الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عمّال غزة بين حكم الغوغاء والحصار الصهيوني !

عبدالله أبو شرخ
(Abdallah M Abusharekh)

2015 / 7 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


الناس تميل إلى تصديق الأكاذيب، لأنهم لا يستطيعون تحمل صدمة الحقيقة -- بيرتراند راسل

والحقيقة هي أن قياداتنا لم تكن بمستوى تطور وتقدم عدو مثل دولة الاحتلال، فصحيح أن الصهاينة محتلون عنصريون ومستعمرون فاشيون ونحن كشعب لنا حقوق إنسانية ووطنية لديهم، لكن في الوقت نفسه لا يجب إغفال أن إسرائيل في الواقع دولة متقدمة في كافة المجالات، ويكفي أن نعرف أن أكثر من 80 % من صادراتها تقع ضمن مجال " هاي تيك " أو التكنولوجيا المتقدمة.

في بداية الانتفاضة الأولى التي اندلعت بسبب حادث سير قيل أنه مدبر ومفتعل أدى لموت أربعة عمال من جباليا، قامت الناس تستنكر هذا الاستهتار بحياة الفلسطيني إلى هذا الحد .. الناس انتفضت لأجل الكرامة الشخصية والحق في قانون عادل .. حتى أثناء الانتفاضة وسياسة تكسير العظام، لم تتم محاكمة سوى جنود قلائل بتهمة قتل أطفال فلسطينيين أو أبرياء، وغالباً من صدرت أحكام تسخر من حياة الفلسطيني مثل السجن شهر مع عدم النفاذ !!!

حادثة فريدة انتهى إليها مقتل الشهيد عبدالله الشامي في مخيم جباليا، وكانت عبارة عن انتحار الجنود الأربعة الذين اتهموا بقتله بدم بارد !!

كانت هناك مبررات كثيرة وطنية وإنسانية وأخلاقية دفعت الناس نحو المشاركة الشعبية للتعبير عن غضبها من الظلم وعدم مساواة حياة اليهودي بحياة الفلسطيني، لكن تدخل منظمة التحرير من تونس كان أسوأ ما قام به " ثوار بيروت " .. المنظمة شكلت خلايا ودعمت قيادة تابعة لها، ومولتها بالدنانير والدولارات لتشكيل ما يسمى بالقوى الضاربة التي تكونت في الغالب من الصبية والمراهقين، الذين لم يفرقوا بين جيش الاحتلال وعمال وطنهم أيام الإضرابات التي تم فرضها من خلال رجم سيارات العمال بالحجارة !!! هل كانت تلك الهمجية مبررة ضد العمال ؟؟! كم من عامل تحدى الإضرابات طلبا للرزق والطحين فتم قمعه من الصبية الذين لم يتجاوز تعليمهم الإعدادي أو الثانوي ؟؟! معظمهم كانوا يكرهون المدارس ولهذا علموا على تعطيل الدراسة في أيام الإضرابات وكأن خسارتنا للتعليم بتلك الصورة المروعة كانت تقع ضمن مقاومة الاحتلال .. عبث وهمجية وفوضى، وكل هذا لا يدفعنا للإنكار بأن ثمة نوعيات من الشباب كانت مدفوعة حقاً بانتمائها الوطني !

بعد ثلاثة أسابيع من الاحتجاج غير المنظم، هدأت الناس وعادوا إلى أعمالهم وكان من الممكن ألا تمتد الانتفاضة لخمس سنوات ولا لخمس شهور، ولكن كما أشرنا، فإن منظمة التحرير ركبت الأحداث وجندت ومولت وأصبحت تقود نشاطات القوى الصبية الذين لم يتورعوا عن ارتكاب مخالفات بحق الناس، وقد اشتعل لإعلام المنظمة والفصائل من أجل استغلال قوة العمال في تعطيل مصالح أرباب العمل في إسرائيل بهدف الضغط على الدولة العبرية، لا من أجل حقوق العدالة والحرية والمساواة، بل من أجل دولة مستقلة في حدود 67 فجاءت مسخرة أوسلو !

المقاومة صعدت من أعمال طعن والتفجير في شوارع تل أبيب وهو ما شكل ضغطاً عكسياً على عمال القطاع فبدأ جيش الاحتلال بسحب التصاريح والاستغناء نهائياً عن العمال !! لكن من دون أن يفكر أحد بمستقبلهم أو حياة أطفالهم !! العمال كانوا ضحية الغوغاء والفوضى وفقدان الأهداف، فبينما انتفض الناس لأجل الكرامة الإنسانية والإخلاقية وقيم العدل والمساواة، مولت منظمة التحرير مشروع عودة عصابات أوسلو لكي يغنموا من أموال الشعب امتيازات ورواتب ضخمة. الفصائل حولت العمال إلى جيش بطالة من أجل حشدهم في المسيرات من أجل الحصول على كوبونة غذائية، وبعد الانتفاضة الثانية داوم جيش العمال في المساجد لأجل أن يحصل على حسن السير والسلوك فيحظى بكم علبة سردين وكيس طحين !

