صحيحها من مزوّرها، واتساع رقعة النشرات الإلكترونية عبر مواقع الأنترنت والمنتديات والمدونات وشبكات التواصل الاجتماعي مؤشر على قاعدة جديدة يجب على المنظومات الإعلامية التقليدية أن تعيها قبل فوات الأوان. لقد وجدت وسائل إعلام تقليدية نفسها في حرج في مواجهة الويكيليكس ولم تجد ما ترفعه في وجهه سوى التكذيب ورفع شعار المؤامرة.
لعبة المرايا التي تذمر منها أمين معلوف قادت الإعلام مثل الدولة إلى مغامرة غير أكيدة ومحفوفة بمخاطر الفوضى والخلل. تقديم المعلومة الصحيحة موقف نبيل سيحفظه المستقبل، لأننا نقف الآن على معالم الخراب الذي كان في يوم من الأيام مستقبلا للتقديم الملفق للواقع، ومهما كانت الحواجز القانونية من قوانين وتشريعات وواجبات التحفظ، فإن المعلومة تبقى حقا إنسانيا في التنوير واستثمارا ذا جدوى. من يلعب في الظلام يعرّض نفسه للمجهول، ومن الأفضل له إشعال الشموع عوضا عن لعن الظلام كما يقول كونفشيوس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرة ترفع شعار -الخلافة هي الحل- تثير مخاوف عرب ومسلمين في


.. جامعة كولومبيا: عبر النوافذ والأبواب الخلفية.. شرطة نيوريورك




.. تصريحات لإرضاء المتطرفين في الحكومة للبقاء في السلطة؟.. ماذا


.. هل أصبح نتنياهو عبئا على واشنطن؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. طبيبة أردنية أشرفت على مئات عمليات الولادة في غزة خلال الحرب