الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نهاية وبداية مرحلة تاريخية جديدة

حسن عماشا

2015 / 7 / 12
مواضيع وابحاث سياسية



لم تكن فلسفة "الفوضى الخلاقة" تجاه منطقتنا العربية خصوصا، ومناطق المستعمرات القديمة عموما تعبير عن استراتيجية رعناء اعتمدها "المحافظون الجدد" لدى تسلمهم الادارة في الولايات المتحدة الأميريكية، بل اتت تعبيرا عن الاتجاه السائد في أميركا لجميع الاتجاهات السياسية والذي تكونت بداياته مع سقوط جدار برلين. وما اعتبر في حينه نهاية "الحرب الباردة" وبداية لنظام عالمي جديد، يقوم على القطب الواحد. (قيل يومها ان "الحرب الباردة انتهت بقتيل هو "المعسكر الاشتراكي" وجريح هو المعسكر الغربي بزعامة الولايات المتحدة). لقد قالها صمومئيل برغر قبل "المحافظون الجدد" في محاضرة له تحت عنوان :"الشرق الاوسط ، المنطقة الأخطر في العالم، وهي تعني رفاهنا الاجتماعي وقيمنا وفي قلبه إسرائيل التي تجسد هذه القيم". وبقاء الولايات المتحدة وإسرائيل رهن سيطرتنا على هذه المنطقة، ليس في موقعنا الحالي كزعماء لهذا العالم والأقل تأثرا بالأزمات التي تعصف به. انما تعني ايضا ركيزة لوجودنا ودورنا المستقبلي.
من هنا لم يمدد الأخطبوط الأميركي اطرافه في طول المعمورة وعرضها. الا في محاولة بائسة منه لوقف حركة التاريخ. والحروب التي اشعلتها في العالم وتلك التي خاضتها بقواها وحلفائها. بدءا من الصومال مرورا في افغانستان والعراق. استنفذت فيها وغيرها من الحروب قوى كثيرة وذات وزن عالمي من الاتحاد الأوروبي الى موروثات القوى الاستعمارية. الى أن اصبحت الولايات المتحدة عاجزة عن خوض أي حرب حقيقية مباشرة ، وهذا ما افقدها الكثير من هيبتها ونفوذها العالمي.
في الوقت الذي تتعاظم فيه قوة الدول المناوئة لها تاريخيا. من روسيا والصين الى العديد من الدول الأوروبية وصولا الى ايران في منطقتنا. جاءت الولايات المتحدة وفي عز سطوتها الكونية الى منطقتنا لوضع "خارطة طريق" تحدد من خلالها خطوط سير المنطقة بما يتوائم مع احكام سيطرتها وتمحورت حول "عملية التسوية" للصراع العربي الصهيوني. وأمنت لذلك مظلة دولية شاركت فيه كل الدول بما فيها روسيا والصين. ورسمت وحدها آليات تحقيق هذه التسوية لكنها اصطدمت بعقبة صلبة تمثلت في موقف سوريا. ورغم نجاحها في جر العرب منفردين الى انتاج اتفاقات مع الكيان الصهيوني كانت اليد العليا فيها لهذا الكيان من تكريس كامب ديفيد مع مصر الى وادي عربة مع الاردن وأوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية. الا أن صمود سوريا وعدم استجابتها للإملاءات الأميركية والدولية والعربية عطل مفاعيل تلك الاتفاقات، وكان اهمها منح الكيان الصهيوني الأمان فضلا عن التطلع بان يلعب هذا الكيان الدور الرئيسي في تحديد مسار تطور المنطقة في كل الميادين ، ويشكل هو محورها ومركزها التجاري والاقتصادي. ولهذه الغاية جرى تكوين شريحة سياسية ما فوق الكيانات في كل الدول العربية ترتبط بمصالحها ومشاريعها مع الكيان الصهيوني وكان نموذجها الحريرية في لبنان ،وجماعات التطبيع في كل الأقطار العربية بما فيهم رموز فلسطينية. في وقت لم تكن فيه الممانعة السورية تقف عند حد الرفض للخضوع بل كانت تعمل بجهد على تدعيم قوى المقاومة وتشكيل ملاذا لها على أرضها . فكانت هي السند والعمق للمقاومة في لبنان ، التي بدورها تميزت ونجحت في كسر الهيبة الصهيونية مما انعكس فضيحة للدول العربية التي قامت بتعبئتها لتبرير خيار التسوية على اساس انه لا يمكن هزيمة الكيان الصهيوني وبالتالي تكون الاستجابة لمقتضيات التسوية معه اقل كلفة من استمرار حالة الحرب.
وكان انتصار المقاومة في العام الفين والانسحاب الذليل للكيان الصهيوني من جنوب لبنان تحت ضربات المقاومة. قد عطل الدور المناط بهذا الكيان. والذي هو حماية المصالح الاستعمارية ومنع اي كيان عربي من الاستقلات والتفلت من الهيمنة. وتحول الى كيان يحتاج الى الحماية .
