الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الليبرالية في زمن الغوغائية

كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)

2015 / 7 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


المبادئ الإنسانية ليست أحجاراً ثمينة ساقطة من السماء. هي وليدة المرحلة التي ظهرت وازدهرت فيها. ومرتبطة في تفعليها بتوافقها وتناغمها مع واقع الحال. الحرية التي نظنها أثمن القيم والمبادئ الإنسانية، مرتبطة بتأهيل البشر الذين يطبقونها. فأنت حين تصحب ابنك الصغير سيراً في الطريق، لا تترك يده من يدك إلا إذا كانت حركة المرور حولك تسمح بذلك، ويكون عمره وإدراكه وصل للمرحلة التي تؤهله لأن يسير منفرداً دون يسحبه أحد إلى خط الأمان. . هكذا الشعوب لابد أن تكون قد وصلت إلى درجة النضج المناسبة للمبادئ التي تريد تطبيقها، وألا تتخلف عن تطبيق ما يوازي مرحلتها وواقعها الحضاري من مبادئ.
كيف تتقدم الشعوب، ولماذا تكون خطوات بعضها الحضارية أسرع وأوسع، بل ولماذا تتوقف حركة تقدم بعض الشعوب للأمام حضارياً، فيما تتقهقر أخرى كما يحدث لبعض مكونات شعوب الشرق الأوسط الآن؟
الموضوع كبير ومتشعب، لكننا هنا في عجالة نستطيع أن نرصد عدة عناصر أساسية، لها الفضل أو يعزو إليها الفشل في التطور الحضاري للإنسانية. أولها ملكات الإنسان الإبداعية، التي تتفجر وتتطور مع الزمن، فتدفع المجتمعات إلى الأرقى حضارياً. ثانيها تزايد الكثافة السكانية مقابل ندرة الموارد، والذي يدفع الأفراد والمجتمعات إلى البحث عن حلول أفضل لمشكلاتهم الحياتية، علاوة على أن تزايد "الكم" بكافة صنوفه يؤدي تلقائياً إلى تغييرات مناظرة في "الكيف"، وما لم يتم هذا التواكب بين تغييرات "الكيف" لتلاحق تأثيرات تغير "الكم"، تتعرض الشعوب لأزمات في مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
كما قلنا الموضوع معقد ومتشابك، لكن العنصر الجوهري في الموضوع، هو قدرة الإنسان على مواجهة الحياة بمرونة وإبداع.
الشعب المصري شهد فترة حرية سياسية حقيقية غير مسبوقة في تاريخه، في الفترة من 25 يناير 2011 حتى 3 يوليو 2013. كانت نتيجة هذه الحرية وبيلة بكل المقاييس، وكادت مصر تتحول إلى قندهار، وإلى اقتتال أهلي يحيلها إلى نموذج سوريا والعراق.
أنا ليبرالي نعم، لكن إن كان "كله عند العرب صابون"، فأنا لست بعربي، ولم يكن ممكناً أن أظل أتشدق بمقولات الليبرالية تجملاً، فيما لن تجلب الحرية للشعب المصري غير ما شاهدنا وعشنا فيه. لا يسمح لي ضميري وحرصي على أبناء وطني، إلا أن أشير لما أراه يخرج بهم إلى بر السلامة، حتى لو خرجوا وهم مغلولي الأيدي والأرجل!!
بوضوح:
أرفض أي حديث في مصر الآن عن الديموقراطية، وأنشد حكماً ديكتاتورياً مثيلاً لحكم كمال أتاتورك وفرانكو، وليس بالطبع على غرار حكم عبد الناصر وصدام حسين والأسد والقذافي. أقول هذا ليس لأن نموذج الديكتاتور الرشيد يتفق مع رؤيتي للعالم ولمشكلة الحكم، ولكن لأنني أراه ضرورة للعبور بمصر من مرحلة طغيان الرؤى الدينية الظلامية، في ظل بقايا أرامل الناصرية من يسارجية وعروبجية.
مطلوب من الديكتاتور الرشيد الاهتمام بالاقتصاد المصري ليتوافق مع الاقتصاد العالمي، والاهتمام بالتعليم والتنمية الاجتماعية وما شابه، على أمل أن تكون مصر بعد ثلاثة أو أربعة عقود مهيأة لحياة ديموقراطية حقيقية وسليمة كما حدث في أسبانيا.
ملحوظة:
أرى أن السيسي لا يمتلك مقومات ومؤهلات الديكتاتور الذي أنشده!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أملنا في نموذج كبورقيبة
ليندا كبرييل ( 2015 / 7 / 10 - 08:24 )
أخانا القدير الأستاذ غبريال