كنت قد كتبت مرة على الفيس بوك قصة الطالب في الفترة المسائية الذي كان يأتي متأخرا في الحصة الأولى لأنه ينتظر أخته من الفترة الصباحية لكي يأخذ منها الحقيبة المدرسية !! إلى هذا الحد وصل الفقر بأبناء العمال وليس ثمة من يشعر بهم، فهم بلا نقابات ولا جمعيات ولا يحزنون ! طالبة أخرى من رفح حصلت العام الماضي على معدل 98.7 % وكانت أمنيتها أن تدرس الطب، ومعدلها يؤهلها لذلك، ولكن مالية والدها معدومة نهائياً وسعر الساعة المعتمدة في كلية الطب 100 دينار .. ومراعاة لأوضاع أهلها قامت بتحويل الكلية من الطب إلى تعليم رياضيات لأن التكاليف أقل، وهي تداوم الآن يوماً واحداً في الأسبوع لأنها لا تمتلك ثمن المواصلات إلى غزة !!! هذه عينات فقط ممن سمعنا بهم عن كثب، ونتساءل، ماذا لو كان الوالد عقيدا في السلطة براتب 12 ألف شيكل ؟؟! ماذا لو لم يتسلل قاموس العنف المدمر إلى بعض العمال بدعوى ممارسة المقاومة ( بكافة أشكالها ) بما فيها الطعن والدهس والتفخيخ في المطاعم ؟؟! ماذا لو ظل العمال بعيدون عن استثمارات البزنس السياسي للفصائل التي تركت العمال وأبنائهم بلا خبز أو مأوى أو فرصة في التعليم الجامعي ؟؟! أين العدالة يا دعاة العنف ؟؟! غاندي حرر الهند من أكبر دولة استعمارية في العالم من خلال الإضرابات والمسيرات ومقاطعة البضائع ولم يتسبب في إراقة دماء الأبرياء !

من ناحية ثانية، فإن إسرائيل قد انتهكت لا شك حقوق العمال من خلال سياسة العقاب الجماعي الذي حرم 120 ألف عامل من أرزاقهم، فانتشر الجوع وعمت البطالة وزاد التسول وازدادت معدلات الشباب الراغبين في الهجرة للهرب والبحث عن حياة كريمة بدلا من حياة اليأس والذل والشقاء. إن الاستغناء عن عمال غزة المدربين والمهرة مكن دولة الاحتلال من إفساح المجال للمهاجرين الجدد والمستوطنين، بل إن إسرائيل قد نقلت مئات المصانع التي تعمل بالخياطة إلى الأردن بدلا من غزة، تلك المصانع كانت تشغل على أرض غزة أكثر من 50 ألف عامل !

إذا صحت التسريبات الإسرائيلية أن ثمة نوايا لإعادة فتح الخط الأخضر أمام العمال، فهي خطوة لا شك إيجابية وسوف تسهم في تنمية الاقتصاد وردم فجوة مريعة تمت صناعتها بالعنف والعنف المضاد .. ليعود العمال إلى أماكن أعمالهم ولكن مع استراتيجية وطنية جديدة، هو أن نستبعد من قاموسنا استغلال العمال من أجل قضايا سياسية كما حدث من قبل، ولا شك أن الدولة العبرية مطالبة بالحفاظ على حياة العمال ضمن القانون والمساواة بعيدا عن التفرقة العنصرية التي أسالت الدماء الكثيرة منذ الانتفاضة الأولى 1987 وحتى عدوان السنة الماضية 2014.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عبد الله أبو شرخ وبعض المفردات السياسية
أفنان القاسم ( 2015 / 7 / 10 - 06:46 )
لعزيز عبد الله، بعض المفردات تضر بالقضية: لماذا الحصار الصهيوني لا الحصار الإسرائيلي، أن تسمي الأشياء بمسمياتها، فالصهيونية إيديولوجيا و-الإسرائيلية- سياسة وواقع ملموس لدولة اسمها إسرائيل لا صهيون، ومجرد استعمال هذه الكلمة في الغرب يثير سخرية الجميع، ويقولها الأعداء للتندر والاستهزاء، وكذلك لماذا حياة اليهودي وحياة الفلسطيني، المفردتان لا تتماشيان سياسيًا، نقول حياة الإسرائيلي وحياة الفلسطيني، هكذا نضعهما في ميزان سياسي واحد لا ديني ولا إثني، خاصة وأنك في آخر المقال تتكلم عن فتح خط أخضر وتحمل إسرائيل كدولة مسئولية حماية العمال... أما مفردة الدولة العبرية فأنا أيضًا أستعملها، لكن مع موقف اليمين من التهويد، يجب اليوم تفاديها.


