الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرد 02

رياض محمد رياض

2015 / 7 / 9
الادب والفن


استقل عم (عبد التواب) دراجته وانطلق ليوصل البريد إلى أصحابه، ساعي بريد منذ كان في العشرين من عمره ، والآن وهو في الخمسين لم يطرأ عليه أي تغير، نفس درجة الوظيفة ، نفس الراتب بالإضافة لبعض الحوافز التي زادت ليلتهموها برفع الأسعار وطلب تجديد بطاقة الهوية و زيادة أسعار كل الأوراق و الاستمارات الحكومية .
في نظره ليس هناك تغيرات طرأت على الحي الذي يعمل فيه لثلاثين عاما ، منذ ثلاثة عقود والمنازل كما هي في أماكنها، و الطرق كماهي بذات الحالة نصف المرصوفة ، واجهات البيوت لم تزد نظافة بل العكس ،بعض الصبيان الذين كانوا يلعبون هنا وهناك كبروا وسافروا إلى الخارج و عادوا ليبنوا أبراجا سكنية و يعيشون على رواتب إيجارها ، إنه ذاهب لتوصيل البريد في أحد تلك الابراج. الطريق كما هو لم يتغير ، لم يتبدل عمود إضاءة ، دكان الحاجة (عطيات) كما هو، الستار مسدلة على المدخل وقت الصلاة ، والحاجة (عطيات ) بالداخل تتوضأ ، وتؤدي صلاتها في خشوع ،كل شيء كما كان ، أو هو يتمنى أن يظل كل شيء كما كان.
أمام العمارة بالغة الإرتفاع ، يوقف دراجته ، عند المدخل يسند الدراجة إلى الحائط ، ويعتلي الدرج، عند المدخل لا يرى حارس العقار ، نظر الى الدراجة ، لم يعتاد أن يتركها دون أن يغلق قفلها لكنه لن يتأخر، و دلف إلى الداخل . المصعد خال لكنه يهاب تلك الأشياء ، سمع أن رجلا تعطل به المصعد، ظل طوال اليوم داخله يصرخ ويستنجد بالبواب الذي لم يكن موجودا ، لذا هو لا يحب أن يمر بتجربة مماثلة، خاصةً أنه لم يسمع ماذا حدث بعد ذلك فالأمر الماثل في ذهنه أن الرجل ما زال عالقاً في المصعد.
صعد وصعد ، الصحة لم تعد مساعدة لكنه العمل ، ثم الطابق الخامس، وأمام الشقة رقم تسعة توقف ، نظر إلى المظروف ثم أخرج قلما و دفتراً ضخماً من الحقيبة على كتفه ، دق الباب بقبضات متوالية ، لا أحد يجيب والباب يتراجع للخلف قليلاً ، لم يكن محكم الإغلاق ، رائحة كريهة، كريهة جداً ، تنبعث من الداخل ، وصوت أنين آدمي يصل إلى مسامعه ، انزعج الكهل الطيب ، فدفع الباب وخطى نحو الأمام ، داخل الشقة الرائحة لا تطاق ، الأنين يصدر من هناك ، إنه الحمام ، ولى شطره وتحرك بخطوات مترددة تجاه الحمام و أخذ ينادي:
- " يا أهل البيت، يا أهل البيت، هل من أحد ؟ ،يا أهل البيت . "
الأنين يقترب ، الأنفاس اللاهثة الباكية وصوت النشيج ، دفع باب الحمام ليجد شاباً في عمر ابنه ، ابن السبعة عشر عاما ، جالساً القرفصاء في المغطس يرتدي فانلة بحملات و بنطلون جينز ، و يبكي ، يبكي بإصرار وعنف ، في حالة هسترية يصعب إسكاته ، و على جسده آثار تعذيب و ضرب و ..
- " من أنت ؟ "
كان هذا الصوت الخشن لرجل يقف خلف عم (عبد التواب) ، رجل متجهم الوجه ، وفي يده حزام عريض و يدفع عم (عبد التواب) خارجاً ، و رجل البريد يصرخ فيه :
- " أنُزعت الرحمة من قلبك ؟ أليس هذا ابنك ؟ قطعة منك ! "