أنا من رؤيتك أستاذنا، في مجتمع تحكمه العشائر والقبائل ليس إلا الديكتاتور هو من يوحّد بينها

وكون مجتمعنا العربي استطاع أن يفرز شخصية متمدّنة كالرئيس بورقيبة فأنا أتمنى أن تمنّ علينا الأقدار بمثله
ومع كل ما فعل أتاتورك وبورقيبة، فإن المجتمعين عادا ليقعا في براثن الرؤى المتطرفة

من المستحيل تغيير تركيبة هذا المجتمع، كذلك لا مجال للإصلاح الديني الذي يتحدثون فيه، فالإصلاح يعني نكش الإسلام من جذوره، فهل يمكن هذا؟
تحجيم طغيان الرؤى الدينية المتشددة والاتجاهات الإرهابية ضرورة قصوى للتفرغ للبناء الاقتصادي

تقديري


2 - كلمتين وبس
محمد بن عبدالله عبد المذل عبد المهين ( 2015 / 7 / 10 - 12:29 )
قرأت معظم المقال باهتمام وقررت التعليق بملاحظة هامة أساسية سرعان ما وجدتها في السطر الأخير..شكرا

ما كتبت الأستاذة العزيزة ليندا عن بورقيبة (((كون مجتمعنا العربي استطاع أن يفرز شخصية متمدّنة كالرئيس بورقيبة))) ...ينقصه الدقة
بورقيبة ليس افرازا للمجتمع العربي الاسلامي بل هو ابن وفيّ للثقافة والحضارة الفرنسية الأوروبية ويستحيل اليوم للأسف قبول شعوبنا المتخلفة لأمثاله مع تفشي اديولوجيات العروبة والاسلام...على المنطقة انتظار نضوب البترول ومعه اختفاء ظلام الاسلام


3 - تحياتي أستاذ محمد بن عبد الله عبد المهين المحترم
ليندا كبرييل ( 2015 / 7 / 12 - 09:20 )
وأنا لي ملاحظة أستاذي الكريم عبد الله
شكرا للتصويب والحق معك

مع تفشي الأيديولوجيات المتطرفة العنصرية ، ومع انجراف شعوبنا(العربية) كما يبدو لنا في الظاهر للارتماء في أحضان الظلاميين، فإنه علينا ألا ننسى أننا نعيش في عصر النور الذي يتسرب من الشقوق والفتحات في جدارنا المتداعي
هناك حركة واضحة في كل المواقع الفضائية التي تستوعب آراء الإنسان الحر المتمرد
انتهى عصر الظلام ولو أننا ما زلنا في العتبات نزحف تلمّساً للطريق
سيساقون إلى مهرجان الحرية بشدّ الأذن، شاؤوا أم أبوا، والمعول على أمثالكم من الحضرات البهية التي تدعم مسيرة إنسان الكون

تحياتي لمواقفك الإيجابية الرائعة أستاذ محمد بن عبد الله
وأحيي أخانا الكبير الأستاذ غبريال الذي يبث في نفسي الأمل كلما قرأته
وشكرا لكم

اخر الافلام

.. تقارير تتوقع استمرار العلاقة بين القاعدة والحوثيين على النهج


.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطاب بايدن والمقترح الإسرائيلي




.. إيران.. الرئيس الأسبق أحمدي نجاد يُقدّم ملف ترشحه للانتخابات


.. إدانة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب توحد صف الجمهوريين




.. الصور الأولى لاندلاع النيران في هضبة #الجولان نتيجة انفجار ص