وجاء الحشد الدولي لإستعادة الهيبة الصهيونية وما يسمى "قوة الردع" ليدفع بالكيان الصهيوني الى خوض حرب العام 2006 رغم ما كان يحظى به من غطاء دولي وعربي وحتى لبناني التي باءت جميعها بالفشل وأودعت بنتائجها هذا الكيان في "مأزق وجودي" . حتى محاولته عام 2008 في غزة أدت الى نفس النتيجة. فاذا كانت الولايات المتحدة اصبحت عاجزة عن خوض حروب مباشرة بعد غزو العراق عام 2003 . ولا هي قادرة على تأمين اي تحالف مقاتل حقيقي للسيطرة على منطقتنا. وكذلك الكيان الصهيوني بعد عام 2006 . فما كان بيدها الا ان تندفع بالمغامرة في استخدام أخر أدواتها وهي دفع المنطقة نحو الفوضى المدمرة بالاعتماد على ادواتها في النسيج الاجتماعي من بقايا الارث الاستعماري والكثير من البروباغندا الاعلامية . ان قراءة الخط البياني لحجم القوى التي كانت بيد الولايات المتحدة ومدى استجابتها للسياسات التي ترسمها تكشف كم خسرت من فعاليات هذه القوى وانحسار دول كبرى في المنطقة في حدود الحيز المباشر لها ، في حين ان القوى المناوءة لها تتعاظم اقليميا ودوليا.
إن اي مراقب موضوعي يتابع الأحداث الجارية بواقعية وليس من خلال الدعاية الاعلامية لا يمكنه ان يغفل حقائق بدأت تشكل ارهاصات لتحول تاريخي في منطقتنا تبشر بعصر جديد يتجاوز الحدود التي رسمها الاستعمار والسقوف التي خضعت لها الحركة السياسية العربية منذ وفاة الزعيم العربي جمال عبد الناصر وما تلاه من تحول في موقع ودور مصر. كلها امور دفعت الى ضرورة قيام حركة سياسية جديدة متفلته من كل القيود الاستعمارية السابقة وتتسم بالعقلانية والواقعية العلمية في ادارتها للصراع. وتملك استراتيجية تحررية تظهر معالمها في اكثر من بلد عربي وخصوصا البلدان التي تواجه توترات وعدوان مباشر او غير مباشر يستهدف أمنها واستقرارها.
اذا كانت سوريا قبل اندلاع الصراع الداخلي والهجمة التآمرية التي استظلت فيه من كل قوى الاستعمار وأدواتها المحلية والاقليمية. تحفظ الى حد كبير العلاقات الودية العربية حتى مع الأنظمة الرجعية حفاظا على أمنها واستقرارها، فبعد انكشاف الأدوار التآمرية من هذه الانظمة اصبحت سوريا اليوم وبعد كل ما لحق بها من دمار تميل اكثر للانتقال من موقع الممانعة الى موقع المقاومة و اكثر صلابة في ظل قيادة الرئيس بشار الأسد واتساع القاعدة الشعبية التي يمثلها ويعبر عن تطلعاتها.
كذلك الامر في العراق اذا كان (قبل داعش) يضع في اعتباره مواقف القوى الدولية والاقليمية في سبيل اعادة بناء الدولة فبعد "داعش" وتبيان من هي المقاومة الحقيقية في وجهها ومن هي الدول الداعمة لداعش وسهلت لها سيطرتها على أوسع المناطق في سوريا والعراق. اصبح ايضا اكثر جذرية في مواجهة قوى الاستعمار وأدواته ورغم حجم النفوذ الأميركي والرجعي العربي الذي ما زال فيه من خلال قوى سياسية في نسيجه الاجتماعي. اكثر تحررا ويعمل على فرض شروطه في أي صيغة مستقبليه.
وفي اليمن رغم شرسة العدوان الرجعي السعودي حددت قواه الوطنية استراتيجيتها بشكل لا لبس فيه. واصبح الفرز والحدود واضحا بين القوى الوطنية التحررية والقوى التابعة والملحقة بالأدوات الاستعمارية.
هذا في المشرق العربي. أما مغربه وفي الجزء الأفريقي اللذان يحسبان في صف أصدقاء الولايات المتحدة تراهم فقدوا القدرة على لعب اي دور يتماهى من المتطلبات الأمريكية على مستوى المنطقة بجانب انتقال التوترات السياسية والاجتماعية الى داخلهما وتتبلور فيهما قوى سياسية من خارج البنية التي خضعت تاريخيا للحدود الاستعمارية في برامجها وتطلعاتها
اليوم نحن نشهد معالم تحلل وتفكك مرحلة تاريخية ارتسمت بعد الحرب العالمية الثانية وتكونت على اساس معاهدت "سايكس بيكو". وولادة مرحلة تاريخية جديدة تتبين معالمها من خلال طرح القوى المقاومة للعدوان و الرافضة للسيطرة الأمريكية والصهيونية والرجعية العربية. وابلع من يعبر عن هذا المسار التحرري الوطني – القومي هو حزب الله وسوف تكتمل اللوحة للمسار الجديد مع القوى المتماهية في المقاومة وتتبلور الحاجة الى بناء الدولة – الأمة . وتتم بضوء ما تقدم مقومات الجبهة الوطنية الوحدوية التي سيقوم على عاتقها بناء الدولة الحديثة. وتقضي الى الأبد على آثار السيطرة الاستعمارية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليمن.. حملة لإنقاذ سمعة -المانجو-! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ردا على الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين: مجلس النواب الأمريكي




.. -العملاق الجديد-.. الصين تقتحم السوق العالمية للسيارات الكهر


.. عائلات الرهائن تمارس مزيدا من الضغط على نتنياهو وحكومته لإبر




.. أقمار صناعية تكشف.. الحوثيون يحفرون منشآت عسكرية جديدة وكبير