الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مطاردة -الأحمديين- تمتد إلى اندونيسيا

عبدالله المدني

2005 / 10 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


من بعد إخراجها رسميا من عداد الطوائف الإسلامية و تعرضها للتضييق و التمييز والقمع في دول إسلامية عدة، أصبحت طائفة الاحمدية المثيرة للجدل مؤخرا هدفا للجماعات المتشددة في اندونيسيا التي يدين الغالبية العظمى من سكانها بالإسلام السني المعتدل. إذ شهدت مدن في غرب جاوة في الأسابيع الأخيرة موجة من أعمال العنف والحرق و التخريب استهدفت مساجد و مدارس الطائفة و منازل و سيارات أتباعها.

وتأتي هذه الأحداث بعيد إصدار مجلس العلماء الاندونيسي ذي الصفة الرسمية في أغسطس المنصرم لفتاوي بحظر هذا المذهب (ظهر في اندونيسيا كتنظيم ديني منذ عام 1953 ويتبعه حاليا أكثر من مائتي ألف مواطن) و اعتباره إضافة لليبرالية والتعددية والعلمانية كفرا، الأمر الذي عده المتشددون بمثابة رخصة شرعية لمطاردة الاحمديين والاعتداء عليهم. وهذا عدا انه يتنااقض مع حرية المعتقد و العبادة المنصوص عليها في الدستور فانه يخل بمبدأ "بهينيكا تونغال ايكا" أو "الوحدة الوطنية من خلال التنوع" الذي تأسس عليه الكيان الاندونيسي منذ استقلاله في أواخر الأربعينات مثلما قال الرئيس "سوسيلو بامبانغ يودويونو" في أول رد فعل له على هذه التطورات. أما الرئيس الأسبق عبدالرحمن وحيد الذي يعتبر الأب الروحي لجماعة نهضة العلماء النافذة ‘ فلئن اتخذ موقفا مشابها ليودويونو فانه هاجم الحكومة لتقاعسها عن التصدي للقلة الساعية إلى فرض أفكار متطرفة على المجتمع الاندونيسي المتسامح بالقوة، ووصف الأجهزة الحكومية بالخائفة و المترددة في تحمل مسئولياتها. إلى ذلك عبرت قوى سياسية واجتماعية ومهنية عديدة عن قلقها من هذه التطورات متهمة رموزا داخل مؤسسات الدولة بالتعاطف مع الفكر المتشدد و دعم أربابه سرا.

والجدير بالذكر أن طائفة الاحمدية التي يقال أن عدد أتباعها في العالم يناهز المائتي مليون نسمة تتركز بصفة أساسية في باكستان و شمال الهند لكنها أيضا موجودة بأعداد اقل في مناطق أخرى من العالم و تتمتع بنفوذ مالي قوي تجسده مكاتبها المنتشرة في 166 بلدا والفضائيات الناطقة بلسانها. وعلى حين يتمتع أتباعها بكامل حرياتهم في الهند بفضل علمانية الأخيرة و تعدديتها، فإنهم في باكستان يصنفون رسميا ضمن الأقليات غير المسلمة وذلك منذ عام 1974 الذي سن فيه الرئيس الأسبق ذوالفقار علي بوتو دستورا جديدا للبلاد و ضمنه نصا بهذا الخصوص.

و من المفيد هنا الإشارة إلى أن محاولات كثيرة بذلت منذ الخمسينات من قبل القوى الإسلامية الباكستانية السنية لحظر هذه الجماعة، شملت وقتها أعمال عنف و مصادمات مع الاحمديين من جهة و قوات الأمن من جهة أخرى. غير أن هذه المحاولات اصطدمت باعتراضات ممثلي ما كان يسمى بباكستان الشرقية الذين كانوا يميلون إلى المحافظة على شيء من علمانية الدولة التي أسسها محمد على جناح ، خاصة و أن جناح نفسه كان ضد إخراج هذه الطائفة من الملة ربما بسبب موقفها المؤيد بقوة لانفصال المسلمين عن الهند في كيان مستقل.

و تذكر المصادر التاريخية الموثقة أن جناح أكد في مؤتمر صحفي في كشمير في مايو 1944 على أن الاحمديين مسلمون وبالتالي يحق لهم المشاركة في "تنظيم المؤتمر الإسلامي" الساعي للاستقلال عن الهند. ومما قاله ردا على سؤال عن الجدل الدائر حول إسلامهم: "و من أكون أنا حتى انفي صفة الإسلام عن أناس يقولون أنهم مسلمون". و في أغسطس 1947 كرر جناح موقفه هذا حينما خاطب الاحمديين في نادي كراتشي قائلا " انتم أحرار في طريقة عبادتكم و طقوسكم الدينية و بناء مساجدكم دون تدخل من الدولة"

و هكذا لم تتعرض الطائفة رسميا أثناء حياة جناح و خلفائه المباشرين للتمييز و القمع، بل على العكس اختير احد رموزها وهو "ظفر الله خان" ليكون أول وزير خارجية للبلاد، خاصة وان دستور 1956 نص صراحة على حرية المعتقد في المادة 20 وعلى حرية تغيير المواطن لدينه في المادة 19. و مما يذكر أن ظفر الله خان اشتبك مع مندوب إحدى الدول الخليجية بسبب المادة الأخيرة أثناء مناقشة مسودة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة في عام 1948 وذكره بأنها تتناغم مع تعاليم الإسلام في عدم إكراه الناس على دين معين ( بحسب تعبيره).

غير أن انفصال باكستان الشرقية و تزايد نفوذ الأحزاب الدينية بدءا من السبعينات ومحاولات بوتو كسبها إلى جانبه ساهم في ظهور موقف رسمي مختلف إزاء الاحمديين، ليترسخ هذا الموقف أكثر و تظهر على هامشه صور التمييز و التضييق مع تطبيق الرئيس الأسبق ضياء الحق لقوانين اسلمة المجتمع في الثمانينات.

أما في بنغلاديش فان أتباع الاحمدية (نحو مائة ألف) لم يتعرضوا للعنف والمطاردة إلا في السنوات الأخيرة كنتيجة لتزايد نفوذ التيارات الدينية المتشددة. ففي العام الماضي مثلا منعت السلطات تداول و نشر و اقتناء مطبوعات الاحمديين تنفيذا لفتوى جماعية من علماء الدين اعتبرتهم كفارا. و قبل ذلك تعرضت مساجدهم التي لا تختلف عن مساجد المسلمين إلى هجمات من قبل الغوغاء. غير أن الحكومة لا تزال صامدة في وجه الدعوات التي تطالبها بحظر كافة أنشطة الطائفة و تصنيفها رسميا كطائفة غير مسلمة.

لكن من هم الاحمديون تحديدا و لماذا كل هذا الجدل حولهم؟
ظهرت الاحمدية في سنة 1889 على يد ميرزا غلام أحمد الذي ادعى و هو في سن الخمسين انه خليفة النبيين محمد و عيسى و تقمص صورة المهدي المنتظر. و حينما توفي في عام 1908 آلت القيادة إلى الحاج حكيم نورالدين حتى تاريخ وفاته في عام 1914 الذي شهد انقسام الطائفة بسبب الخلاف على الزعامة إلى فرعين : الأولى تسمت باسم القاديانية نسبة إلى بلدة قاديان في البنجاب الباكستانية حيث ولد ميرزا غلام والأخرى تسمت باللاهورية نسبة إلى مدينة لاهور المعروفة.

ويعترف أصحاب المذهب بوحدانية الله و رسالات الأنبياء والملائكة و القرآن والحديث و الجنة و النار و البعث و يوم الحساب و تحريف النصارى للكتاب المقدس، ناهيك عن تأكيدهم على أن الإسلام أول دين عالمي للبشرية كلها و انه سيسود المعمورة في النهاية حينما يعود المسيح إلى الأرض ليحارب الشر و ينشر الخير.

لكن ما جعلهم هدفا لحملات المرجعيات الإسلامية بشقيها السني والشيعي هو أنهم خالفوا احد أهم أركان الإسلام و هو أن محمدا هو خاتم الأنبياء و المرسلين. ولئن كانت هذه هي الحجة الرئيسية لتكفيرهم، فان الحجج الأخرى تشمل اعتقادهم بأن المسيح صلب فعلا ثم بعث مجددا ليعيش حياة طويلة قبل أن يتوفى و يدفن في كشمير عن 120 عاما، و معارضتهم لمبدأ الجهاد في فتح الأمصار وجني المكاسب السياسية، و غير ذلك مما لا يتسع المجال لسرده.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية بفرنسا.. ما مصير التحالف الرئاسي؟


.. بسبب عنف العصابات في بلادهم.. الهايتيون في ميامي الأمريكية ف




.. إدمان المخدرات.. لماذا تنتشر هذه الظاهرة بين الشباب، وكيف ال


.. أسباب غير متوقعة لفقدان الذاكرة والخرف والشيخوخة| #برنامج_ال




.. لإنقاذه من -الورطة-.. أسرة بايدن تحمل مستشاري الرئيس مسؤولية