الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإبداع بين التناص والتلاص

أمل سالم

2015 / 7 / 10
الادب والفن


التَّنَاصُّ (Intertextuality) في الأدب وهو مصطلح نقدي صاغته جوليا كريستيفا، ويقصد به وجود تشابه بين نص وآخر، أو بين عدة نصوص . وهو مصطلح أريد به تتبع تقاطع النصوص وتداخلها.
ومنذ أن فتح الله على مصر بعدد مبالغ فيه من كتاب الأدب بفروعه المختلفة ، كالشعر والقصة القصيرة ، والرواية . فكثيراُ ما يطفو على السطح هذا المصطلح عند تناول كتابات كثيرا من الأدباء ، ولا يقتصر الأمر على صغار السن وقليلى التجربة والخلفية الثقافية من الأدباء الشبان ، بل يتعدى الأمر إلى كتاب كبار ومتمرسين فى الكتابة .
ويجب إن نقول بتداخل النصوص كأمر حتمى ؛ فلا يمكن القول بنشأة النص من العدم ؛ فلابد من حدوث المد والجزر والتداخل والتوازى بين النصوص كقانون حتمى للإبداع ؛ يمكن القول بأن أى نص فى واقع الأمر هو امتداد لنص أخر، أو لمجموعة أخرى من النصوص.
وقد يكون التناص على مستوى الفكرة , مع تحوير بسيط ، فنجد مثلاً أن رواية " باب الليل " للروائى المصرى وحيد الطويلة تقوم على فكرة راصد يجلس فى المقهى ، والمقهى عالم بذاته يختزل فيه الكاتب العالم الذى نعيش فيه، وبلغة شعرية راقية ورائعة ، وسرد خاص يميز بالكاتب ، وهذه الرواية فى واقع الأمر لها نفس فكرة رواية " الجحيم" رائعة الكاتب الفرنسى هنري باربوس الحاصل على جائزة غونكور سنة 1916، حيث يتخذ الكاتب ثقب الباب لكى ينظر أيضاً على العالم مصغراً فى حجرة .
وقد يتطور الأمر إلى أكثر من التناص ، والذى جدلأ سنطلق عليه اصطلاحاً " التلاص" ودون الدخول فى الكتابة الأدبية المعقدة ، فكثيرأ من النصوص تسطو تماما على مثيلتها من نصوص أخرى. هذا ما يجاز تسميته الغش الكتابى، فاتهام باسم يوسف بسرقة مقالة للكاتب الروسي اليهودي بن جودة خير مثال على التلاص.
وقد يصل الأمر إلى حد الاتهام بالسرقات الأدبية ؛ الروائي المصري رؤف مسعد اتهم الأديب المصري علاء الأسواني صراحة بارتكاب "سرقة أدبية" ، وعبر دراسة أدبية أوضح أن رواية الأسواني "نادي السيارات" المنشورة عام 2012 "مقتبسة" من رواية "حفلة التيس" للأديب العالمي الحاصل على جائزة نوبل في الآداب عام 2010، ماريو بارغاس يوسا .
وعبر قراءة أسلوبية للروايتين يمكن إثبات أن هناك تطابقاً يتعدى حدود التناص بين الروايتين في البنية والحبكة الدرامية والشخصيات وأماكن الأحداث وكل مقومات الرواية .
كثيرون من اتهموا الأسوانى بالسرقات الأدبية "سرقة أدبية" فعند عقد مقارنة بين روايه " عمارة يعقوبيان " وما دونها من انتاجه سنجد فارقاً لا يمكن لكاتب الوقوع فيه ؛ مما دفع عدد من مهاجميه بدعوته للتوقف عن الكتابة ، وقد فسر البعض تميز " عمارة يعقوبيان" إلى سببين ؛ أولهما سطوه على مخطوط لأبيه الأديب عباس الأسوانى ، ثانيهما أن عمارة يعقوبيان الموجودة بشارع طلعت حرب بناها المليونير هاغوب يعقوبيان عميد الجالية الأرمنية عام 1934، تحولت إلى رواية خبيثة مدفوعة الثمن ، تفتح ملفّ قضيّة أملاك اليهود في مصر، وفى نظر الكثير أن هذا هو سبب اهتمام الغرب بالرواية وترجمتها إلى لغات عدة منها العبرية ، هذا بالإضافة إلى اهتمامها بقضية المثلية الجنسية .