2 - العزيز أفنان
عبدالله أبو شرخ ( 2015 / 7 / 10 - 14:13 )
الأستاذ المحترم أفنان .. ملاحظاتك لماحة وذكية جدا، فأنت لم تمر مرور الكرام على تبديل وصف الدولة العبرية / إسرائيل / الدولة الصهيونية .. في الحقيقة أن هوية هذه الدولة مازالت محل جدل حتى فيما بينهم .. نتنياهو يطالب بالاعتراف بيهودية الدولة، ثم أنهم تهربوا بذكاء من مطب صياغة قانون - من هو اليهودي - والمفارقة أن بعض الفلسطينيين داخل 48 يعتبرون أنفسهم إسرائيليين .. لا يمكن أن يكون عداءنا مع اليهود كما يصور نتنياهو والحركة الصهيونية . هناك يهود مساندون لنضالنا التحرري .. العداء بالأساس هو ضد الحركة الصهيونية التي سرقت الدين اليهودي وجعلت من الدين انتماءا قوميا وكما قال شلومو ساند ( لقد تم اختراع الشعب اليهودي ) وكتابه الأخير ( كيف لم أعد يهوديا ؟! ) .. لكني على أي حال من أصحاب وجهة النظر القائلة بأن ليس كل إسرائيلي صهيوني وليس كل يهودي إسرائيلي .. لكن في النهاية وبحكم الأمر الواقع ثمة دولة تحتلنا وتصادر حقوقنا وقد نختلف على توصيفها كما اختلفوا هم أنفسهم .. دمت بخير


3 - ملاحظة سريعة حول الفلسطينيين الإسرائيليين
أفنان القاسم ( 2015 / 7 / 10 - 15:27 )
هناك من يسميهم عرب الداخل وهناك من يسميهم عرب 48 وهناك من يسميهم عرب الخط الأخضر، تسمية تبدو بسيطة لكنها تحمل من التعقيد السياسي ما لا مثيل له: داخليًا للتعامل معهم كمواطنين من الدرجة العشرة كما كان يجري في جنوب أفريقيا، بدون حقوق وبدون مساواة، وخارجيًا لفك الارتباط بهم وفي ذات الوقت للتلويح بهم كشوكة في الحلق، كما يقول عن غباء صديقي الشاعر المرحوم زَيّاد، ورمي كل الشرور التي لحقت بباقي الفلسطينيين على أكتافهم تارة، وكل الآمال المجهضة سلفًا تارة، بينما التعامل السياسي على أرض الواقع يفرض دعوتهم بالإسرائيليين (ليس كما يفهمه الدرزي الموالي ولا الآخر المنبطح)، العربي كإسرائيلي وليس فردًا من أقلية، العربي كحقوق كاملة على أرضه بصفته إسرائيليًا وليس عابرًا أو عميلاً، عندئذ تتغير الصورة، يصبح صاحب أرضه عن حق، وندًا للند في كل شيء.


4 - اسمحلي-هلا تلاحظ!
اليس ( 2015 / 7 / 18 - 20:20 )
لا أدري ان كنت من الجيل الذي توفر له ملاحظة الفرق في المقارنة بين جيل عمال اسرائيل و جيل عمال الأنفاق؟ أنت تتحدث عن جيلين مختلفين و عن معطيات كل مرحلة من المرحلتين على حدة أي بشكل منفصل؟ دون ايضاح الأسباب أو التمويه عنها... الجيل الذي يعمل بالأنفاق قُتِل بفرض الواقع و تقبله لها، أما جيل عمال اسرائيل ما زال ينتظر الفرصة مرة أخرى؟ هل يبدو ذلك جازما أم أنه رايي الفردي؟
وله معطياته السياسية أيضا أن سمحت بطرحها أو مناقشتها ان تسنى لك!

اخر الافلام

.. كيف ضرب الانغلاق السياحة الجزائرية؟


.. فرنسا:أي استراتيجية لمواجهة أقصى اليمين؟ • فرانس 24 / FRANCE




.. شبحُ الانهيار يُطاردُ السلطة الفلسطينية! | #التاسعة


.. روسيا والصين لفرض نظام عالمي جديد.. هل يكون الثمن حرباً عالم




.. هل سيتوقف الحوثيون عن ضرب السفن بعد انتهاء حرب غزة؟ فواز منص