الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


!!التلوث .. بالصمت والأمونيا

ياسر العدل

2005 / 10 / 11
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


يذكر تقرير دولى، أن مصر تكلفت أربعة عشر مليار جنيه بسبب تلوث البيئة، مئات الآلاف من المصريين أصابهم الدرن والفشل الكلوى وأمراض الكبد وبعض أنواع السرطان، هاجمتهم سحابات موت سوداء من عوادم مصانع وخراب كثير من الزمم0
على شاطئ النيل وفى ارض مصر، تقبع مدينة المنصورة عاصمة محافظة الدقهلية، يشكو أهلها حال مدينتهم الحزينة، أكثر من نصف مليون إنسان يعانون آثار ارتفاع معدل تلوث الهواء والماء إلى ثلاثة عشر ضعفا فوق المعدل الطبيعى، والسبب الرئيس عوادم ينفثها مصنع سماد النترات بمدينة طلخا على الشاطئ المقابل لنيل المنصورة، فمن آثار حرب 1967م توقف المصنع فى مدينة السويس ونقل إلى مدينة طلخا، أقيم على أرض زراعية نزعت من قوت الناس وأرزاقهم، وعاد المصنع للإنتاج فى طلخا عام 1975م، وتمت توسعات بالمصنع لإنتاج سماد الأمونيا سنة 1980م، وعلى مدى ثلاثين عاما، يقوم المصنع بتلويث البيئة المحيطة، يبث أطنانا من الأمونيا فى هواء تستنشقه صدور الناس، ويلقى بأطنان من الأحماض فى مصارف مياه تتسرب إلى بطونهم0
يقول العلماء فى جامعة المنصورة، أن اكثر من عشرة نواتج ضاره من الغازات والأحماض، ينفثها المصنع فى المنطقة المحيطة بمساحة 15 كيلومتر مربع، وتسربت الأحماض فى الماء السطحية فهجرت الأسماك مصارف المياه مثلما حدث فى مصرف بطرة، وتسربت الأمونيا إلى المياه الجوفية، وارتفعت نسبة الأمراض السرطانية والكبد والفشل الكلوى يعانيها خمسون ألفا من سكان زمام قرية ميت عنتر المجاورة، وبرغم أن إدارة المصنع تجاهر إعلاميا بأنها أنفقت 170 مليون جنيه على تكنولوجيا منع التلوث، إلا أن المصنع يلقى بالعوادم السامة بعيدا عن عيون الرقابة الشعبية وبعيدا عن أنوف أصحاب الزيارات الرسمية0
الناس فى البلاد المتقدمة، لديهم مؤسسات مدنية قوية وأجهزة رقابية فاعلة، تدفع صانع القرار لأن يحافظ على البشر وسلامة البيئة، يبنون مصانع السماد بعيدا عن الكتل السكانية بمسافات تصل إلى ثمانين كيلومترا، وحين ضاقت بلادهم بمشاريعهم، ينقلون المصانع القديمة وينشئون الجديد منها فى بلاد متخلفة، تعانى من ضعف مؤسساتها المدنية وصورية أدواتها الرقابية، هكذا قرر بعض أصحاب رأسمال الأجنبى أن يستثمروا مبالغ تصل الى 1700 مليون جنيه مصرى فى إنشاء مصنع مجاور لمصنع سماد طلخا بالمنصورة، لينفث المصنعان، أو المصنع الواحد بعد التخصيص، مزيدا من السموم على سكان المدينة، ومزيدا من اختراق نسب التلوث البيئى لأضعاف المستويات المسموح بها دوليا0
وبحجة أن المصنع الجديد سينشئ حوالى 1200 فرصة عمل، قرر المجلس الشعبى لمحافظة الدقهلية، فى جلسة استماع شهر يونيو الماضى، أن المبدأ الثابت لدى المجلس هو أن يقام مصنع السماد الجديد فى محافظة الدقهلية، واختلفت الآراء حول مكان إنشاء المصنع الجديد، أقلية تدافع عن رأى أصحاب رأس المال ويؤيدهم بعض المنتفعين، يصرون على إقامة المصنع الجديد بجوار المصنع القديم مما يخفض تكاليف الإنشاء على جيوبهم بمقدار 25%، وأغلبية تدافع عن رأى المهتمين بالحفاظ على البيئة ويناصرهم علماء جامعة المنصورة، يرون نقل المصنعين بعيدا إلى مناطق صناعية جديدة فى أرض صحراوية0
وبرغم التقارير والأبحاث العلمية المحايدة التى تؤكد ارتفاع نسبة التلوث فى مدينتى المنصورة وطلخا، بما يضر الإنسان والزرع والضرع، إلا أن سلامة البيئة والإنسان، يظل أمرا لا يهم بعض المنتفعين من اقتصاديات رأسمال أنانى بطبيعته، ويهمله بعض كبار موظفين يقيمون بصفة مؤقتة فى المنطقة، ويبقى أمر التلوث كأسا زهاقا يتجرعه علماء ومواطنون يعيشون فى المنطقة غير منظمين مدنيا أو سياسيا أو اعلاميا0
وحين يبقى أهل المنصورة على هذه الحال، مدينتهم تضم هيئات أهلية وحزبية تعيش الغيبوبة وتمارس الصمت، مدينتهم تضم جامعة يقدم علمائها أبحاثا تتحول بالإهمال إلى كلمات غير قادرة على إقناع أصحاب القرار بمصالح الأغلبية، مدينتهم تضم جماعات أنانية تضعف أمام إغراءات رأسمال جبان، هكذا حين تبقى السلبية شعار الأغلبية، فإننا ننصح أهل المنصورة بمغادرة مدينتهم، تاركين مشكلة مصانع سماد طلخا لبعض قليل من أعضاء المجالس المحلية والشعبية وتجار الأسمدة، ذلك بأنهم صنف من البشر يعيش على ترويج صناعة التلوث، عيونهم تندب فيها رصاصات العلم ولا يشعرون، ومن أنانيتهم يتاجرون بالكوارث ولا يخجلون0








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية في بريطانيا.. هل باتت أيام ريشي سوناك م


.. نحو ذكاء اصطناعي من نوع جديد؟ باحثون صينيون يبتكرون روبوت بج




.. رياضيو تونس.. تركيز وتدريب وتوتر استعدادا لألعاب باريس الأول


.. حزب الله: حرب الجنوب تنتهي مع إعلان وقف تام لإطلاق النار في




.. كيف جرت عملية اغتيال القائد في حزب الله اللبناني؟