رواية إنجليزية قديمة جدا، مهملة، للكاتب الإنجليزى تشارلز كنجزلي بعنوان «هايبيشيا»، كتبت سنة 1853 تحولت فجأة إلى رواية " عزازيل" للكاتب المصري يوسف زيدان . الأشخاص الرئيسة، أي الراهب والبطريرك وهيباتيا فى كلا الروايتين، نفس الأحداث مع تغير بعض التواريخ الحقيقية والتحريف فى الوقائع.
هذا ما دفع الكاتب التونسي كمال العيادي للمطالبة بسحب جائزة البوكر التي حصل عليها عن رواية "عزازيل"
تاريخ السينما يزخر بالآلاف من الأفلام المنقولة عن أعمال أدبية، لكن أن يتحول الفيلم إلى عمل أدبى فهذا قليل ، وفى الغرب وكنوع من اقتصاديات السينما تقوم شركات الإنتاج السينمائي بالاشتراك مع دور نشر متخصّصة بتحويل الفيلم بعد نجاحه إلى عمل روائى ؛ بغيى تحقيق مزيداً من الأرباح المادية ، أعطى مثالا لذلك أعمل الروائي الأنكليزي غراهام غرين، “صخرة برايتون” (1938) و”القوة والمجد” (1940) و”القنصل الفخري” (1973)، كونه عمل فى بداياته ناقدا سينمائيا في صحيفة بإنجليزية .
الروائي الكولومبي ماركيز كتب قصص قصيرة بالاعتماد على سيناريوهات أعدّها للسينما، فى مجموعته القصصية " اثنتا عشرة قصة مهاجرة".
الأمر يختلف فى الكتابة العربية المأخوذة عن الأفلام ، فلا هو تحويل الفيلم إلى رواية ، ولا هو الاعتماد على تقنية سيناريوهات السينما فى تطوير العمل الأدبى ، وإنما السطو على فكرة الفيلم وتحويرها وسرقة بعض المشاهد من الفيلم ، يذهب البعض إلى استخدام هذه التقنية فى رواية "الفيل الأزرق" للكاتب أحمد مراد ، يقول متابعو السينما أن الرواية نقلاً عن فيلم "الواشم" والذى يحكى قصة شاب يرسم الوشم ثم يحصل على مطرقة لصنع الأوشام، ويستدعى عفريت الوشم ، استخدم مراد أيقونة العفريت مع التحوير داخل الرواية .
يتبقى أن المبدع الحقيقى قد يتعرض لظاهرة النقل ولا ندرى إن كانت مدركة أو غير مدركة فى لحظة التأثير , فلا نختلف مطلقاُ أن عبد الوهاب ضلع كبير فى الموسيقى العربية ، وبدرجة عبقرى، وقد قيل عن نقله لأجزاء من ألحانه . ولا نختلف أن شاعراً كأمل دنقل من الشعراء الجيدين ،وابداعه له التقدير من المتلقى والناقد ،إلا أننا نتوقف دون تفسير لظاهرة التناص بينه وبين أحد الشعراء الروس فى قصيدة " كلمات سبارتكوس الأخيرة "وبالتحديد المقطع التالى:
المجد للشيطان .. معبود الرياح
من قال " لا " في وجه من قالوا " نعم "
من علّم الإنسان تمزيق العدم
من قال " لا " .. فلم يمت ,
وظلّ روحا أبديّة الألم !
والعهدة هنا على نسيم مجلى فى كتابه " أمير شعراء الرفض"
وطالما أن هناك ابداع سيظل هناك من يفتش عن جذوره ، لذا فالمبدع الحقيقى هو الأكثر حذراً من ذائقة المتلقة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع