الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في وصف البنات من - القمرة - إلي - المزة -

أحمد الخميسي

2015 / 7 / 11
الادب والفن


في ستينات القرن الماضي دارت أوصاف البنات في مدار"القمرة" و" السنيورة"، وأحيانا"سندريلا". لكن تطور العلاقات واختلاف مفهوم الحب وتبدل النظرة إلي فتاة الأحلام قطع مشوارا طويلا ليصل في وصف البنات مؤخرا إلي" المزة". والاختلاف في اللغة والوصف كبير ولا يخلو من مغزى اجتماعي. كانت البنات في الستينات والسبعينات" قمرا" يصعد إليه الشاب على سلالم الرومانسية نحو حفيدات " عايدة" التي عشقها كمال في ثلاثية محفوظ واستنكر أن تكون من لحم ودم. حينذاك كانت البنت كائنا نورانيا، وكان الحب مشبعا بتنهدات ودموع لبني عبد العزيز على كتف عبد الحليم حافظ. حينذاك كانت كلمات مثل " قمر" ، و"بدر" تناسب الفهم الأفلاطوني السائد للمحبة، ثم تبدل ذلك المفهوم، وشاعت مع تبدله أوصاف أخرى مثل" عسولة" و" قشطة" وانتهاء ب"الصاروخ" إشارة إلى أفضلية الجمال المحسوس الملموس، وإلى أن البنت لم تعد فقط عطرا روحيا شاردا بل صارت العطر والقارورة معا في وحدة واحدة. ثم ظهرت مؤخرا كلمة جديدة هي " مزة " في وصف البنت و"مز" في وصف الولد. وكان من المستحيل عهد أحزان عماد حمدي وفاتن حمامة في" بين الأطلال" أن يصف عماد الرقيقة فاتن بأنها " بنت إنما مزة "! توارى التصور الرومانسي للمرأة، وأصبح الشباب بحاجة لكلمة جديدة تملأ الفم بإحساس مادي، كأنها قطعة من اللحم، وتوقظ الشعور بأن البنت من لحم ودم علاوة على التنهدات.ويظن الكثيرون خطأ أن كلمات مثل" مزة" رطانة، أي من الكلمات التي تستخدم اصطلاحيا بين مجموعة محددة للإشارة لمعنى محدد تفهمه هذه المجموعة وحدها. لكن الكلمة " مزة " عربية فصحى. ذلك أن أول ما تفعله اللغة استجابة لاحتياجات التطور هو العودة إلي الأصول، والبحث هناك عن كلمة تفي بالتعبير عن الحالة المستجدة. وإذا أنت بحثت في " لسان العرب" عن كلمة " مز"، ستجد الفعل : " مز – يمز - مزازة " أي استحسن الشيء ورأى له فضلا، ويقال: هذا أمز من هذا، أي أحسن وأفضل منه! أيضا فإن كلمة " حرافيش" التي كان يستخدمها نجيب محفوظ لوصف مجموعة أصدقائه المقربين فقد وردت عند المقريزي في كتابه" إغاثة الأمة" بمعنى الصعلوك وهي الأخرى كلمة فصيحة مفردها "حرفوش". وبينما تجدد اللغة نفسها بالبحث في منابعها، فإنها تستبقى الكلمات التي لم تنفد صلاحيتها في التعبير عن الواقع، وعلى سبيل المثال فإننا مازلنا نستخدم كلمة " بقف " لوصف الشخص الثقيل، وقد استخدمها منذ نحو مئة عام عيسى عبيد أحد مؤسسي القصة القصيرة المصرية في قصته " ثريا " 1922 بالمعنى الذي نستخدمه الآن حين نقصد الإشارة لإنسان ثقيل. تقول " ثريا" في القصة :" أشكرك أنك خلصتني من البقف الثقيل ده "! وقد مضى على القصة نحو مئة عام من دون أن تنفد صلاحية الكلمة، فظلت شائعة مستخدمة. إلا أن علاقات المحبة في ظني هي الأسرع إلي المبادرة بتغيير وإثراء معجمها اللغوي. والفرق بين وصف البنت الجميلة بالقمر أو وصفها بالمزة هو الفرق بين عصر رومانسي كان نجمه المفضل"جيمس دين" الحالم بنظرته السارحة وخصلته المرسلة على جبينه، وبين عصر يفضل الشعور بطعم الأشياء في فمه. لم تعد البنت " سندريلا"، ولم يعد الولد " الشاطر حسن"، وقد أدركت اللغة ذلك. أما أنا وأبناء جيلي فقد توقف نمونا عند مرحلة صلاح جاهين :" البنات .. البنات .. ألطف الكائنات".

***

أحمد الخميسي – كاتب مصري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ظهور حمادة هلال بعد الوعكة الصحية في زفاف ابنة صديقة الشاعر


.. كل يوم - -ثقافة الاحترام مهمة جدا في المجتمع -..محمد شردي يش




.. انتظروا حلقة خاصة من #ON_Set عن فيلم عصابة الماكس ولقاءات حص


.. الموسيقار العراقي نصير شمة يتحدث عن تاريخ آلة العود




.. تأثير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي على آلة العود.. الموسيقا