الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كنت هناك

راغب الركابي

2015 / 7 / 10
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


كانت آخر مرة زرت فيها العراق في سنة 1976م ، وقصة هروبي من العراق قصة معروفة كنت من قبل قد نوهت إلى ذلك ، وهي بإختصار تعبر عن حكاية الشعب العراقي الذي أبتلاه الله بحكم دكتاتوري مجرم تفنن في قص أنفاس الخلايق وصادر منهم قيم الحياة ، ومنذ ذلك الحين والتاريخ يشهد بأننا كنا مع غيرنا نعمل ونكافح ونجاهد حسب المستطاع وحسب الممكن من أجل أرساء دعائم الحرية والعدل والسلام في بلادنا ، وعبر تلك الأيام والسنيين طاف بنا الدهر بين المنافي وساحات الإغتراب من شرقها إلى غربها ، ولم يستقر بنا الحال بعد ولم نهدأ ولم نركن لأن ما في النفس من أماني وأحلام لم تتحقق بعد وشعبنا هذا الكسير الحال لازال يعيش الهوان وفقدان الرؤية وإنعدام النور ، بلادي هذه التي زرتها وجدتها منكوبة بكل مصيبة مفتتة مبعثرة أشلاء ، بلادي هذه التي زرتها يسكنها الموت والنفاق وفقدان الأمل وتباعد الروابط وكثرة القيل والقال ، بلادي هذه التي زرتها غريبة الأطوار تختنق من كثرة العبرات والأحزان ويعشعش الظلام في كل جزء منها ، فالسراق والمفسدون في الأرض وأشباه الرجال هم من يتصدون للواجهة ولم أرى فيها رجال كنا نعدهم من الأخيار .
العراق اليوم هو ليس عراق الأمس فذاك القديم مات وجاء عوضا عنه هذا المسخ الذي لا نعرفه ، هذا المقسم المبعض المجزء والذي فيه كل فريق بمثابة دولة والذي فيه كل حزب يعتبر مملكة ، والعشائر العراقية العربية القديمة تعبت وتصدت وتشظت وخرج علينا فيها شيوخ جدد مغامرين وأنتهازيين ، وليس فيهم من سيما الشيوخ ما يدل على ذلك ، العشائر العراقية فقدت بريقها ، وشيوخها المزعومين عالات وعاهات على المجتمع مضافة ، والأحزاب الدينية هم شر البلاد وشر العباد ، وهم الكابوس الأسود الذي كان سبب كل هذه البلوى وهذا التشظي وهذا الإنكسار ، بل لولاهم لما حل بالعراق كل هذا الدمار وكل هذا الخراب ، وبدونهم لكان في الإمكان بناء الدولة المدنية الموعودة ، لقد دخل في شعبة الأحزاب الدينية رجال دين ملوثين وفاسدين وقتلة ، يحركون العواطف تبعا لمصالحهم وأغراضهم الدنيئة ، وإن أدى كل ذلك إلى خراب البلد ، والمؤسف إن الحكومة العراقية عاجزة عن بسط هيمنتها ونفوذها ، ويكأنها مجرد مؤوسسة لتوزيع الغنائم والأموال على هذه الأحزاب وهذه الوجوه النتنه ، وبدى لي ان فيها كل يغني على ليلاه ، وشعرت لأول وهله ان شعبنا يصفق من غير هدى ولا يرى الصواب فيتبعه ، وشعاره الدائم - حشر مع الرفاق عيد - ، والمرجعية الدينية هذه البعيدة والمتقوقعة والمثالية حتى النخاع والتي لا تدري بالواقع ومتطلباته ، أقول هذا لمن زار مدينة النجف إذ فيها يكتشف ذلك بعينه ببصره لا ببصيرته لأن المفسده فيها واضحة بينه ، وأما قوى الجيش والأمن أشبه ما يكونوا بالمرتزقة ، فلم أجد ولم ألمس ذلك الولاء الوطني الذي هو العقيدة الأمنية هكذا كنت أفهم .
إن محنة العراق متعددة الأطراف وهي كبيرة ، وتحتاج إلى صدمة من نوع كبير صدمة بحجم كل هذه المعانات التي يمر بها العراق ، هذه الصدمة الأفتراضية يمكنها أن تنقذ العراق من هذا التخبط وهذا الظلام الذي يخنق العراق ويضرب بثقله أطناب كل بيت ، إن أملاً يراودني في إمكانية التصحيح والإصلاح ، ألاَّ وهو تبني المشروع الوطني الجديد الذي من مهامه الأولى رفض هذا الواقع ورفض - التدين الإنتهازي الدين السياسي - ورفض الشخصنة ، وتعميم ثقافة الديمقراطية عبر التمسك بالمشروع الوطني المدني - الدولة المدنية - والتي ترسي دعائمها منظومة قيم الحياة في - العدل والحرية والسلام - ، وهذا هو الممكن الوحيد الذي أعتقد جازماً إنه يستطيع تغيير موازين الحياة لمصلحة الإنسان العراقي ، وهنا نشير إلى إمكانية تصحيح مناهج التربية والتعليم الوطني الجديد الخالي من التوتر والبؤر المصطنعة التي صنعتها قوى الظلام وخفافيش الليل ، وهنا اجدد القول بوجوب تغيير في بناءات المجتمع لتكون اكثر واقعية وانسجام من الحياة المتنوعة والمتعددة ، وهنا أقول إن دعوات تمزيق العراق طامتها أكبر وضررها أكبر من نفعها ، فالتعايش ممكن حين نخرج من عباءة الجهل والتخلف والصنعة القديمة التي بيعت لنا من الجيران والأغراب .
كنت هناك ولم أكن ، فالبون شاسع ولكي تكون حاضرا عليك ان تكون منافقا ومهلوسا وصاما لأذنيك وعينيك عن كل هذيان وخرف وجهل ممنهج ، والذي يأتينا عبر أبواق المزيفين والدجالين وأهل السوابق ، كنت هناك ولم أكن ، نعم وجدت محبين ومتعاونيين ولكنهم يحتاجون للتلاقي والجمع والشجاعة ، لأن إنتزاع الحقوق يحتاج إلى إرادة من نوع خاص ، إرادة لا تلين قدرتها بحجم الوطن وهمومه وتطلعاته ، وهذه مكبوتة في صدور الرجال فعلى الراغبين المبادرة في إظهارها لتكون هي الحقيقة
المغيبة أو المنسية ...نعم لقد كنت هناك








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة في إسرائيل: خطاب غا


.. حركات يسارية وطلابية ألمانية تنظم مسيرة في برلين ضد حرب إسرا




.. الحضارة والبربرية - د. موفق محادين.


.. جغرافيا مخيم جباليا تساعد الفصائل الفلسطينية على مهاجمة القو




.. Read the Socialist issue 1275 #socialist #socialism #gaza