الرجل يدفعه بغلظة للخارج ويلومه على الدخول ، رجل البريد يفقد أعصابه و يقذف بالمظروف في وجهه ويسب ويلعن في الرجل ، الذي يدفعه خارج الشقة ، ويلقيه نحو السلالم ، ويغلق الباب بعنف ، يتعثر عم ( عبد التواب )على الدرج ، و يقف حائراً ، يسب و يلعن ، " هذا المتغطرس ، انتقم الله منك ."
و في الداخل كان انتقام الله ينفذ . يستدير الرجل عائداً ليذيق ابنه الويل و يستكمل ما بدأه معه ، و في التلفاز يهدر صوت المذيعة الحسناء وهي تلقي النشرة الإخبارية ، و الوالد يحكم قبضته على أداة تعذيب أخرى سير غسالة ، و الفتى يصرخ ويستنجد ويبكي . عم (عبد التواب) في الخارج يركل الباب بعنف و يصيح :
- " أليس لهذا الفتى من أم ؟ أين الجيران ؟!! "
وفي الداخل حدث شيء غريب ، ظل عملاق ظهر فجأة على الحائط المقابل للرجل في الحمام ، و الوالد يصرخ في ابنه :
- " أين صرفت النقود ؟ يا بن ال.... "
ويرفع ذراعه بقوة ، ثم يتوقف وينصت ، الولد يبكي و الرجل يستدير خلفه سريعاً فلا يجد شيئاً ، و كائن أسود يمر في الصالة ، يخرج الوالد ليرى ماذا هناك ، هل عاد رجل البريد ثانية ؟ والفتى يتبعه وهو يكفكف دموعه ، لقد أغلقت الباب جيدا كيف دخل الرجل إذن ؟هذا المتطفل يجب أن .. وبينما الرجل يخرج من الممر الذي يربط بين الحمام والمطبخ والصالة إذ بشيء عملاق يقفز عليه ، الرجل يصرخ في هلع ، هذا كائن غريب ، يسقط الرجل أرضا و الكائن فوقه ، يجره الكائن بأنيابه ومخالبه إلى وسط الصالة ، السير بيده يلقيه على الأرض و يحاول أن يدافع عن وجهه ويستنجد و يمد ذراعه نحو ابنه ، الذي وقف مصدوما لا يدري ماذا يفعل ، أظافر هذا الكائن الشبيه بغوريلا متوسطة الحجم تمزق وجه الرجل ، الفتى يخرج من دهشته ويعي الموقف ، يهرع مسرعا يفتح الباب و يهرب، خارج الشقة يصطدم الفتى بعم ( عبد التواب) ، الرجل يسقط ويقوم ينادي على الفتى ليطمئنه لكن الفتى كان قد وصل إلى الطابق السفلي ، الهلع والذعر والخوف و الرعب كل هذا حوله لأداة جري ممتازة ، لقد جاءته الحرية على طبق من فضة ، لكن أباه الآن تحت رحمة وحش ما و لا يعلم مصيره إلا الله .
رجل البريد يدخل مسرعاً ليرى ماذا هناك ، يجد ظل أسود جاثم على جسد آدمي . هذا الظل الأسود منهمك في تناول غذاءه . يصرخ عم عبد التواب ويعود للخلف . عينا الوحش تصطدمان بعينيه ، ناباه يهزان قدميه ، مخلباه يرجفان يديه ، ينظر الرجل للخلف ثم يجري هاربا ، يتدحرج على الدرج الذي صعده راجلاً مرة واحدة وهبطه مستلقياً على ظهره آلاف المرات إلى الآن ، لكن على ما يبدو أنها الأخيرة ، فالرجل يشهق في عنف ، تتألق عيناه ، يشخص بصره و لا يسمع نبض قلبه ، المظاريف متساقطة حوله وهو ممدد على درجات السلم خارج الشقة و الوحش يلتهم آخر داخل الشقة و المذيعة في التلفاز تتحدث عن محدودي الدخل و أهمية الرفق بالحيوان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء


.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان




.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي


.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء




.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس